استغلال المنظمات الإرهابية مأساةَ "الروهينجا" في بورما
تَجَدُّد أعمال العنف ضد مسلمي "الروهينجا":
تَجَدّدتْ أعمال العنف ضد مسلمي "الروهينجا"، في أعقابِ صَمْتِ القُوى العالميّة والمنظمات الدولية المُخزي على ما يحدث في "بورما" من جرائمَ إرهابيّةٍ ضد الإنسانية، تَفوق جرائمَ التطهير العِرْقيّ وجرائمَ الحرب، بحقِّ مواطني "الروهينجا" المسلمين، الذين يَقْطُنون في إقليم "راخين"، ويبلغ تَعدادهم نحو مليون نسمة، مَحرومين من الجِنسيّة، ويُعانون من التمييز والاضطهاد مِن قِبَلِ الجيش والحكومة ذات الأغلبيّة البوذيّة.
تلك الفاجعةُ الإنسانيّة راح ضحيَّتها حتى الآنَ -وَفقًا للرواية الرسمية للجيش البورميّ- نحو 500 قتيلٍ على الأقل، غالبيّتهم من "الروهينجا"، فيما تَحدّثت الأمم المتحدة عن ضعفي هذا العدد كمُحصّلةٍ قابلةٍ للزيادة، مشيرةً إلى إحراق قرى وارتكاب تجاوزاتٍ جسيمة في حَقّ المدنيين المسلمين، كما أنَّ عدد اللاجئين "الروهينجا" المسلمين الفارّين من "بورما" منذ 25 أغسطس الماضي تَجاوَزَ 300 ألف نسمة.
فضلًا عن الآلاف من النازحين منهم على الحدود بين بورما وبنجلاديش، الذين تَمنعُ الدولةُ البورميّةُ دخولَهم، و59 ألفًا نازحين في ماليزيا، كما نَدّدت الأممُ المتحدة كذلك "بنموذجٍ كلاسيكيٍّ للتطهير العِرْقيّ"، فيما أدانتْ "واشنطن" تَصاعُدَ العنف، وأَعربتْ عن "القلق الشديد" من الهجمات التي تُشَنُّ على طرفَي النزاع.
صمْت الأموات العالمي وتفاعُل التنظيمات المتطرفة:
وفي حين اكتفتْ ردود الأفعال العالمية بالإدانة والشجب دون تحريكِ ساكنٍ أو تغييرٍ يُذكر على مسرح الأحداث المأساوية، استغل تنظيما "داعش" و"القاعدة" هذه المأساةَ وتَسَلْسُلَ حلقاتها بطريقةٍ دراماتيكيّةٍ مؤسفة، تضمن لهم العودةَ من جديدٍ لتصَدُّرِ المشهد أمام مسلمي العالم، وتقديم أنفسهم على أنهم المدافعون عن الضعفاء والمضطهدين ضد الظالمين والمجرمين، وأنهم خيرُ مَن يذود عن المستضعفين من المسلمين في الأرض.
الأزهر يطلق صرخةَ استغاثةٍ إنسانية:
وقد حصَل ما حذَّرَ منه الأزهر الشريف، الذي أدان التقاعُسَ الدوليَّ وتَراخيَ المؤسسات العالمية في التحرك لإنقاذ "الروهينجا" المسلمين ممّا يتعرضون له من أعمالِ إبادةٍ وحشيّةٍ قاسية؛ ففي أكثرَ من مناسبةٍ وجَّهَ الأزهر الشريف على لسان الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، نداءاتِه المتكررةَ لوقفٍ فوريٍّ وعاجلٍ لجميع الانتهاكات التي تقوم بها السلطات البورمية ضد المدنيين الآمنيين من المسلمين هناك، وفتْح تحقيقٍ عاجلٍ بشأن ما وقع بحقهم من مجازرَ وأعمالِ قتلٍ وتعذيب واغتصاب وتهجير، حتى لا تستغل التنظيمات المتطرفة هذه الأحداث الكارثية في تغيير جلدها والمتاجرة بدماء الأبرياء وضحايا هذه المأساة، وصرَّحَ بأنَّ مثل هذه الجرائم هي من أقوى الأسباب التي تُشَجِّع على ارتكاب جرائم الإرهاب، التي تعاني منها الإنسانية جمعاء.
