لجنة المصالحات بالأزهر.. تواجه العصبية براية الوسطية والتسامح
خلال عام 2016 كان للجنة المصالحات بالأزهر، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، دور كبير فى إخماد نيران الثأر فى صعيد مصر وباقى محافظات الجمهورية بفضل الجهود التى قام بها فضيلة الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، والشيخ محمد زكى، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية والأمين العام للجنة المصالحات، حيث توج هذا العام بمبادرة سوهاج خالية من الثأر 2016 بالتعاون مع مديرية أمن سوهاج، وقامت اللجنة بحل العديد من المشاكل العائلية، وعقد الصلح بين كثير من العائلات، كان من أبرزها الصلح الذى تم بين عائلتى زعيير والسلال بمركز طهطا.
وأكد وكيل الأزهر فى كلمته أن لجنة المصالحات بالأزهر أخذت على عاتقها منذ بدء عملها القضاء على عادة الثأر من ربوع مصر خاصة فى الصعيد، وقد نجحت اللجنة خلال الفترة القصيرة على إنشائها فى حل عدد من قضايا الثأر التى كانت تؤرق العديد من العائلات.
وأشاد وكيل الأزهر بمبادرة محافظة سوهاج للقضاء على الثأر 2016 بمشاركة ورعاية الأزهر الشريف (لجنة المصالحات) تحت شعار «سوهاج خالية من الثأر»، والتى تهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة فى الخصومات الثأرية التى تتسبب فى التهاب الخصومات بين العائلات وبيان الضوابط الشرعية التى تستوجب القصاص وأهمية نشر ثقافة العفو والتسامح وقبول الدية كمفاهيم شرعية أوصى بها الإسلام.
وأضاف وكيل الأزهر، أن الأزهر الشريف لا يدخر جهًدا فى دعم الجهود التى تسعى لإيقاف نزيف الدم بين أبناء المصريين، مؤكدًا أن ثقافة الثأر والقتل يجب أن تنتهى فكفانا ما سمعناه من مآسٍ وآلام وأحداث مفجعة، يجب أن نعمل جميعًا على إنجاح تلك المبادرة فى محافظة سوهاج لتعم بقية المحافظات. وأشار إلى أن تلك المشاكل تنقل الأحقاد وتورث ثقافة القتل التى لا تدل على رجولة كما كان فى الماضى، محذرًا من قيام العائلات بمساعدة أطفالها على حمل السلاح لأن هذا الأمر كارثة تؤدى إلى خراب المجتمع، مناشدًا الجميع تعليم أبنائهم ثقافة العفو والتسامح، محذرًا من أن شريعة الغاب لن تورث إلا الدمار والفوضى، فيجب أن نحترم جميعًا أحكام القضاء وأن نقدم ثقافة العفو.
وأشاد وكيل الأزهر بالفكر الذى بدأت تنتهجه عائلات كثيرة فى صعيد مصر بإعلاء مبدأ العفو والتسامح وقبول مبدأ العفو، كما أثنى وكيل الأزهر على مبادرة الشيخ محمد زكى، الأمين العام للجنة العليا للدعوة ومقرر لجنة المصالحات وقبوله العفو عن خصومة هو ولى الدم فيها؛ دعمًا لجهود المصالحات بالأزهر وإعلان طهطا أول مدينة فى صعيد مصر خالية من الثأر.
ومن جانبه قام الشيخ محمد زكى بإعلان مراسم الصلح بين العائلتين، وعقب انتهاء مراسم الصلح أعلن الشيخ محمد زكى قبوله مبدأ العفو هو وأبناء أخيه المقتول عن قاتله وإعلان مدينة طهطا أول مدينة خالية من الثأر بصعيد مصر.
