مأساة مسلمى الروهينجا

 

د. سعيد اللاوندي يكتب عن المفكر القبطي صاحب كتاب "محمد الرسول والرسالة": المحارب للتعصب.. صاحب مهمة التبصير بـ"النبي"
Anonym

د. سعيد اللاوندي يكتب عن المفكر القبطي صاحب كتاب "محمد الرسول والرسالة": المحارب للتعصب.. صاحب مهمة التبصير بـ"النبي"

هذا الرجل د‏.‏ نظمى لوقا ظلم حياً وميتاً عن عمد مع سبق الإصرار والترصد‏، ‏ فأنت لو سألت أحدا عن هذا الفيلسوف المصرى الذى كان يذيل امضاءه‏ (‏أو اسمه‏)‏ بالعبارة التالية‏: ‏ من رقيق الأرض المتمردين على الأغلال لما أسعدتك الإجابة.‏

فالجهل بهذا المفكر يكاد يكون حالة عامة!

والأعجب من ذلك أنه صاحب مذهب فلسفى يعرف بالفلسفة التعبيرية، وكان فى زمانه من صفوة تلاميذ عباس العقاد ووضع نحو عشرين كتابا فى الفلسفة والفكر، وكان يُوصف بأديب الفلاسفة لأنه كان ذواقاً للأدب العربى الرفيع وأحدثت آراؤه جدلا واسعا فى حينه خصوصا عندما أصدر كتابه «محمد الرسالة والرسول» ثم توالت مؤلفاته تباعا ومنها كتاب على مائدة المسيح، والتقاء المسيحية والإسلام، والله والإنسان والقيمة، والحقيقة عند فلاسفة المسلمين».

والثابت عملا أن الدكتور نظمى لوقا قد وضع نصب عينيه رسالة لم يحد عنها قط طوال حياته وهى محاربة الجهل والتعصب، ليس فقط لأنه عانى على المستوى الشخصى من هاتين الآفتين، إلى حد أنه دخل فى دوائر من الإحباط لا تنتهى، ولكن أيضاً لقناعته الكاملة بأن خطر التعصب داهم على مصر وأهلها، وهو أشبه بالنار التى ستأكل الناس والحجارة! لذلك كان يردد دائما على مسامع المحيطين به أنه نذر نفسه لمحاربة ما كان يسميه بـالتفكير الذاتى الذى لا يثمر غير التعصب الأعمى.. وكانت البداية إعلانه أن مهمته هى التبصير ومحو الأمية الفكرية فيما يخص الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يستشعر أن موجات الجهل المتلاطمة كانت تطمر العقول وتحجب عنها جوهر الأشياء وكان رائعا.. الدكتور نظمى لوقا عندما قال (مذكرا الآخرين ممن فى قلوبهم زيغ) إننى شديد الإيمان بروح ديانتى المسيحية ومبادئها ومثالياتها، والمحبة التى تعم العدو والصديق هى لباب هذه الديانة، وبدونها تنحط الديانة إلى شعائر جوفاء، ويضيف فى مقدمة واحد من مؤلفاته قائلا: لئن وجبت على إذن محاربة التعصب الذميم ومصدره وهو التفكير الذاتى فالمسيح يدعونى صراحة قبل أن أفكر فى إخراج القذى من عين سواى، أن أجتهد أولا فى إخراج الخشبة التى فى عينى أنا.

إن فيلسوفنا المصرى نظمى لوقا هو صاحب تيار فكرى يُعلى من شأن الإنسان المصرى دون أن يأبه للونه أو جنسه أو دينه، وحرى بنا أن نستدعيه إلى الذاكرة المصرية فى هذه المرحلة التى يحاول البعض تصوير الأوضاع فى مصر على أنها حرب ضروس (على أساس دينى) بين جناحى الأمة.

