الروهينجا

وباء كورونا وتداعياته على المسلمين في إيطاليا

وباء كورونا وتداعياته على المسلمين في إيطاليا

     في سرعة تفوق سرعة الزمن، تغيّر وجه العالم وصار مُوشحًا بالكمامات الطبية منذ أن أعلنت الصين عن إجراءات غير مسبوقة لمكافحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19/ Covid-19) في يناير 2020، وربما تعود أول حالة لمصاب كورونا، فيما يعرف بالمريض صفر، إلى 17 نوفمبر من العام الماضي 2019، لمريض صيني يبلغ من العمر 55 عامًا في مقاطعة هوبي.
وقد وضعت منظمة الصحة العالمية، في 30 يناير من العام الجاري 2020، المرض في أعلى مستويات الخطر، وأصبح هناك -على حد تعبيرها- "حالة طوارئ صحية تثير قلقًا دوليًا"، بينما على الصعيد الآخر أعلنت الفلبين في 2 فبراير عن حالة وفاة لمصاب بفيروس كورونا المستجد لتصبح بذلك أول حالة وفاة لمصاب بالفيروس خارج الصين. 
كما رفعت منظمة الصحة العالمية في نهاية شهر فبراير تقديراتها بشأن المرض إلى خطرٍ عالٍ جدًا ليس فقط في الصين ولكن في بقية أنحاء العالم، وأنه على جميع الدول في العالم أن تستعد لانتشاره بين شعبها على نطاق واسع. وفي يوم الأربعاء 11 من مارس، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا المستجد الذي يتفشى حول العالم "وباءً عالميًا"، لكنها أكدت أنه لا يزال من الممكن "السيطرة عليه."
تأزم الوضع داخل الصين وخارجها، واشتدت حدته ريثما اجتاح فيروس كورونا المستجد العالم ودخل إلى أوروبا عبر بوابتها الجنوبية (إيطاليا) في 21 فبراير من العام الجاري 2020، منذ الإعلان عن المريض الأول (il paziente 1) في مدينة "كودنيو" التابعة لمحافظة "لودي" الواقعة في إقليم "لومبارديا" شمال إيطاليا.
وقبل الحديث عن تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد في إيطاليا ودور الجالية المسلمة هناك، تجدر الإشارة هنا إلى أن فيروس كورونا المستجد  يعود إلى عائلة من سبعة فيروسات، وتشمل الإنفلونزا العادية، والسارس SARS-COV-2 (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة) الذي تسببت في عام 2003 في حدوث وباء خطير آخر، وميرس MERS-COV (مُتلازمة الشرق الأوسط التَّنفُّسيَّة) التي انتشرت منذ عام 2012 في الشرق الأوسط ولم يتم القضاء عليها بعد، وبحسب  منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف - " أُطلق على المرض الناجم عن الفيروس التاجي الجديد الذي ظهر لأول مرة في «ووهان» بالصين اسم مرض الفيروس التاجي 2019 أو كورونا المستجد (COVID-19).
أما عن تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد في إيطاليا ودور الجالية المسلمة هناك، فمنذ الإعلان عن المريض الأول في 21 فبراير، اتخذت الحكومة الإيطالية تدابير احترازيه للحد من انتشار المرض إلى أقاليم ومقاطعات أخرى داخل الجمهورية الإيطالية، وقامت بتعليق الدراسة في بعض المناطق، كما وضعت 10 أقاليم تحت الحجر الصحي؛ منها إقليم لومبارديا الذي يضم مدينة ميلانو العاصمة الاقتصادية للبلاد، وإقليم فينيسيا (البندقية) وشمال إقليم إيميليا رومانيا وشرق إقليم بييمونتي، ومنعت الدخول والخروج منها إلا للضرورة، إلى أن أعلن رئيس الوزراء الإيطالي "جوزيبي كونتي" عقب ذلك أن إيطاليا بالكامل أصبحت تحت الحجر الصحي، وتم تمديد إغلاق المدارس والجامعات في جميع أنحاء إيطاليا حتى 3 أبريل، وحظر جميع التجمعات العامة ووقف الأنشطة الرياضية، وتعليق الفعاليات والمناسبات العامة بجميع أنواعها.
كما تم إغلاق المراكز الثقافية الإسلامية والمساجد فضلًا عن إيقاف صلاة الجمع والجماعات منعًا للتجمعات، وفي 11 مارس أصدر رئيس الوزراء الإيطالي مرسومًا شمل من بين التدابير المتخذة تعليق أنشطة المقاهي والحانات والمطاعم، ومحلات تصفيف الشعر ومراكز التجميل، بينما سمح بالعمل لمحلات بيع المواد الغذائية ومحطات البنزين وباعة الصحف والأكشاك الصغيرة بالإضافة إلى الصيدليات والإخصائيين البصريين والخدمات التجارية الأخرى ذات الضروريات الأساسية مثل تلك الخاصة برعاية الحيوانات، وقد صرّح بنداء "أنا سأبقى في البيت #iorestoacasa" يناشد به جميع المواطنين من البقاء في المنزل.
ووفقًا لبيانات يوم 30 مارس 2020، وصل عدد المصابين بفيروس كورونا المستجد في إيطاليا إلى 101,739، من بينهم 75,528 حالة إيجابية، و14,620 حالة امتثلت إلى الشفاء، و11,591 حالة وفيات، كما وصل عدد الخاضعين إلى العزل المنزلي الي 43,752، والخاضعون إلى العناية المركزة 3.981، ومن تمت معالجتهم بأعراض إلى 27,795.   