كما دعا شيخ الأزهر، خلال كلمته بمؤتمر «طرق السلام»، الذي عُقدت فعالياته بألمانيا مطلع الأسبوع الماضي، المجتمعَ الدوليَّ للتحرك لإنقاذ مسلمي «الروهينجا» بميانمار، لافتًا إلى أنَّ المجتمع الدولي يقف عاجزًا أمام الأزمات، مؤكّدًا أنه لا يستطيع أحدٌ الوقوفَ عاجزًا أمام الجرائم التي تُرتكب ضد مسلمي "الروهينجا"، وأنَّ الضمير الإنسانى لا يستطيع القَبول بهذه المأساة سواء في الشرق أو الغرب.
كما كرّر شيخ الأزهر، في مقالٍ له نشرته جريدة "صوت الأزهر" الناطقة باسم المؤسسة، إدانة الأزهر لتعديات السلطات البورمية ضد مسلمي "الروهينجا" وعجْز المجتمع الدولي عن إنقاذهم. وأكّد "الطيب"؛ أنَّ بيانات الإدانة والشجب والاستنكار لم تَعُدْ تكفي لمواجهتها، وتابَعَ: "لقد تَبَيَّنَ في عصر الرُّقيّ والمنظمات الدولية أنها في وادٍ، والدماء والجثث والأشلاء وصراخ الأطفال ودموع اليتامى وأنين الثَّكالى في وادٍ آخَر".
"داعش" ولعب دور البطولة:
لقد صدَقت تحذيرات الأزهر وتحليلاته الصائبة للأحداث، عندما طالعتنا وسائلُ الإعلام العالمية على لسان خبراءَ في شئون التنظيمات المتطرفة بقولهم، عن احتمال قيام تنظيم "داعش" في الوقت الراهن بتجنيد مقاتلين بل أُسَر بأكملها من مسلمي "الروهينجا" الفارّين من "ميانمار"، في خطوةٍ توسُّعيّةٍ للتنظيم بآسيا.
في الوقت الذي فَرَّ فيه قرابة 100000 من مسلمي "الروهينجا" -بخلاف ضحايا الأحداث المأساوية الأخيرة- من "ميانمار"؛ جَرّاءَ الاضطهادِ العِرْقيِّ على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي تَتنامى معه المخاوفُ من اتجاه التنظيم المسلح لهذه الخطوة، ولاسيما إذا كان هؤلاء الفارّون من طالبي اللجوء في ماليزيا وإندونيسيا -البلدَيْنِ المعروفَيْنِ بنشاطهما في تجنيد العناصر المسلحة- حسب ما جاء في صحيفة "نيوزويك" الأمريكية.
وكانت الاشتباكات العنيفة بين الجماعات العِرْقية المختلفة، خاصّةً "الروهينجا" المسلمين و"الراخين" البوذيين في "ميانمار" قد استمرت لعدة سنوات، مما دفع عشرات الآلاف من "الروهينجا" لمحاولة مغادرة البلاد، على حدِّ قولِ "فيل روبرتسون"، نائب المدير التنفيذيّ لقسم "هيومان رايتس ووتش" في آسيا، والذي أشار أيضًا إلى أنَّ هذه الفترة الطويلةَ من العنف أَدّتْ إلى "زيادة التشدد" بين الأقلية المضطهدة.
ومع إبداء العديد من الدول استعدادَها لإيواء "الروهينجا" الذين يفتقرون للمال لإعالة أسرهم، يُحذِّر المُحَلِّلون من أنَّ انضمامهم لتنظيم "داعش" قد يصبح خيارًا جذّابًا بالنسبة لهم.
وقد ذَكر "جاسميندر سينج"، وهو مُحَلِّلُ أبحاثٍ في "جامعة سنغافورة للدراسات الدولية"، لصحيفة "سنغافورة ستريتس تايمز"؛ أنَّ عناصرَ من المسلحين والمتعاطفين مع "داعش" قاموا بنشر رسائلَ على الإنترنت؛ لحَثِّ مسلمي "الروهينجا" على السفر إلى سوريا للمشاركة في القتال.
