تصريحات وزير الداخلية الألماني حول أعياد المسلمين تثير الجدل
هل من حق المسلمين في ألمانيا الحصول على عطلةٍ رسمية من العمل بمناسبة الاحتفال بأعيادهم الدينية؟ سؤالٌ طرَح نفسَه على ساحة النقاش في ألمانيا الأسبوعَ الماضيَ، في لقاءٍ حواريّ مع وزير الداخلية الألماني "دي مزيير".
وخلال حواره مع صحيفة "بيلد الألمانية"، أكّد وزير الداخلية الألماني "دي ميزيير"؛ أنه لا يجد مانعًا من حصول المسلمين على عطلاتٍ في أعيادهم، وأعرب عن استعداده لمناقشة إدراج أعيادٍ إسلامية في قائمة العطلات الرسمية في ألمانيا.
ووَفْقًا للصحيفة الألمانية، فإن "دي ميزيير" أكّد تَقَبُّلَه فكرةَ مناقشةِ هذا الموضوع بشكلٍ جِدّيٍّ، وأنه من الممكن اعتمادُه داخل حدود الولايات التي يوجد فيها عددٌ كبير من المسلمين، وليس من الضروريّ اعتمادُ هذه الأعياد بكافّة ولايات ألمانيا.
يُذكر أن ولاياتٍ مثل: برلين وهامبورغ وبريمن، تَعتبِر أن من حقّ المسلمين التغيُّب عن المدرسة أو العمل مع حلول الأعياد الإسلامية، كما استحدثتْ هذه الولاياتُ بعضَ التغييرات على سَيْر العمل لموظفيها المسلمين في رمضان؛ يُشار إلى اعتماد بعض الولايات القراراتِ نفسَها للأعياد اليهودية ضمن القوانين الداخلية الخاصة بها.
وعَضّد "دي ميزيير" رأيَه بالإشارة إلى أن عيد القِدّيسين، الذي يُعَدّ عيدًا دينيًّا للطائفة الكاثوليكية، يتمّ الاحتفالُ به ومعاملته كعطلةٍ رسمية في الولايات الألمانية ذات الغالبية الكاثوليكية، وأنه لا يوجد مانعٌ من تطبيق هذا الأمر مع أعياد المسلمين.
وتباينت ردود الأفعال في الوسط السياسي بين مُرَحِّبٍ ومُعارِضٍ لهذا المُقترَح، فمِن جانبه، اعتبر "أيمن مزايك"، رئيسُ المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، تصريحاتِ "دي ميزيير"، "تَصبّ في صالح الاندماج بألمانيا".
وأضاف: "حتى لو تمّ تطبيق هذا القرار في بعض الولايات فقط، فهذا أمرٌ إيجابيٌّ"، مؤكّدًا أن المسلمين في ألمانيا لا نِيّةَ لديهم لتعطيل العمل في ألمانيا كلِّها من أجل الاحتفال بالأعياد.
وأشار "مزايك" إلى أن مسيرة العمل في بعض مؤسسات الدولة الألمانية تتمّ بالتناوُب بين الموظفين المسلمين والمسيحيين في أيام عيد الفِطر وعيد الميلاد، معتبرًا أن هذه الإجراءاتِ تؤكد حقوقَ الجميع في الاحتفال بعيده، وتساعد على تَقَبُّل الآخِر.
وذكر "مزايك"؛ أن اعتماد عطلاتٍ لأعيادٍ إسلامية في ألمانيا سيبعث برسالةٍ واضحة مُفادها: أن "المسلمين جزءٌ من المجتمع، وهناك تفاهُمٌ مُتبادَلٌ من أجل حياةٍ مُشترَكة جيّدة وسِلميّة".
أما رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي، "مارتن شولتز"، فقد رحّب بالفكرة التي عرَضها "دي ميزيير"، مُصَرِّحًا لوكالة "دبا" الألمانية: "يجب بحث هذا الاقتراح"، لكنه في الوقت ذاته أعرب عن دهشته لصدور هذا الاقتراح من وزير الداخلية غيرِ المعروف بانفتاحه الكبير في هذا الشأن، على حدّ قولِه.
وعلى الجانب الآخَر، واجَه "دي ميزيير" موجةً من الرفض والانتقادات مِن قِبَل سياسيين ممثلين لكلٍّ من: حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وكذلك مِن قِبَل بعض ممثلي الكنيسة الكاثوليكية، ففي تصريحٍ له لجريدة "بيلد"، قال "آليكسندر دوبريند" أحد أبرز شخصيات حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي: "إن ميراثنا المسيحي غيرُ قابلٍ للتفاوض"، واعتبر طرْحَ مسألةِ عطلةٍ رسمية للمسلمين في أعيادهم أمرًا غيرَ قابلٍ للنقاش.
فيما أبدى نائبُ رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، مانفرد فيبر، تَحَفُّظَه على المُقترَح، في تصريحاتٍ لصحيفة "باساور نويه بريسه" الألمانية، قائلًا: "إن عطلاتِ الأعياد تُمَثِّل الطابع الديني لدولةٍ ما، لكنها ليستْ لتمثيل جالياتٍ مُعَيَّنة"، موضّحًا: أن اعتماد عطلاتٍ إسلامية لا تُعتبَر الوسيلةَ التي ستُساهِم في تحسين مَسار اندماج المسلمين في ألمانيا.
كما رفض خبير الشئون الداخلية في الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، "شتيفان ماير"، مُقترَح "دي ميزيير"، وقال: "التقاليد المسيحية هي التي لها تأثيرٌ على صِبغة الحياة في ألمانيا، وتُحَدِّد ملامحَها منذ قرون، ولم يتغير شيءٌ في ذلك حتى اليوم".
من جانبه، يُشيد "مرصد الأزهر" بمُقترَح وزير الداخلية الألماني، "دي ميزيير"، لمنْح المسلمين عطلاتٍ رسميّةً في أعيادهم؛ لما سيكون له من أثرٍ إيجابيّ في نفوس المسلمين المقيمين في ألمانيا، والبالغ عددُهم ما يقرب من خمسة ملايين مسلم، كما أنها خطوةٌ تؤكّد أن الإسلام والمسلمين يُمَثِّلون جزءًا من ألمانيا، وهم مواطنون تحترمهم الدولة من خلال السماح لهم بإقامة شعائرهم الدينية، ومَنْحهم عطلةً للاحتفال بأعيادهم في ظلّ احترام الدستور والقانون الألماني.
الجديرُ بالذكر؛ أن وزير الداخلية الألماني هو المعنيّ -بحُكْم منصبه- بملفّ الحوار بين الأديان، وقد قام بزيارة الإمام الأكبر شيخِ الأزهر، أثناء جولته في القاهرة، في ربيع عام 2016، ألقى خلالها محاضرةً عن التسامح الديني بجامعة الأزهر، في حضور المئات من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، كما قام "دي ميزيير" بتوجيه دعوةٍ رسميّةٍ لشيخ الأزهر أ.د/ أحمد الطيب، لحضور احتفاليّةِ حركة الإصلاح الدينيّ في أوروبا، التي نظّمتها الكنيسةُ البروتستانتية، في العاصمة الألمانية برلين، في مايو الماضي، بمناسبة مُرور 500 عامٍ على تأسيسها.
وحدة الرصد باللغة الألمانية
1364