Image


وتعود أسباب تأزم الوضع في إيطاليا إلى عوامل عدة منها:
- ارتفاع معدل كبار السن يجعل إيطاليا أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات التاجية، حيث تعد إيطاليا البلد الأكثر عددًا في معدل كبار السن في أوروبا والثانية عالميًا بعد اليابان، ويقدر تعداد الشعب الإيطالي بحسب إحصائيات ترجع إلى العام الماضي 2019 إلى ما يقرب من 60.359.546 نسمة، تصل نسبة كبار السن فوق 65 عام إلى 13.783.580، ونسبة من هم بين 15 – 64 عام إلى 38.613.751، ونسبة من هم بين صفر – 14 عام إلى 7.962.215.
- كون إيطاليا دولة سياحية مهمة جعل العديد من حاملي الفيروس، دون ظهور أعراض عليهم، إلى نشر الوباء بها مما أدى إلى تفاقم الوضع هناك.
- عدم السرعة في تدارك الأزمة واحتواء الأمر، بالإضافة إلى تصريحات غير صائبة لقادة أحزاب وساسة إيطاليين بخصوص فيروس كورونا المستجد.
- عدم انصياع الشعب إلى طلبات الحكومة بالحد من التنقلات والحركة والاحتكاك بالآخرين، وأسفر اختلاط الناس قبل حظر التجول إلى ارتفاع حالات الإصابة وظهور الأعراض عليها في فترة العزل المنزلي.
- إصابة العديد من الأطباء وأطقم التمريض ممن هم في خط الدفاع الأول، الأمر الذي أدّى إلي مضاعفة العبء على الأطباء المزاولون لعملهم، وقد سجّل الاتحاد الوطني للنقابات الطبية في 30 مارس من العام الجاري 2020 وفاة 11 طبيب في يومين (عطلة نهاية الأسبوع) إضافة إلى 48 طبيب كانوا قد توفوا قبل ذلك، ليصل عدد الأطباء المتوفين بفيروس كورونا المستجد، في إيطاليا، إلى 61 طبيبًا.
- قلة بعض الأدوات الطبية الدقيقة بالمستشفيات نظرًا لازدياد عدد المصابين الذي يفوق قدرتها الاستيعابية.
- عدم قدرة المستشفيات على توفير أجهزة تنفس صناعي، وأجهزة إنعاش وأطقم بشرية لمجابهة هذا الوباء.
وعليه، أصبحت إيطاليا في حاجة إلى العديد من الكمامات والأدوات والأطقم الطبية تزامنًا مع اتساع رقعة تفشي الوباء، ومع توقف عجلة الإنتاج المحلي وركود في الاقتصاد، الأمر الذي أدّى إلى مساهمة العديد من الدول من خارج الاتحاد الأوروبي في مساعدة إيطاليا، آخرها كان من كوبا التي أرسلت 63 طبيبًا لتقديم المساعدة، وكان قد سبقها العديد من الدول منها الصين التي أرسلت أطباء و2.5 مليون كمامة طبية، ومصر التي أرسلت  1.5 مليون كمامة طبية، والهند 40 ألف كمامة، وروسيا وألمانيا التي نقلت العديد من المرضى الإيطاليين.   
في ظل انتشار الوباء في معظم أقاليم إيطاليا العشرون، قام أبناء الجالية المسلمة بمساندة وطنهم الذي هم ركن رئيس من أركان نهضته وأمنه واستقراره، ومن أبرز ما قامت برصده وحدة الرصد باللغة الإيطالية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف من هذه الأعمال ما يلي:
امتثلت الجالية المسلمة في البلاد، بوصفها أحد المكونات الأساسية لبنية هذا المجتمع، بقرارات الحكومة وقامت بإغلاق المساجد ووقف صلاة الجمعة والجماعات، وفي 26 فبراير من العام الجاري 2020 أطلق اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا UCOII حملة "جمع تبرعات لشراء الكمامات" لمواجهة طوارئ فيروس كورونا المستجد من أجل تزويد المناطق التي انتشر فيها الفيروس بالكمامات.
وقد كتب اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا UCOII   في ذلك ما يلي: "بلدنا يعاني من حالة طوارئ كبيرة هذه الأيام بسبب انتشار فيروس كورونا في مناطق مختلفة، نظرًا لندرة الكمامات الطبية التي تساعد على الحد من الانتشار السريع للفيروس وتجعلها ضرورية الآن، في المناطق المعرضة للخطر، وحتى تتمكن أيضًا من الوصول إلى الخدمات الأساسية، يقوم اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا بتطبيق مبادئ التضامن الإسلامية، ويدعو جميع المجتمع المسلم في إيطاليا إلى المساهمة من أجل توفير إمدادات الكمامات والمواد اللازمة لمواجهة حالة الطوارئ المستمرة. وإذ يشير اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا  UCOII إلى القول النبوي "خير النَّاس أنفعهم للنَّاس" يناشد الشعور العميق بالمواطنة والإيمان الذي يجب أن يدفع كل فرد من أفراد المجتمع إلى المساهمة من أجل الصالح العام".
 وفي مارس من العام الجاري 2020 قدم المركز الإسلامي "الأمل" في كريمونا مبلغ 5 آلاف يورو لصالح مستشفى كريمونا، وقد صرّحت إدارة المركز: "نشعر بأن كريمونا هي مدينتنا، وبدى من الصحيح القيام بشيء ملموس". "نحن جميعًا متورطون في هذه الحالة الطارئة". فيما قامت الجمعية الإسلامية "المنار" بالتبرع بـ 1000 كمامة طبية إلى بلدية سوريسينا، بحسب ما صرحت به عضو مجلس المدينة للسياسات الاجتماعية، لورا جالبجاني. 
ومن جانبها دعت الفيدرالية الإسلامية لجهة توسكانا إلى جمع التبرعات من أجل التغلب على وباء كورونا المستجد. كما دعت مساجد مدينة تورينو شمال غرب إيطاليا إلى مساعدة المدينة الصحية في "تورينو" في جهودها التي تبذلها ضد وباء كورونا المستجد.