كما انهت اللجنة النزاع فى قرية أولاد خلف بمركز دار السلام، وإنهاء الخصومة الثأرية رقم 2 لسنة 2010 بين أفراد عائلتى «المراعوة» و«الموازنة» بقرية أولاد خلف، والناجمة عن مقتل رزق عبدالمبدى محمد أحمد -ينتمى لعائلة المراعوة- واتهم فـى مقتله حسن عبدالرحيم أبوالنجا -ينتمى لعائلة الموازنة- وتجددت بمقتل حامد عبدالمبدى أبوالنجا -ينتمى لعائلة الموازنة- واتهم فـى مقتله كل من، محمد سليمان أحمد، ومروان السيد برهام، أدهم ماجد برهام -ينتمى لعائلة المراعوة- «مازال الأول والثانى رهن الحبس الاحتياطي».
كما قامت اللجنة بإنهاء خصومة ثأرية كبيرة بين عائلتى (العويضة والجويلات) بمركز جرجا بمحافظة سوهاج بقرية بندار بمدينة جرجا، وذلك فى إطار المبادرة التى أطقتها لجنة المصالحات بالأزهر بالتعاون مع محافظة سوهاج بإعلان المحافظة خالية من الثأر 2016.
ونقل وكيل الأزهر رسالة فضيلة الإمام الأكبر لأطراف الصلح وسعادته بالصلح الذى يتم بين أبناء الوطن ونظرته أن كل أبناء مصر نسيج واحد لا فرق بين مسلم ومسيحى فالدين لله والوطن للجميع، وأنه لا يتم صلحنا إلا بوجود أبناء الكنيسة المصرية بيننا موجها الشكر والترحاب لممثل الكنيسة بالصلح. وأشاد وكيل الأزهر بالجهود التى يبذلها رجال الخير فى إتمام المصالحات، موجهًا الشكر لأطراف الصلح الذين كانوا أعداء الأمس فأصبحوا بنعمة الله اليوم إخوانًا متحابين فقد أنقذهم الله من النار وقد كانوا على شفا حفرة منها فأصبحوا من المحسنين الذين أنعم الله عليهم بقبولهم الصلح.
وشدَّد الدكتور عباس شومان على أن من يتخذ الثأر مسيرة له فهو خاسر، ومن استطاع أن يقهر نفسه وشيطانه فهو الإنسان القوى، مؤكدًا أن اقتناء السلاح أمر يدمر المجتمع، مطلقًا مبادرة مجتمعية بتسليم الأسلحة للأمن لأن ضررها أكثر من نفعها، فالقوى الذى يصفح، أما الإيذاء والقتل لا يعبر عن القوة، فالقوى من يمد يده للعفو لا من ينتقم لنفسه. كما قامت اللجنة العليا للمصالحات بإنهاء الخصومة الثأرية بين عائلتى بخيت وأولاد على بقرية الصوامعة بمركز طهطا بمحافظة سوهاج، وذلك ضمن مبادرة سوهاج خالية من الثأر والتى أطلقتها لجنة المصالحات بالأزهر ومديرية أمن سوهاج. كما قام وفد من اللجنة العليا للمصالحات بالأزهر الشريف بزيارة محافظة البحيرة الدكتور محمد سلطان، وذلك لبحث سبل إنهاء وفض العديد من النزاعات والخصومات الثأرية بالمحافظة.
وخلال اللقاء، أكد محافظ البحيرة أهمية الدور الذى تقوم به لجنة المصالحات بالأزهر فى تحقيق السلم المجتمعى وإنهاء وفض العديد من النزاعات فى جميع ربوع مصر، موضحًا أن الجميع يتكاتف من أجل إنهاء هذه النزاعات التى تجد انفراجة ملموسة نتيجة لجهود الأزهر الشريف، وتم خلال اللقاء الاتفاق على تشكيل لجان فرعية فى جميع مدن محافظة البحيرة للمشاركة فى حل النزاعات تضم الشخصيات العامة المشهود لها بالنزاهة وحسن السمعة، كما قام وفد من علماء الأزهر الشريف برئاسة الشيخ محمد زكى بدارى، الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر بزيارة المهندس شريف محمد حبيب، محافظ بنى سويف، لبحث سبل ترسيخ قيم التعايش السلمى بين أبناء الوطن ودور لجنة التوعية الدينية ولجنة المصالحات فى تبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم ووأد الفرقة والخلاف بين الناس.
