الروهينجا

مسلمو بلجيكا بين الواقع والمستقبل

مسلمو بلجيكا بين الواقع والمستقبل

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

يتابع العالم بقلق ما يدور على الساحة الأوروبية من أحداث إرهابية تحاول جميع دول القارة مجابهتها بأساليب عدة –سواء اتفقنا معها أو لم نتفق- لكنه مع كل خبر أو تصريح أو مقطع فيديو يبث فيه التنظيم الإرهابي "داعش" الرعب داخل المجتمع الأوروبي من خلال تصريحه باستهداف العواصم الأوروبية، نجد تصريحات من بعض الشخصيات العامة توضح مدى الخوف من المسلمين الذي يعتري البعض، وإن كنا نقدر مدى المعاناة والحزن الذي خيم على الأوروبيين –خاصة البلجيكيين- بسبب الهجمات الإرهابية الأخيرة والتي يعاني منها مجتمعنا الشرقي منذ سنوات، لكن معاناتهم هذه لا تعني أن تقوم بعض الشخصيات الرسمية داخل المجتمع البلجيكي بخلط الأوراق، فبدلًا من أن يلقي وزير الداخلية البلجيكي اللوم على تقصير الشرطة بسماحها لأشخاص إرهابيين بدخول البلاد والقيام بأعمال إرهابية، ألقى اللوم على المجتمع البلجيكي المسلم واعتبره حاضنة للإرهاب في بلاده.
وهذا بالضبط أقصى ما تتمناه الجماعة الإرهابية فهي تهدف دائمًا إلى شيئين أساسيين من وراء تهدياتها المستمرة لأوروبا؛ أولا: إلقاء الخوف والرعب داخل الشعب الأوروبي حتى لا يشعر بالأمن والاستقرار، ثانيًا: كراهية الأوروبيين للمسلمين المقيمين بهذه الدول واضطهادهم والتضييق عليهم، مما يسهّل على الجماعة اصطياد وتجنيد الساخطين منهم على تلك الأوضاع.
ويؤكد النقطة الأولى ما نشره موقع (RUDA) الإخباري، من تحذير الحكومة البلجيكية من إرسال تنظيم داعش لمقاتلين جدد للقيام بهجمات مشابهة لتفجيرات بروكسل الأخيرة. وذكر الموقع تصريح أحد كبار المحللين بأن هناك مؤشرات لإرسال داعش مقاتلين إلى أوروبا وبلجيكا بهدف شن المزيد من الهجمات هناك. وأوضح الموقع أن بلجيكا في أٌقصى حالات التأهب الأمني منذ أحداث تفجيرات بروكسل، وحالة الترقب هذه لحدوث هجمات جديدة -تهدد بها الجماعة الإرهابية- في محلة إذا كان على المستوى الحكومي والشرطي لكن المشكلة تكمن في أن يتعدى هذا الخوف والهلع ليصل إلى المجتمع فيبدأ الأفراد بالخوف والتشكك في بعضهم البعض.
ومن المفترض أن تعمد تلك الدول التي تحاول مكافحة الإرهاب على دعم اللحمة الوطنية داخل مجتمعها لا أن تساهم في تفرقه وتحزبه، وهذا ما انتبه إليه كثير من الأشخاص داخل المجتمع البلجيكي؛ حيث نظم مؤخرًا الآلاف مسيرة ‘ضد الإرهاب والكراهية’ بعد ما يقرب من شهر من الهجمات الإرهابية التي راح ضحيتها 32 شخصًا طبقا لما نشرته صحيفة (Daily Mail)، وقد تجمع أكثر من 7000 شخص -ضمنهم مسلمين- في شوارع العاصمة البلجيكية بروكسل في مسيرة سلمية ضد الإرهاب والكراهية. وقد قامت الجماعات المدنية في العاصمة بتنظيم هذه المسيرة التي تهدف إلى إظهار وحدة المجتمع عقب هذه المذبحة. وقد كان الآلاف من المتظاهرين ممسكين بأعلام بلجيكية وورود ورموز وشعارات للسلام. وقال أحد المشاركين في هذه المسيرة يدعى حسن بوسيتا: "عندما يراق دم بعض المدنيين المسالمين، يجب أن يقف كل المجتمع للتعبير عن تضامنهم مع أهالي الضحايا."
وهذا التلاحم المجتمعي ضد التطرف والإرهاب هو ما نحاول لفت النظر إليه، لكن ما يقوم به على البعض –على الجانب الآخر- من تشويه للمجتمع المسلم في الغرب يجب أن نحذر منه في الوقت ذاته، ففي حوار مطول مع وزير الداخلية البلجيكي "جان جامبون" نشرته صحيفة "ده ستاندرد" صرح فيه قائلًا: "توجد قاعدة شعبية تُساند الإرهابيين في أحياء بروكسل المتشددة، مثل مولنبيك وسكاربيك وأندرلخت وغيرها، فعندما حاصرت الشرطة مخبأ المتهم عبد السلام، ألقى الكثير من الصبية العرب والمسلمين الحجارة على رجال الشرطة،،وهناك من احتفل رقصاً بالهجمات الإرهابية التي ضربت بروكسل، ما يعني أن سياسة إدماج الأجانب في المجتمع البلجيكي أثبتت فشلها"، وهو ما دعا أحزاب المعارضة في بلجيكا بمطالبة الوزير بتقديم شرح مفصل أمام البرلمان لتصريحاته الأخيرة عن المسلمين، طبقًا لما نشره موقع (NEW EUROPE). ومنذ نشر ذلك الحوار ولا شاغل للصحافة البلجيكية إلا متابعة تداعيات تلك التصريحات خاصة بعد استنكار برلمانيين مسلمين من عرب وأتراك ومطالبتهم الوزير بالاعتذار، ومن جانبه، اضطر رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل إلى إدانة تصريحات الوزير في أحد البرامج الإذاعية وذلك لعلمه بمدى خطورة تلك التصريحات على اللحمة المجتمعية، التي يجب على الدول أن تستعين بها في مكافحة التطرف والإرهاب.
