الروهينجا

مسلمو آسيا ثقافة واندماج.. تايلاند نموذجًا

مسلمو آسيا ثقافة واندماج.. تايلاند نموذجًا

في إطار سعي مرصد الأزهر لتعريف المسلمين في العالم ببعضهم في البلدان كافة، وخاصة بأحوال الإسلام والمسلمين في البلاد الإسلامية التي تقع في أقصى أطراف العالم الإسلامي، ما زالت تقدم وحدة اللغة الصينية سلسلة من المقالات حول تكوين القوميات والمجتمعات المسلمة، وجذورهم التاريخية وتراثهم الثقافي في العديد من الدول الأسيوية؛ حيث يلعبون دورًا مهمًّا في تشكيل النسيج الاجتماعي والثقافي لتلك البلدان. كما تحتضن آسيا العديد من المسلمين يعيشون في دول آسيوية ذات أغلبية غير مسلمة، يعيشون مع أهل الديانات الأخرى جنبًا إلى جنب في حالة من الاندماج والتعايش.
بالرغم من صدور العديد من التقارير التي تتناول المسلمين في قارة آسيا لكن لا يزال الوجود الإسلامي في قارة آسيا يحتاج المزيد من التعمق والغوص في بحور تلك الثقافات، نظرًا لتأثير القوميات المسلمة في قارة آسيا تاريخيًّا واجتماعيًّا، وقد سبق تقديم مرصد الأزهر عدد من المقالات لتعريف المسلمين حول العالم بعدد من البلاد الإسلامية في جنوب شرق آسيا مثل: إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وفي تلك الحلقة تقوم وحدة اللغة الصينية بمرصد الأزهر بعرض تقرير يتناول الوجود الإسلامي في تايلاند.
تايلاند الموقع والتاريخ
دولة تايلاند أو مملكة سيام كما كانت تعرف سابقًا، وهي أحد دول جنوب شرق آسيا في شبه الجزيرة الهندية الصينية، وتحديدًا في شبه جزيرة الملايو، ولها حدود مشتركة مع "ميانمار" (بورما) من الشمال، ومن الغرب، و"ماليزيا" من الجنوب، و"لاوس" و"كمبوديا" من الشرق، جعل موقعها بين المحيطين الهندي والهادي نقطة إستراتيجية للتجارة والثقافة منذ القدم، ويقدر عدد سكان تايلاند بحوالي 66 مليون شخص، عاصمة المملكة التايلاندية بانكوك التي تعد المركز السياسي والتجاري والثقافي في تايلاند. أطلق على ما يُعرف الآن بتايلاند، تسمية "سيام" مدة طويلة للإشارة إلى المملكة التي حكمت المنطقة الواقعة في جنوب شرق آسيا، وكانت تضم أجزاء من لاوس وكمبوديا وماليزيا. لكلمة مملكة سيام رمزًا للهوية التاريخية لتايلاند، حيث استمرت تقاليدها الثقافية والدينية في التأثير على المجتمع التايلاندي الحديث.
إضافة إلى التاريخ والموقع المتميز لمملكة تايلاند تشتهر أيضًا بكونها بيئة سياحية تجذب السياح ليس داخل تايلاند فقط بل وجميع مسلمي العالم من خلال تعزيز جاذبيتها في سوق السياحة، وخاصة مع البلاد الإسلامية، من خلال تعميق صناعة الحلال وإضافة غرف للصلاة في المناطق السياحية. وتهدف الخطة الكبرى لوزارة السياحة التايلاندية، وهي إستراتيجية مدتها 5 سنوات تمتد حتى عام 2027م، إلى تحويل تايلاند إلى مركز الحلال في جنوب شرق آسيا، مع التركيز على توسيع مجالات الحلال في الأغذية والمنسوجات والخدمات والسياحة، بهدف دفع عجلة الاقتصاد.
الإسلام في تايلاند