ورغم رفضه التعليقَ على قضية "الروهينجا"، قال "روهان جوناراتنا"، رئيس "مركز سنغافورة الدوليّ للعنف السياسيّ والإرهاب": إنَّ تنظيم "داعش" الإرهابي أصبح قريبًا جدًّا من استقطاب وتجنيد المسلمين المستضعفين أينما كانوا.
وأضاف : "يعمل "داعش" على تنمية قدراته للوصول إلى المجتمعات الإسلامية وتجنيد عائلاتٍ بأكملها؛ وذلك بتقديم المأوى لمَن لا مَلاذَ لهم، في خطوةٍ لما يُسَمُّونه: بناء الدولة".
وعلى مدار اليومين الماضيين، أطلق وزير الدفاع الماليزيّ، هشام الدين حسين، تحذيراتِه؛ من أنَّ أنصار "داعش" في جنوب شرق آسيا قد يُخطّطون لشَنِّ هجماتٍ في "بورما"، ردًّا على اضطهاد مواطني "الروهينجا" المسلمين.
وقال هشام الدين حسين: إن "داعش" يسعى لإقامة موطئ قدمٍ له في المنطقة الآسيوية، مؤكّدًا أن التنظيم الإرهابيَّ قد يستغل الأزمة؛ لتجنيد شبان من "الروهينجا" لتنفيذ هجماتٍ في "بورما"، وَفقًا لما ذكرته صحيفة "تلغراف" البريطانية اليومَ الثلاثاء.
وأكّد الوزير الماليزي، في تصريحاتٍ صحفية نقلتها وسائلُ إعلامٍ محليّة: "لذلك لا نستطيع أن نترك "الروهينجا" وحيدين يائسين دون مساعدة"، مشيرًا إلى أن تفاقُمَ الأزمة قد يدفع بهم إلى الانخراط في صفوف جماعاتٍ إرهابية؛ الأمر الذي سيُعَرِّض المنطقة لخطر هجماتٍ محتملة.
وتأتي التحذيرات وسط فرارٍ كبيرٍ لمسلمي "الروهينجا" نحو بنجلاديش والدول المجاورة؛ خوفًا من مجازرَ يرتكبها الجيش البورميُّ ضدهم.
وحسب التقديرات؛ فإنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، فَرّ نحو 370 ألفًا من "الروهينجا" نحو بنجلاديش.
كما تأتي تحذيرات وزير الدفاع في وقتٍ تعاني فيه ماليزيا من خطرِ اختراقِ "داعش" حدودَها، بعد تَمَدُّدِهِ بشكلٍ واضح في مدينة "مراوي" جنوبي الفلبين، والتي تُعَدُّ قريبةً من ماليزيا.
وأكّد مركز البحوث الماليزي "إيمان"؛ أنّ ميليشياتٍ ماليزيّةً تَستغل أزمة "الروهينجا"، وتُدَرِّبُ شبابًا منهم لإرسالهم للقتال ضمن صفوف "داعش" في الفلبين.
في حين نَشرتْ صحيفة "تليجراف" البريطانية، مجموعةً من التحذيرات التي وجهتها ماليزيا، حول إمكانيّة استغلال "داعش" الأوضاعَ الصعبة التي يعانيها مسلمو "الروهينجا"، في إغرائهم للالتحاق بالتنظيم الإرهابي.
"القاعدة" على خطّ المواجهة من جديد.. "أراكان تُناديكم":
دعا تنظيمُ "القاعدة" المسلمينَ إلى دعْم "الروهينجا" ماليًّا وعسكريًّا، وأصدر بيانًا حملَ عنوانَ: "أراكان تناديكم"، تداولته حساباتٌ متطرفة على مواقع التواصل الإجتماعى، توجَّهَ فيه إلى مقاتلي تنظيم "القاعدة"؛ لتقديم الدعم لمسلمي "الروهينجا" في بورما الذين يواجهون حملةً أمنيّةً شرسةً من الجيش البورميّ، أَدّتْ إلى تهجير نحو 400 ألف منهم إلى بنجلاديش، مُحَذِّرينَ من أن "نايبيداو" العاصمة البورمية، ستُواجه عقابًا على جرائمها.
