مأساة مسلمى الروهينجا

 

المسلمون في إسبانيا.. بين تزايد الأعداد ومواجهة الصعوبات
Sameh Eledwy

المسلمون في إسبانيا.. بين تزايد الأعداد ومواجهة الصعوبات

الاختلاف سُنة من سنن الله في خلقه، لذلك ينبغي على كل إنسان احترام الاختلافات وتقبلها والتعايش معها، دون أي تمييز بين البشر بسبب الدين أو الجنس أو اللون؛ ودون أن يذوب كل طرف في الآخر أو يفقد هويته؛ يقول الله تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ" (سورة هود: 118/119). لكن الواقع المعيش اليوم يشير بوضوح إلى أن اختلاف الدين قد تحوّل في عالمنا المعاصر إلى دافع للتمييز والحروب والصراعات، ولا سيَّما بسبب ما يرتكبه المجرمون تحت ستار الشعارات الدينية التي تحرك القلوب. وعلى الرغم من ذلك، فهناك كثيرون حول العالم يؤمنون بأن البشر كلهم سواسية، وأنه لا صلاح للعالم دون مشاركة واندماج الجميع على تفاوت عقائدهم واختلاف ثقافاتهم وتنوع أفكارهم.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن من بين أهم الدراسات التي أجريت حول أعداد أتباع الديانات المختلفة هي ما أجراه مركز "بيو" حول مستقبل الأديان في العالم وتأثيره في الفترة من 2010 إلى 2050، وقد خلصت الدراسة إلى توقعات تفيد بأن عدد المسلمين سيستمر في الزيادة إلى أن يتساوى مع عدد المسيحيين بحلول عام 2050، وأن هذا التساوي لن يكون بسبب الزيادة في القارات التي تضم أغلبية مسلمة مثل إفريقيا وآسيا فقط، بل إن قارة مثل أوروبا سيتضاعف فيها عدد المسلمين من 5% إلى 10% من نسبة السكان.

ومن هذا المنطلق تتابع وحدة الرصد باللغة الإسبانية أحوال الإسلام والمسلمين في إسبانيا، حيث يقارب عدد المسلمين على المليونين، بما يمثل 4% من التعداد الإجمالي للسكان. وعلى الرغم مما يلحق بالإسلام من اتهامات بالتطرف والإرهاب نتيجة للصورة الدموية التي ترسمها الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، إلا أن الإحصائيات تشير إلى تزايد الإقبال على اعتناق الإسلام من جانب الإسبان ذوي الأصول الإسبانية الخالصة خلال الآونة الأخيرة، حيث بلغ عددهم مع نهاية عام 2016 وحلول 2017 إلى ما يقرب من 23,624 مسلمًا من إجمالي المسلمين في إسبانيا.

هذا وقد تزايدت أعداد المسلمين في إسبانيا بشكلٍ عامٍ بنسبة 20.6% على مدار السنوات الأخيرة لتبلغ 1,919,141 مسلمًا بحلول عام 2017؛ وذلك استنادًا إلى الدراسات التي تصدر سنويًا عن المرصد الأندلسي بالتعاون مع اتحاد الجمعيات الإسلامية بإسبانيا. وترجع الزيادة في أعداد المسلمين كذلك إلى ارتفاع عدد الحاصلين على الجنسية الإسبانية من المهاجرين المسلمين والذي وصل إلى 277,409.

Image

 

وعلى الرغم من أن المسلمين من الجنسيات الأخرى يمثلون الشريحة الكبرى من مسلمي إسبانيا بنسبة تبلغ 58%، إلا إن هناك تراجعًا ملحوظًا في أعدادهم خلال الأعوام الأخيرة؛ ربما بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلّت بالعديد من الدول الأوروبية، وربما بسبب المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا لما يثار حولهم من اتهام بالإرهاب دون دليل. ويمثل المسلمون المصريون 0.2% من إجمالي عدد المسلمين بإسبانيا، إذ يبلغ عددهم 3,615، بينما تعتبر الجالية المغربية صاحبة النسبة الأكبر من المسلمين الأجانب، حيث تمثل 40.9% بتعداد قدره 753,425 مسلمًا، ويرجع ذلك بالطبع إلى القرب الجغرافي بين البلدين اللذين لا يفصل بينهما سوى مضيق جبل طارق الذي يعتبر بوابة للمهاجرين إلى أوروبا.

Image

أما عن أكثر المدن والمقاطعات الإسبانية عددًا من حيث المسلمين، فتأتي مقاطعة "قطلونية" شمال شرق إسبانيا في المقام الأول، ولعل هذا هو السبب في كثرة اتهامها بوجود المتطرفين، في وقت سهُل فيه إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين على وجه العموم. ثم يأتي إقليم "أندلوثيا"، ثم "مدريد" و"بلنسية". كذلك تعد "ألميريا" و"قادش" من أكثر المدن التي يقطنها المسلمون. ومع أن الجالية المسلمة في إسبانيا لا تعاني من رفض حكوميٍ أو شعبي، حيث لا تدخل إسبانيا ضمن الدول التي تنبذ المسلمين أو تحارب اندماجهم في المجتمع بشكل علني، إلا إن الحكومات المتعاقبة تُعرقل أحياناً حصول المسلمين على حقوقهم التي يكفلها لهم دستور البلاد. وعلى رأس الصعوبات التي تواجه المسلمين في إسبانيا قلة المساجد، وعدم تخصيص مقابر لكي يتم الدفن فيها حسب الشريعة الإسلامية.

