الروهينجا

التمييز العنصري في توظيف المسلمين في أوروبا: آفة تهدد التعايش والتعددية الثقافية

التمييز العنصري في توظيف المسلمين في أوروبا: آفة تهدد التعايش والتعددية الثقافية

      تعتبر قضية التمييز العنصري في توظيف المواطنين غير الأوروبيين أحد المشكلات الخطيرة التي يواجهها الكثيرين في أوروبا لا سيما العرب، والمسلمون. وتشهد بعض الدول الأوروبية مظاهر تمييز عنصري واضحة ضد المسلمين في سوق العمل، إذ يتعرض العديد منهم للحرمان من مختلف فرص العمل؛ بسبب أصلهم العرقي، أو ديانتهم، وتُقابَل طلبات توظيفهم بالرفض رغم توافر المؤهلات اللازمة، والخبرة الكافية، وهو ما يمثل إهانة لكرامة الإنسان، وانتهاكًا لحقوقه، وعدم تحقيق للعدالة الاجتماعية، والاقتصادية. أضف إلى ذلك تدني مستوى الثقة بالنفس والإحباط الذي ينتاب الأفراد الذين يتعرضون للتمييز العنصري خصوصًا فيما يتعلق بموضوع الحصول على وظيفة، الأمر الذي يسهم في ارتفاع نسبة البطالة، والفقر بين هذه الفئة، ويعمق الفجوة بينها، وبين فئات مجتمعية أخرى.

وترجع مظاهر التمييز العنصري في توظيف المسلمين إلى لباسهم، أو لغتهم، أو دينهم، وعلى أساس الصورة النمطية، والأحكام المسبقة عنهم؛ إذ يُنظر إلى العرب، والمسلمين في كثير من الأحيان على أنهم لا يندمجون في أوروبا، ولا يؤمنون بالقيم الغربية، ولا يتكيفون بسهولة مع ثقافتها، بل هم رافضون لها في الغالب، ويتم التمييز ضدهم بسبب هذا الاعتقاد الخاطئ. وتُعد هذه الممارسات غير عادلة، وغير أخلاقية، وتتعارض مع القوانين المنصوص عليها في العديد من دساتير الدول الأوروبية التي تحظر التمييز على أساس العرق، أوالدين، أو اللون.

ونظرًا لخطورة هذا الموضوع على النسيج المجتمعي في أوروبا، أشارت صحيفة "Noticiasdelaciencia" الصادرة باللغة بالإسبانية، في ٢ مايو ٢٠٢٣م، إلى دراسة علمية ناقشت إلى أي مدى يُشكل وجود ظاهرة التمييز العنصري عائقًا مهمًا في العثور على وظيفة للأوروبيين المولودين لأبويْن من المهاجرين؟ وقد قام بهذه الدراسة فريق عمل يضم باحثين من جامعة كارلوس الثالث - "Carlos III" - في مدريد، وخبراء من جامعة أمستردام في هولندا، ومركز العلوم الاجتماعية في برلين، ومركز البحوث الألماني حول الاندماج والهجرة.

أُجريت الدراسة في ثلاث دول أوروبية هي ألمانيا، وإسبانيا، وهولندا؛ حيث قام فريق البحث بجمع البيانات عن طريق إرسال طلبات توظيف مشفوعة بسير ذاتية وهمية إلى عدد من الشركات في مختلف المجالات، مثل البنوك، والمطاعم، والمتاجر، والفنادق. وتم تحليل ردود ما يقرب من ١٣٠٠٠ شركة أوروبية على طلبات التوظيف في البلدان الثلاثة، وأظهرت الدراسة أن أصحاب البشرة غير البيضاء، والمنحدرين من أصول إفريقية، أو آسيوية، أو من شمال إفريقيا يواجهون صعوبة في الحصول على وظيفة، في حين حصل المتقدمون من ذوي البشرة البيضاء على نسبة عالية من الاستجابة، والدعوة لإجراء المقابلات، تم تجاهل المتقدمين الذين يحملون أسماء مرتبطة بأصول إفريقية، أو آسيوية، أو من شمال إفريقيا بنسبة تتراوح بين ١٠٪، و٢٠٪. كما رصدت الدراسة نوعًا آخر من التمييز ضد مواطنين من غير ذوي البشرة البيضاء؛ حيث أشارت مديرة المركز الألماني إلى أن أوجه التمييز تظهر أيضًا في أنه يتعين على المتقدمين من ذوي البشرة السوداء، أو من أصول عربية -خصوصًا من المغرب العربي، والشرق الأوسط- تقديم ما يقرب من٥٠٪ من الأوراق المطلوبة لتلقي مكالمة من أرباب العمل لإجراء مقابلة شخصية.