تايلاند مثلها مثل أغلب دول آسيا بلد متعدد الثقافات والأديان، ومعتقداته الدينية وثقافته لا يمكن فصلهما. ترتبط المعتقدات الدينية للشعب التايلاندي ارتباطًا وثيقًا بحياتهم. وتشكل المهرجانات الدينية والثقافية جزءًا مهمًّا من حياتهم. تعتبر البوذية الديانة الأكبر في البلاد، إذ يؤمن أكثر من 95% من سكان تايلاند بالبوذية، وهي أيضًا دين الدولة في تايلاند. إضافة إلى ذلك، هناك أيضًا ديانات أخرى في تايلاند، مثل الهندوسية والطاوية واليهودية. عدد السكان الذين يتبعون هذه الديانات صغير نسبيًا، لكنهم ما زالوا أحرارًا في الاعتقاد وممارسة دياناتهم. يمكن إرجاع تاريخ الهندوسية في تايلاند إلى القرن السابع، لكن تأثيرها في تايلاند ليس بحجم البوذية والإسلام.
الإسلام في تايلاند هو ثاني أكبر ديانة بعد البوذية، ويبلغ عدد السكان المسلمين أكثر من 2 مليون نسمة. يمثلون 4٪ من سكان البلاد. يتم توزيعها بشكل رئيسي في جنوب تايلاند، وخاصة في المقاطعات الجنوبية مثل باتانج وزامبوانجا وناراتيوانج. المسلمون في تايلاند هم من السنة وكان أول من سعى لتعريف الإسلام في شبه جزيرة الملايو هم التجار العرب المسلمين في القرن الخامس الهجري الموافق القرن الثاني عشر الميلادي، يتميز المسلمون التايلانديون بالتمسك بعقيدتهم، ويظهر ذلك جليًّا في التقاليد الإسلامية داخل مُدنهم بجنوب تايلاند. تختلف الحياة والثقافة الإسلامية في هذه المجتمعات كثيرًا عن الثقافة التايلاندية التقليدية، كما يعكس أسلوب حياتهم، وعاداتهم قيم الإسلام، وتعاليمه. يوجد في البلدات التي يتركز فيها المسلمون "مدارس إسلامية خاصة" قانونية مسجلة لدى وزارة التعليم، والتي تستوعب تقريبًا جميع الطلاب والطالبات المسلمين. وتشمل المواد الدراسية اللغة الإسلامية واللهجة الماليزية "جافي"، كما أن هناك أكثر من 200 مدرسة إسلامية على جميع المستويات في جميع أنحاء البلاد، وأعلى مؤسسة للتعليم العالي هي الكلية الإسلامية التايلاندية في بانكوك، وتهدف المدارس الإسلامية إلى تثقيف الطلاب المسلمين حول المعرفة الدينية الأساسية، والتقاليد الأخلاقية، وتعليم القرآن، والحديث، والشريعة وغيرها من الدورات، وتخريج علماء الدين.
تنتشر المنظمات الإسلامية في تايلاند، وأهم تلك المنظمات "المجلس الوطني الإسلامي التايلاندي" الذي تأسس عام 1954م، وهو أعلى منظمة إسلامية في البلاد، ويتبعه لجان إقليمية مختلفة؛ بهدف توجيه العمل الإسلامي في جميع أنحاء البلاد. وهناك أيضًا "جمعية الإصلاح"، و"جمعية بيت الأعمال الصالحة"، و"مركز بانكوك الإسلامي"، وغيرها. وتولي هذه المنظمات أهمية كبيرة للدعاية والتعليم الإسلامي، وفيما يتعلق بالتعليم الديني للأطفال المسلمين التايلانديين، ففي المحافظات والمقاطعات التي يتركز فيها المسلمون، يتعلم الطلاب اللغة العربية، وحصصًا دينية مختلفة في الصباح، وفي فترة ما بعد الظهر يتعلمون المواد التي تحددها وزارة التعليم التايلاندية، ويحضرها الطلاب في الفصول الملحقة بالمساجد بعد المدرسة كل يوم. هناك ساعتان من الدروس الدينية خلال العطلة الصيفية، تقدم المساجد الكبرى أنواعًا مختلفة من الفصول الدراسية المجانية. يتم ذلك كله في إطار حماية الحياة الدينية والتعليم الديني للمسلمين التي يكفلها الدستور التايلاندي.


