مأساة مسلمى الروهينجا

 

مسلمو الروهينجا .. إلى أين؟!

مسلمو الروهينجا .. إلى أين؟!

يعيش مسلمو بورما واحدة من أشد المحن في تاريخهم، فما يحدث لهم يشيب له الولدان وتقشعر له الأبدان، حيث تُشن ضدهم حرب إبادة وانتهاكات وحشية وعمليات قتل جماعية وتشريد وذبح بالسكاكين ومحارق أشبه بالمحرقة النازية التي تحدث عنها العالم شرقًا وغربًا، لكن شتان بين ردود الأفعال على هذه وتلك، حيث قامت قوات الجيش الميانماري مؤخرًا بفتح النيران العشوائية على مسلمي الروهينجا رجالًا ونساء وأطفالًا في الخامس والعشرين من أغسطس، ما أسفر عن مقتل 400 شخصًا وتهجير عشرات الآلاف.
إن ما قامت به حكومة بورما بإجلاء آلاف القرويين من إقليم راخين إلى المدن والأديرة ومراكز الشرطة، وذلك  حسبما أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، يُعد دليلًا دامغًا وحجة رصينة على عمليات التهميش والعنصرية المُتعمدة ضد الحقوق الإنسانية، والتي ترُتكب تجاه مسلمي الروهينجا، والتي أدت إلى فرار ما يقرب من 123 ألفا منهم، وما زال هناك عشرات الآلاف يعبرون الحدود يوميًا؛ رغبة في النجاة من نيران ووحشية الإضطهاد، هذا ولم يتمكن جميع الفارين من وصول الأراضي البنغالية، فمنهم من لا يزال يُقيم على الحدود، ومنهم من غرق في النهر الحدودي "ناف"، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل بدأت أيادي العون والمساعدة تتوقف، فقد أوقف برنامج الغذاء العالمي تقديم المساعدة لهم لدواعي أمنية، فمن أنين القتل والحرق والموت جوعًا ومرضًا إلى الموت غرقًا إلى قساوة الحكومة البنغالية ورفض قبولهم ودخولهم البلاد كلاجئين، أيبتغون نفقًا في الأرض أم سلمًا في السماء، فهم بين حكومة تُشردهم وتقتلهم وتحرقهم ونهر يبتلعهم ودولة أخرى ترفضهم، وعالم صامت يشاهدهم، فأي اتجاه يسلكون وإلى أي مأوى يلجؤون؟!
 ومن المفارقات العجيبة، أن نرى موقف رئيسة وزراء ميانمار "ون سان سو تشي"، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، المشين تجاه تلك المجازر والمحارق، فحري بمن يحمل لقبًا كهذا أن يكون أول من يسعى لتحقيق الهدف المنشود منه، خاصة إن كان الأمر في دولة له فيها ما له من شأن وسلطة، أم أن الأمر يلقى استحسانًا، وإن كان الأمر كذلك فسيكون من المخزي أن تكون حاصلة على مثل تلك الجائزة، التي يشرف أي إنسان بالحصول عليها، فما لهذا تُمنح مثل تلك الجوائز، وعندئذ فإننا نناشد اللجنة النرويجية لجائزة نوبل ضرورة النظر في الأمر، فكيف يُشرف من يرتكب مجازر التطهير العرقي والعنصرية ويرضى عنها بالحصول على مثل تلك الجائزة النبيلة؟!
هذا وإن كان الأزهر الشريف ومرصده لمكافحة التطرف وغيره من المؤسسات أدانوا وشجبوا واستنكروا تلك الأعمال التي تنتهك حقوق الإنسانية وتجردها من قيمها ومبادئها، فالآن يأتي دور المؤسسات والهيئات والحكومات، التي لها من القدرة على التدخل وحسم الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، إلى متى ستظل الأيدي مكتوفة والأفواه صامتة والأعين غافلة، وإلى متى سيبقى للسياسة الدولية والحدود الجغرافية والمطامع السياسية والإقتصادية الدور الأكبر في إزهاق النفس البشرية دون وجه حق؟ وإن كان الأمر كذلك فما الجرم الذي ارتكبته تلك النفس لتموت بتلك الطريقة البشعة، التي لا يقبلها دين ولا يتصورها عقل بشري، فبأي ذنب قُتلت؟!
إن تلك الأعمال التي ترتكبها حكومة ميانمار لا تُقرها الشرائع السماوية ولا الأعراف الدولية، فما لذلك بُعث الأنبياء والرسل ولا نزلت الرسالات والكتب المقدسة، وإنما لأجل الحفاظ على النفس البشرية وإحترامها وتقديرها ففي القرآن: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا" (الإسراء: 33). 
كما جعلت عقوبة القتل من أشد العقوبات ومن أعظم الكبائر في القرآن "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" (النساء:93)،  وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي، وفي العهد القديم نقرأ: “لاَ تَقْتُلْ” (الخروج 13:20).
ولم يكتف العهد القديم بتحريم القتل، وإنما فرض عقوبة مكافئة له وهي القتل حدًا، فمن قتل يقتل: "مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلاً"، أما العهد الجديد، فقد نقل عن السيد المسيح تأكيده لحرمة القتل. ففي العهد الجديد نقرأ: "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ" (متى 21:5).
عالم يصمت أمام مجازر ومحارق وانتهاكات وفي نهاية المطاف يتحدثون عن مشاكل لجوء وتطرف وإرهاب، فماذا فعل العالم إزاءَ هذه المجازر الوحشيَّة؟!، التي تأنف الوحوشُ والحيوانات من إرتكابها، والتي من شأنها أن تجعل إقليم أراكان أرض خصبة ولقمة سائغة للتطرف والإرهاب.
فأين الضميرُ العالَميُّ الذي يتفاعل مع العمليات الإرهابية التي تقع في الغرب، ولا يهدأ له بال من إدانات وشجب واستنكارات وتدخلات ومساعدات وتحالفات ونزول إلى أرض الواقع، أم أن مسلمي الروهينجا من عالم وكوكب وجنس وطينة أخرى، غير التي خُلق منها باقي العالم، أم أن موازين القوى هي التي تُحرك الساكن؟!.
أين نحن - كأمة عربية وإسلامية – من هذه القضية، تحركاتُنا متوانية وخجولة، ولا تُناسب حجم الكارثة التي أطاحت بهؤلاء الضعفاء، أنسينا أن المسلمين كالجسد الواحد؟ وبغض النظر عن كوننا مسلمين، فأين نحن من قيمة الإنسان؟! وأين الإعلام الغربي والشرقي من تلك المجازر؟ أين العالم أجمع من ممارسة الضغوطات السياسية والدبلوماسية ؟!.

إن كانت المشكلة تتعلق بعقيدة مُعينة، فما بالقتل تُفنى العقائد، فمن أنزل العقائد قادر على إحيائها وإبقائها، وإن كانت متعلقة بالعرق والجنس، فما بذلك تُبنى المجتمعات وتتقدم الشعوب وتزدهر، وإنما بالمواطنة والإخاء.

وحدة رصد اللغة الألمانية
 

الموضوع السابق الإمام الأكبر يصل إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر حول السلام العالمي
الموضوع التالي الإمام الأكبر يلقي خطابًا مهمًّا في "لقاء السلام العالمي" بـ "مونستر" اليوم الأحد
طباعة
3563

أخبار متعلقة