وعلى الرغم من أنه يحق الجمعيات الإسلامية فتح مسجد وإنشاء مقبرة خاصة، إلا إنه من الصعوبة بمكان الحصول على التراخيص اللازمة لهذا الأمر. ووفقًا للإحصائيات الأخيرة فإن هناك 1427 مسجدًا في إسبانيا، وهو رقم كبير بالمقارنة بعدد المساجد خلال 2010، حيث كان 785 مسجدًا، ولكن لا يزال هناك 13% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مسجد أو حتى مُصلى صغير.

Image

 

الجدير بالذكر أن عدد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا وصل إلى 1512 مع نهاية عام 2016، وهذا العدد يشير إلى المرونة التي تبديها الحكومة الإسبانية في التراخيص اللازمة لإنشاء جمعيات إسلامية، إلا إننا نرى أن ذلك يشير في الوقت ذاته إلى انقسام المسلمين وعدم اتحادهم، لدرجة أنه من الممكن أن نجد أكثر من جمعية إسلامية داخل الحي الواحد، وربما ينتج عن كثرة هذه الجمعيات والمؤسسات الإسلامية اختلاف المسلمين وتعدد انتماءاتهم المذهبية؛ في ظل غياب مؤسسة موحدة تجمع كلمتهم وتمنحهم المزيد من حقوقهم الدستورية إزاء التحديات المختلفة التي يواجهونها.

ومع تزايد أعداد المسلمين عامًا تلو الآخر، وبرغم مطالبات الجمعيات الإسلامية المستمرة بإنشاء مقبرة خاصة لدفن موتاهم، إلا إن عدد المقابر الفعلي لا يتناسب مطلقاً مع أعداد المسلمين. فبنهاية 2016 أُحصيت 32 مقبرة فقط على مستوى إسبانيا، أي أن هناك ما يقرب من 95% من الجمعيات الإسلامية تفتقر إلى مقبرة، لذلك يدفن المسلمون موتاهم بمقابر متعدّدة الأديان.

وكجميع أتباع الديانات، يرغب المسلمون في إسبانيا في أن يتلقى أبناؤهم تعاليم الدين الصحيح؛ لذلك يطالبون دائما بحقهم في تدريس التربية الدينية في المدارس الحكومية، حيث لا يوجد سوى 5% فقط من نسبة التلاميذ المسلمين ممن يحصلون على هذا الحق، بينما هناك ما يقرب من95 % من معلمي هذه المادة يواجهون شبح البطالة، في الوقت الذي لا تحرك فيه الحكومة الإسبانية ساكنًا أمام العديد من المطالبات بتفعيل القوانين التي تسمح بالتعاقد مع مدرسين جدد لسد العجز الذي تعانيه المدارس الإسبانية. إذ ليس بمنطقي ألا يتجاوز عدد المعلمين 55 معلمًا، في حين يبلغ عدد التلاميذ المسلمين 580,220 حتى نهاية عام 2016، من بينهم 115,946 تلميذًا إسبانيًا. يُذكَر أنه قد تمت الموافقة على تدريس التربية الإسلامية في المدارس الإسبانية منذ عام 1996، ونُشر آنذاك محتوى المنهج الدراسي لمادة التربية الدينية وتم الاتفاق على التعاقد مع معلمي هذه المادة.

كانت الحكومة الإسبانية قد أقرت مرسومًا يسمح بوجود واعظ ديني للأقليات الدينية في السجون والمستشفيات والجيش، إلا إنه لم يُنفّذ سوى بندٍ واحدٍ على استحياء، ولم يُعيَّن سوى 15 إمامًا في السجون الإسبانية وسبعة في المستشفيات، بينما لم يتم تعيين أي إمام في الجيش حتى اليوم. وتكمن أهمية وجود هذا الواعظ في تصحيح أفكار من تلوثت عقولهم بالتطرف والإرهاب، أو من يسهل استقطابهم نحو التطرف عن طريق خطاب إسلامي سمح بعيد عن التشدد والمغالاة.

 ونأمل أن يكون هناك نوع من التعاون بين مؤسسة الأزهر وبين المؤسسات الإسلامية بإسبانيا لتتواصل جهود الأزهر الشريف من خلال المشاركة بإرسال وعاظ وأئمة من أبنائه لدعم المسلمين هناك، وكذلك للإسهام في تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة لدى الشباب الغربي.

التقرير الذي بين أيدينا له أهمية بالغة، حيث يضع أمام أعيننا نسبًا حقيقيةً لإشكاليات يعيشها المسلمون في إسبانيا مثل إنشاء مساجد جديدة، وتدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس، بالإضافة إلى عدم تخصيص مساحات كافية تصلح مقابر للمسلمين. لا تمثل هذه النسب في الحقيقة عجزًا لدى الجهات المعنية الإسبانية، فالمنوط بهم تدريس المواد الإسلامية على سبيل المثال متاحون بل ومدرجون في قرارات الدولة، وبالتالي لا نرى مبررًا لتباطؤ الحكومة الإسبانية في وضع هذا القرارات حيز التنفيذ.

ألا يرى كل بصير أهمية أن يتشرب التلاميذ تعاليم دينهم الصحيح فهو أمرٌ له مردوده الإيجابي في تشكيل الوعي الكافي بتعاليم الدين؛ بما يمثل تحصينًا للعقول يحول دون أن تتسلل إليهم أفكار لا تتفق وتعاليم دينهم!

وحدة رصد اللغة الإسبانية

الموضوع السابق انطلاق فعاليات المؤتمر الأول للطلاب الوافدين بالأزهر الشريف تحت عنوان "الوافدون بالأزهر ..طموحات وتحديات"
الموضوع التالي "طب البنات" تناقش اضطرابات السمع عند المسنين
طباعة
6237

أخبار متعلقة