وفي وقت سابق، نشر موقع تابع لجامعة أوكسفورد بحثًا في يوليو ٢٠٢٢م توصل إلى أن  ٦٥٪ من المسلمات اللاتي يرفقن صورهن بالحجاب مع السيرة الذاتية عند التقديم على وظيفة في هولندا، يُرفض طلبهن بشكل مباشر دون دعوتهن لإجراء مقابلة شخصية، وكذلك بنسب متقاربة في إسبانيا، وألمانيا. ويضيف البحث أن صورة الحجاب ليست العنصر الوحيد الذي تُرفض بسببه المسلمات في تلك الدول، لأن كثيرات يُرسلن طلبات التقديم دون إرفاق صورة شخصية. ويكفي للرفض أن تكون السيرة الذاتية للمتقدمة للوظيفة مذكور بها  أعمال، أو أنشطة مرتبطة بالمسلمين، مثل التطوع في مركز ديني، أو جمعية خيرية إسلامية.

وفي سياق متصل، سلطت إذاعة صوت ألمانيا "Deutsche Welle"، الصادرة بالعربية، في يونيه ٢٠٢٠م الضوء على دراسة بحثية ميدانية أجراها مجلس الجالية المغربية بألمانيا بالتعاون مع معهد أبحاث إيبسوس "Ipsos". وقد خلصت الدراسة إلى أن ٦٤٪ من الشباب المغربي في دول أوروبية يواجهون صعوبة في إيجاد عمل، في حين يواجه ٥٧٪ صعوبات في إيجاد سكن، ويواجه ٤٢٪ صعوبات في ممارسة شعائرهم الدينية. وقد بلغ عدد العينة التي خضعت للبحث ١٤٣٣مهاجرًا من جنسية مغاربية تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٥ عامًا، ويعيشون في دول الهجرة الرئيسة، وهي فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا.

لا شك أن هذا النوع من التمييز يؤثر سلبًا على الحياة الاجتماعية، والنفسية، والصحية للمسلمين، والمهاجرين بشكل عام، ويمثل تحديًا كبيرًا يهدد نسيج المجتمعات الأوروبية، لأنه يميز بين أفراد المجتمع، ويجعل فئة منهم منبوذة، ومهمشة يسهل تلقينها أي فكر متطرف بحجة أن هذه البلاد تقف ضدهم، وضد تقدمهم دونما سبب سوى أنهم مسلمون. وقد تعود جذور التمييز العنصري في توظيف المسلمين في أوروبا إلى الصورة النمطية الخاطئة التي يتم ترويجها عن المسلمين، والتي تصورهم على أنهم غير مؤهلين، وغير قابلين للتكيف مع الثقافة الأوروبية، أو لا يؤمنون بقيمها، مما يتسبب في انعدام الثقة بين أفراد المجتمع، ويؤدي إلى تعزيز الانقسامات، والمشاعر السلبية هناك. ومن ثمَّ، يُهدد هذا التمييز التعايش السلمي، والتعددية الثقافية في المجتمعات الأوروبية.

ولذلك، تتحمل الحكومات، والمؤسسات المعنية بمكافحة التمييز العنصري في التوظيف مسؤولية تطبيق القوانين واللوائح التي تحمي حقوق الأقليات العرقية، والدينية، وتضمن تكافؤ الفرص في الحصول على العمل. ويتطلب تحقيق ذلك عملًا جادًا يتمثل في التغيير الجذري، والحقيقي للنظرة إلى المسلمين، ودعمهم في سوق العمل، ومساعدتهم في تطوير مهاراتهم, وتحسين فرصهم المهنية، الأمر الذي يسهم في تعزيز التعددية الثقافية في المجتمعات الأوروبية، واندماج جميع أفرادها مما يجعل أبناء الجيل الأول والثاني من المهاجرين يشعرون بالانتماء لموطنهم الذي ولدوا فيه، ولا يكونوا فريسة سهلة للتيارات المتطرفة، أو يصبحوا عرضة للتهميش، وتوابعه السيئة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع التنوع، وتعزيز الوعي بأهميته، وتبني سياسات، وإجراءات تحمي حقوق الأقليات العرقية، والدينية، وتسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، والاقتصادية التي تعد هدفًا أساسيًّا في بناء مجتمعات متساوية سوية، وأكثر تسامحًا، وانفتاحًا على الآخر.

 

وحدة الرصد باللغة الإسبانية

 

الموضوع السابق مدن صينية عَرفت الإسلام .. مقاطعة تشينغهاي مدينة شينينغ (西宁)
الموضوع التالي مدن صينية عرفت الإسلام
طباعة
1279

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.