الأزهر وتايلاند: جسور العلم والتواصل
تعود العلاقة بين الأزهر وتايلاند إلى عقود طويلة، حيث شهدت المؤسسات التعليمية الإسلامية في تايلاند تأثيرًا كبيرًا من علماء الأزهر وخرجيه، فقد استضافت جامعة الأزهر طلابًا من جميع بلاد العالم ومنهم الطلاب التايلانديين، لتلقي التعليم الإسلامي في مختلف التخصصات، مما أسهم في تعزيز التفاهم بين المجتمعين، بفضل هذه العلاقة، يمنح الأزهر عددًا كبيرًا من المنح الدراسية للطلاب التايلانديين لدراسة الشريعة، اللغة العربية، وأصول الدين، ليصبح خريجو الأزهر في تايلاند رموزًا تعليمية ودينية، يساهمون في نشر قيم التسامح والوسطية.
انعكست العلاقة بين مؤسسة الأزهر الشريف ومملكة تايلاند من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، إلى مملكة تايلاند، تلبية للعديد من الدعوات الرسمية في يوليو عام 2024، ضمن جولته في دول جنوب شرق آسيا، التي هدفت إلى تعزيز العلاقات الدينية والثقافية والتعليمية مع هذه الدول. جاءت زيارة فضيلة الأمام قام فضيلة الإمام الأكبر حافلة بالاهتمام الداخلي والإقليمي، فقد استُقبل فضيلة الإمام الأكبر من قبل جلالة الملك فاجيرالونغكورن في القصر الملكي بالعاصمة بانكوك، وأعرب جلالة الملك عن سعادته بهذه الزيارة، مشيدًا بجهود الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين في تعزيز قيم الحوار والسلام، مؤكدًا سعي بلاده لرفع مستوى العلاقات العلميَّة والدعوية مع الأزهر الشريف، ولأول مرة في التاريخ، زار شيخ الأزهر البرلمان التايلاندي، حيث التقى برئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس النواب "وان محمد نور ماثا"، والذي أعرب عن فخره وامتنانه لهذه الزيارة، معتبرًا إياها صفحة تاريخية في سجلات البرلمان التايلاندي.
حرص فضيلة الأمام خلال زيارته على التأكيد بأن الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين ملتزمون بنشر الأفكار المستنيرة والمعتدلة في جميع أنحاء العالم، كما أبدى فضيلة الإمام الأكبر استعداد الأزهر الشريف لزيادة المنح الدراسية المقدمة للطلاب التايلانديين، وإنشاء مركز لتعليم اللغة العربية في تايلاند، بهدف تعزيز التعليم الديني واللغوي للمسلمين هناك

الخاتمة
ختامًا، يؤكد مرصد الأزهر أن المسلمين في تايلاند يشكلون جزءًا مهمًّا من نسيج المجتمع التايلاندي، حيث تتميز ثقافتهم بأنها مزيج فريد بين التقاليد الإسلامية والتقاليد المحلية. كما يشدد المرصد على أهمية تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان لضمان حقوق جميع المكونات المجتمعية، بما فيها المسلمون، وضمان تمكينهم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية وكرامة. فتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، والاهتمام بحقوق الأقليات، وتوفير الفرص المتساوية، هي أمور ضرورية لبناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة.

وحدة الرصد باللغة الصينية


 

الموضوع السابق لمدة ساعتين.. حريق هائل يقتل اثنين من مسلمي الروهينجا ويدمر جزءًا كبيرًا من مخيمات النزوح في بنغلاديش
الموضوع التالي دور المساجد التاريخية في رمضان: الجامع الكبير في دلهي ومسجد بادشاهي في لاهور
طباعة
469