ومن جانبهم قام أبناء الجالية المسلمة بالتعاون مع المؤسسة الثقافية الإسلامية كورتشانو أومبريا وأفيس بيروجيا بحملة للتبرع بالدم على مدار يومي 26 – 27 مارس من العام الجاري 2020، ووصف هذا العمل بأنه أقل ما يقدم إلى إيطاليا. 
وهكذا قامت جميع المراكز الإسلامية في جميع أنحاء إيطاليا بالمساهمة في التبرعات والفعاليات للوقوف بجانب الشعب الإيطالي في هذه المحنة الصعبة، فالجميع مصابهم واحد.
وقد وجَّه فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يوم الأحد 29 من مارس رسالة تلفزيونية إلى العالم أجمع بشأن فيروس «كورونا»، أكد خلالها ضرورة أن يتحمل الجميع مسؤوليته في مكافحة «كورونا» وحماية الإنسانية من أخطاره، والالتزام بالتعاليم الصحية والتنظيمية وأن ذلك واجب شرعي يأثم تاركه، وأن اختلاق الشائعات وترويجها وإفقاد الناس الثقة في إجراءات الدولة حرام شرعًا.
وأكد فضيلة الإمام أن ما يقدمه الأطباء وطواقم التمريض وكل العاملين بالمجال الصحي يجب أن نذكره بفخر واعتزاز، داعيا فضيلته إلى ضرورة التقرب إلى الله وبذل الصدقات والالتزام بالتعاليم الوقائية للقضاء على «كورونا»، تقديم يد العون إلى كل المتضرّرين والمنكوبين من «كورونا»، وتضامنه مع كل الدول والشعوب التي تكافح هذا الوباء الخبيث.
 وانطلاقًا من خطر الشائعات التي تفتك بالدول والمؤسسات والأفراد، وتفقد ثقة الكل في الكل، وانطلاقًا لما وجه إليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر من أن اختلاق الشائعات وترويجها وإفقاد الناس الثقة في إجراءات الدولة حرام شرعًا، لا يسعنا في هذا التقرير إلا أن نقوم بتوضيح بعض الشائعات التي تم ترويجها في الآونة الأخيرة، وحيث أن إيطاليا كانت حديث الساعة ومادة خصبة للاستهلاك الإعلامي في الفترة الماضية ولا تزال، رُوجت بعض الشائعات حول إيطاليا، منها تصريح مزيف نسب إلى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، ومشهد آخر مزيف لأفواج من الإيطاليين يعلنون الشهادة، لكن الحقيقة أن هذا المشهد يعود إلى مظاهرة في ألمانيا حدثت في يناير من العام الجاري 2020.


وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجالية المسلمة في إيطاليا تعاني من مشكلة دفن الموتى المسلمين من ضحايا فيروس كورونا في مدافن إسلامية كما تقتضي الشريعة، والحقيقة أنه لم تكن هناك أي عملية لإحراق الجثث، كما يشاع، وأن المسلمين في جميع أنحاء إيطاليا يتمكنون من دفن موتاهم بالطريقة الشرعية السليمة، وقد أحسنت الجاليات المسلمة فعلًا عندما قامت بالتصوير الحي لعمليات الدفن، في الآونة الأخيرة، وذلك لدحض الإشاعات التي يتم ترويجها بهذا الشأن. 
وبالتعاون مع اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا UCOII ، والكونفيدرالية الإسلامية الإيطالية cii، والسلطات الرسمية في البلاد تم احتواء هذا الوضع بشكل كبير، وجدير بالذكر أن بلدية فيرمينيانو محافظة بيزارو منحت المسلمين بعد طلبهم أرضًا تقدر مساحتها  595 مترًا لدفن موتى المسلمين، ومن المحتمل أن تتوجه أغلب المحافظات إلى تفعيل هذه المبادرة. 
كما توجه المسؤولين في اتحاد الهيئات الإسلامية في إيطاليا UCOII بتقديم الشكر لبلدية ميلانو، حيث وقع عمدة مدينة ميلانو في يوم 26 مارس من العام الجاري 2020على قانون جديد يسمح كذلك بدفن موتى المسلمين غير المقيمين في بلدية ميلانو، وذلك استجابة لطلب من اتحاد الهيئات الإسلامية بإيطاليا.
  

Image

 

وحرصًا من مرصد الأزهر على توعية الناس، أطلق المرصد في يناير من العام الماضي 2019 حملة توعية بعنوان "فتبينوا" باثنتي عشرة لغة، توضح الحملة خطورة الشائعات وأثرها السلبي على المجتمعات، كما دشّن المرصد يوم الثلاثاء 24 من مارس من العام الجاري 2020 حملة توعية بعنوان "خذوا حذركم" باثنتي عشرة لغة، توضح الحملة خطورة فيروس كورونا المستجد ومدى أهمية الالتزام بالنصائح وبتعليمات الدولة، وخطورة نقل وترويج الشائعات الهدامة.
وإذ يثمن مرصد الأزهر الجهود التي بذلها أبناء الجالية المسلمة في إيطاليا، يدعو الجميع إلى بذل قصارى الجهد والتكاتف معًا من أجل التصدي والقضاء على هذا الوباء العالمي، كما يتوجه بالشكر إلى كل الأبطال؛ من أطباء وأطقم التمريض والرعاية، ورجال الجيش والشرطة وأجهزة مكافحة الأوبئة والأمراض في ربوع العالم. 
ويناشد مرصد الأزهر الجميع إلى التعاون التام مع مؤسسات الدولة والالتزام بالتعليمات، والبقاء في المنزل للحد من انتشار هذا الوباء والقضاء عليه. 

وحدة الرصد باللغة الإيطالية

الموضوع السابق مرصد الأزهر يثمِّن خطوة استقبال دول أوروبية للأطفال اللاجئين باليونان
الموضوع التالي اللاجئون الروهينجا في ظل أزمة كورونا
طباعة
4426

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.