إن ما ندعوا إليه من نشر التسامح والوحدة بين المجتمع الواحد لا يعني -بأي حال من الأحوال- إتاحة المجال لبعض المتخفين من المتشددين والمتطرفين لبث سمومهم داخل المجتمع أو السماح للخلايا الإرهابية أن تعمل بكل أريحية، بل على العكس لابد من التصدي لها وتتبعها وإتاحة المجال لعلماء الدين الإسلامي لفضح الأفكار الهدامة لهؤلاء المتطرفين مما يساهم في توحيد المجتمع المسلم مع المجتمع ككل ضد تلك الأفكار الهدامة.
وفي ذلك الصدد أصدرت ‘مؤسسة جيمس تاون’ تقريرًا حول الخلايا الإرهابية في بلجيكا والتي ساهمت بشكل كبير في الهجمات الأخيرة تحت عنوان "خلية الزركاني أخطر الجماعات الجهادية ببلجيكا" جاء فيه: "منذ عام تقريبًا كانت حركة "الشريعة من أجل بلجيكا" هي أبرز الجماعات السلفية الجهادية على الساحة البلجيكية تصديرًا للمقاتلين إلى جبهة الصراع الدائر في سوريا والعراق؛ حيث وصل عدد المقاتلين البلجيكيين 589 مقاتلاً ، منهم 80 مقاتلاً على صلة وثيقة بالحركة، وقد تم اقتلاع جذور هذه الحركة من خلال عدة محاكمات أقيمت لأعضائها، إلا أن علاقة خلية "الزركاني" المباشرة بالتفجيرات الأخيرة التي حدثت بالعاصمة البلجيكية بروكسل والعاصمة الفرنسية باريس، جعلت منها أخطر الخلايا الإرهابية على الإطلاق، فقد قامت الخلية المعروفة بالزركاني –نسبة لقائدها المغربي الأصل، ذي الـ42 عاما- بإرسال ما يقرب من 59 مقاتلا بالحرب الدائرة بسوريا والعراق، منهم 3 أشخاص كان لهم دورٌ مباشرٌ في الهجمات الإرهابية الأخيرة على المدن الأوروبية؛ بروكسل وباريس. وهم عبد الحميد أباعود وشكيب أكرو -من المخططين لهجمات باريس- ونجم العشراوي أحد منفذي هجمات بروكسل ويشتبه أنه صانع المتفجرات في كلا الهجومين الإرهابيين.
وقد أصدرت محكمة الاستئناف ببروكسل الخميس 14 إبريل 2016 حكمًا بالسجن 15 عامًا وهي العقوبة القصوى، على المدعو خالد الزركاني لدوره كقائد “خلية إرهابية” أرسلت العديد من الأشخاص للقتال ضمن تنظيمات متطرفة في سوريا.
وسميت هذه الخلية بالزركاني نسبة لقائدها خالد الزركاني المغربي الأصل، والذي كان يقيم ببروكسل بحي مولنبيك، والذي حُكم عليه ابتدائيا في يوليو 2015 بالسجن 12 عاما، وأعيدت محاكمته في فبراير الماضي بعد أن استأنف النائب العام برنار ميشال، الحكم عليه معتبرًا أنه “أكبر مجندي الجهاديين الذين عرفتهم بلجيكا”، ومن ثم أصدرت محكمة الاستئناف ببروكسل حكما بالسجن 15 عاما وهي العقوبة القصوى".
ويتضح من ذلك التقرير أهمية ما دعا إليه شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، خلال لقائه وزير الداخلية الألماني، من لفت النظر إلى استعداد الأزهر الشريف لإرسال دعاة إلى المجتمعات الأوروبية لتعليم اللغة العربية، ونشر الفكر الوسطي هناك؛ مما يساهم في بناء جسور تواصل وتفاهم بين الشرق والغرب، ويساعد في مكافحة الفكر المتطرف، فكما يتوجب على الشرطة مكافحة تلك الخلايا ورصد تحركاتها وتقديمها للمحاكمات، يجب أيضا على الدعاة للفكر الوسطي مكافحة أفكارهم المتطرفة ونشر الوعي الثقافي بتعاليم الدين الإسلامي الصحيحة في أوساط المسلمين وغير المسلمين، وهو ما تنبه إليه الأزهر من فترة طويلة فعمد إلى إنشاء مرصد الأزهر باللغات ليرصد تلك الأفكار المتطرفة ويحللها، ومن ثم يقوم بالرد الشرعي عليها؛ ليساهم بقوة في نشر التعاليم الصحيحة لهذا الدين الحنيف.  


وحدة رصد اللغة الإنجليزية

 

الموضوع السابق جهود المسلمين لنشر الفهم الصحيح للإسلام
الموضوع التالي ما بين حرية أمريكا وتهديدات ترامب...ماذا ينتظر مسلمي أمريكا؟
طباعة
4799