كما حثّ تنظيمُ "القاعدة" الإرهابيّ المتورط في أحداث هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، المسلمين في جميع أنحاء العالم، على دعم "الروهينجا" في ميانمار بالمساعدات والأسلحة و"الدعم العسكري".
ونقلتْ "رويترز" عن "القاعدة" قوله: "إنَّ المعاملة الوحشيّة التي واجهها المسلمون لن تَمُرَّ دونَ عقاب".
وقال البيانُ: إن "الأساليب الوحشيّة التي تمارسها حكومة ميانمار تُجاهَ إخواننا المسلمين لن تَمُرَّ بغير عقابٍ، وبإذن الله سوف تَشربُ من الكأس نفسِها التي سَقَتْ منها إخوانَنا المسلمين في أراكان"، في إشارةٍ إلى الاسم السابق لولاية "راخين" التي يعيش فيها المسلمون في ميانمار.
كما جاء في البيانِ: "نحن ندعو جميعَ الإخوة المجاهدين في بنجلاديش والهند وباكستان والفلبين إلى النَّفير إلى بورما؛ لنُصرة إخوانهم المسلمين هناك، وتهيئة ما يلزمهم من إعدادٍ وتدريبٍ لمقاومة هذا الظلم الواقع عليهم، ونَيل حقوقهم التي لا تُستردّ إلّا انتزاعًا"، وبورما هو الاسم السابق لميانمار.
و دعا فرع تنظيم "القاعدة" في اليمن إلى شَنِّ هجماتٍ إرهابيّةٍ ضد سلطات ميانمار؛ لدَعْم مواطني «الروهينجا» المسلمين.
حيث ذَكر مركز «سايت» لرَصْد المواقع المتشددة؛ أن قياديًّا بارزًا بفرع "القاعدة" في اليمن، قد دعا في رسالةٍ مُصَوَّرَةٍ نشرتْها مؤسسةُ «الملاحم الإعلاميّة»، التابعة لتنظيم "القاعدة"، المسلمين في بنجلاديش والهند وإندونيسيا وماليزيا، إلى دَعْم إخوانهم من مسلمي «الروهينجا».
"جيش الخلاص" يرفض دعْم "داعش" و"القاعدة":
يأتي هذا؛ في حين رفض المدافعون عن أنفسهم من "الروهينجا"، والذين أَطلقوا على أنفسهم اسمَ "جيش الخلاص"، بعد ممارسة الجيش البورميّ حملاتِ قمْعٍ وتعذيبٍ وطردٍ ضد "الروهينجا" المسلمين بميانمار، أيَّ مساعداتٍ أو دعْمٍ من جماعاتٍ إرهابيّةٍ دوليّة .
وصرّح "جيش الخلاص" -أو: "جيش إنقاذ الروهينجا في إقليم أراكان"- على تويتر: "ليس لدينا أيُّ عَلاقاتٍ مع تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش أو أيِّ مجموعةٍ إرهابيّةٍ دوليّة، ولا نَرغب في أن تَتدخّلَ هذه المجموعاتُ في النزاع في أراكان"، وهى التسمية السابقة لولاية "راخين" في بورما، حيث يَتمركز مسلمو "الروهينجا".
وجاء رَدُّ "جيش إنقاذ الروهينجا" صادمًا لادّعاءات ومَزاعم حكومة ميانمار بأنهم إرهابيّون ومتمرّدون ضد الحكومة؛ في محاولةٍ منها للتغطية على الجرائم التي يرتكبونها ضد العُزَّل.
لكن "جيش إنقاذ الروهينجا" رفَضَ بشكلٍ تامٍّ دعواتِ وادّعاءات التنظيم الإرهابيّ، واعترَض على دخولهم الإقليمَ، معتبرًا أن دخولهم "من شأنه أنْ يُفاقِمَ الوَضْع".
كما أعلن "جيش إنقاذ الروهينجا" وَقْفَ عمليّاته ضد الجيش البورميّ المُجَرَّدِ من الإنسانية؛ حتى تصلَ المساعداتُ الإنسانيّة إلى المحتاجين من اللاجئين، حيث إنّ هدفَهم الرئيسَ هو مساعدةُ أهلهم وسُكّانِ الإقليم العُزَّل الفقراء المضطهَدين.
وحدة رصد اللغة الفرنسية
3122