لو قرأنا نظمى لوقا الذى لم أر سببا واحدا لتجاهله طوال هذه السنين لتبين لنا أن الرجل كان مهموما بما نحن فيه اليوم، واضعا يده على قلبه خوفا من أن تتفشى آفة التعصب لتحصد الأخضر واليابس، وتحول أرض الكنانة إلى أرض الحقد والكراهية.. فها هو قبل عشرات السنين كان يدعو شعبه شعب مصر إلى مكافحة الجهل وتكسير الحاجز النفسى بين الديانتين الإسلامية، والمسيحية مشيراً إلى أن كل من يتبصر فى لباب أديان التوحيد والمسيحية والإسلام كل منهما دين توحيد سيدرك على الفور أن الله واحد هو المعبود هنا وهناك، وإن اختلفت شعائر التعبد وأسلوب التوحيد..

ولقد وضع هذا الفيلسوف يده على البيئة التى يتفشى فيها هذا الداء العضال، أقصد التعصب، وهى البيئة التى يعيش فيها العامة الذين يراهم أشد خلق الله عبودية لما ألفوا.. وتلك هى الطامة الكبرى، فيذكر أنه قد لفت نظره أن (العامة) على اختلاف أديانهم ومللهم ونحلهم، فى كل مكان من أرجاء الدنيا لا ينبىء عن عاميتهم الفكرية شىء مثل غلبة التعصب الأعمى عليهم.. وأن منشأ هذا التعصب هو الجهل بديانات الآخرين دائما، بل جهلهم بدياناتهم أنفسهم ولبابها الخلقى فى الوقت نفسه. والحق أنه قد استقر فى نفس هذا الفيلسوف أن الاستنارة الفكرية ومعرفة سمات الديانات المخالفة على حقيقتها لا تضير الإيمان الذاتى، بل تجعله صافيا صفاء النور، لا معتما بدخان الجهل الداكن الذى ينقدح منه الشرر وقد تنشب منه الحرائق!

وبرغم أن مغالطات كثيرة قد عكرت صفو الدكتور نظمى لوقا، فحسبه كل فريق على هواه، لكنه أعرض عن هذا كله، وتمسك بقناعته التى لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وهى أن الذى يثبت على ديانته وهو جاهل بحقيقة ديانة أخرى تعشش فى نفسه الأساطير والأراجيف عن الديانة المخالفة، فينزلق إلى ازدرائها مهما تظاهر بمجاملة معتنقيها، وذلك حسبما يقول ضرب من الظلم لا يليق بمتدين حقيقى غير مكتف بمظهرياته.. ثم إنه آفة نفسية وفكرية تحدث آثارها البعيدة فى حياته كافة.. وبرغم ما لقيه فيلسوف التعبيرية المصرية من عنت شديد فى حياته الأكاديمية والحياتية والفكرية، ومن صدود ونكران إلى حد أنه اعتقد للحظة أنه إنما يكتب على الماء! إلا أنه ظل وفيا لبنات أفكاره ومستحضرا طوال الوقت صورة أستاذه سقراط الذى كان يعتقد أن (الرذيلة جهل) أى جهل بحقيقة الفضيلة.. وأنه يكفى القضاء على الجهل بالفضيلة كى تتلاشى الرذيلة.. وأحسب أن الدكتور نظمى لوقا، كان يعلم يقينا أن حاله أشبه بالقابض على الجمر، وبرغم ذلك لم يضعف أو يلين فى مواجهة الجامدين والمتعصبين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا(فى زمانه)، ولايزال أحفادهم يفعلون نفس الصنيع (فى زماننا).

ومن أقواله التى يجب أن نكتبها بحروف من نور تكفيرا عن ذنبنا أننا نسيناه، بلا مبرر!! وتأكيدا لكونها الترياق الذى يمكنه أن يحمى الأمة ويصون وحدتها:

ـ لئن كنت أنصفت الإسلام فى كتاباتى فليس ذلك من منطلق التخلى عن مسيحيتى بل من منطلق الإخلاص لها والتمسك بجوهرها وأخلاقياتها.

ـ يتعين أن أواصل كفاحى لمحو الأمية الفكرية وإلا كنت مقصرا فى حق ضميرى، ودينى وموضوعيتى الفكرية وانتمائى الوطنى والقومى والإنسانى.

الموضوع السابق "محمد الرسالة والرسول"
الموضوع التالي صاحب الدستور.. ورائد المواطنة
طباعة
1494