من ناحيته، رحب المحافظ بوفد الأزهر، مؤكدًا أنَّ إجراء المصالحات فى المحافظة يتم بالتنسيق الكامل مع رجال الأزهر الشريف، وأنَّ الناس دائمًا فى كل زمان ومكان بحاجة إلى التمسك بدينهم والحفاظ على هويتهم، وهو ما يعزز من دور العلماء ويتطلب منهم جهداً أكبر خاصة فى الوقت الراهن الذى كثرت فيه الفتن والمتاجرة بالدين.
من الجدير بالذكر أن لجنة المصالحات بالأزهر تم إنشاؤها انطلاقًا من دور الأزهر الشريف الذى يترجم أهداف الإسلام ومقاصده من الحفاظ على الدماء والأعراض والممتلكات، ونظرًا لما تمرّ به البلاد من ظروف طارئة تضع على عاتق الأزهر مسئوليَّة شرعيَّة ووطنيَّة وإنسانيَّة واجتماعية، وتأكيداً لسعى الأزهر إلى ما فيه صالح البلاد والعباد، فقد أنشأ الأزهر الشريف اللجنة العليا للمصالحات بمشيخة الأزهر الشريف، بالقرار رقم (1) لسنة 2015م، الصادر من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حفظه الله.
وينص القرار على أن يرأس هذه اللجنة الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، ومقررها الشيخ محمد زكى الأمين العام للجنة العليا للدعوة الإسلامية، وعضوية لفيف من كبار علماء الأزهر الشريف.
ومن مهام اللجنة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع اللجنة الفرعية بكل محافظة لإصلاح ذات البين والعمل على رأب الصدع وتوحيد الصف، وإعلاء المصالح العليا للوطن لتحقيق أمنه واستقراره وحفظ الأرواح والأعراض والممتلكات، وللجنة أن تستعين بمن تراه من المثقفين والسياسيين ووجهاء أهل القرية أو المدينة محل النزاع ممن يتمتعون بالسمعة الطيبة والسيرة الحسنة، وكبار عائلات أطراف النــزاع، على أن توثق أعمال اللجنة بموجب محاضر معتمدة من الجهات التنفيذية بالمحافظة، وتكون قرارات اللجنة نافذة وملزمة للجميع بما لا يتعارض مع القانون فى شأن الأحكام الجنائية والمدنية. كما يمكن الاستعانة ببيت العائلة إذا لزم الأمر. كما ينص القرار على أن يتم تشكيل لجان فرعية بالمحافظات بالتنسيق مع السادة المحافظين على أن يكون من بين أعضائها وكلاء الوزارة بالمناطق الأزهرية ومديرو عموم الوعظ ولجان الفتوى التابعة لها.
على أن تقوم هذه اللجان الفرعية بالتمهيد وإجراء الخطوات الأولى للمصالحة والتدخل السريع بين أطراف النزاع وحثهم على حفظ الأنفس والأرواح والممتلكات وترك العادات السيئة والعصبية القبلية فى التعامل فيما بينهم والتحلى بأخلاق الإسلام السمحة تمهيداً لتدخل اللجنة العليا للمصالحات، وعرض تقرير مفصل بالواقعة على اللجنة العليا تمهيداً لاستكمال باقى الإجراءات.
ويقوم الأزهر الشريف بإرسال خيرة علمائه ودعاته الموجودين فى ربوع البلاد إلى مواطن الصراع الثأرى والنزاع القبلى والتعصب المشئوم؛ للعمل على وأد الفتنة فى مهدها والحيلولة دون زيادة الخسائر فى دماء وأرواح وممتلكات المصريين، الذين تسعى اللجنة للحفاظ على دمائهم، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، ما داموا على أرض مصر يقيمون ومن نيلها يشربون وبالانتماء لها يشرفون.
وينسّق الأزهر الشريف مع الجهات الأمنية والقيادية والتنفيذية المسئولة بكل محافظة، التى لا تتوانى عن السعى فى صالح العباد وتبارك سعى الأزهر، وتقدم ما تستطيعه من إمكانات لإتمام الصلح وحقن الدماء.
3929