مأساة مسلمى الروهينجا

 

أمريكا اللاتينية تقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني
Sameh Eledwy
/ الأبواب: قضــايا أخرى

أمريكا اللاتينية تقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني

تجسد دول أمريكا اللاتينية تاريخًا وحضورًا مشتركًا يميل إلى دعم الفلسطينيين، وهذه المواقف لها جذور عميقة تتشابك مع تجاربها في مواجهة الظلم والاضطهاد، من خلال تاريخ مشترك من مواجهة الاستعمار والنضال من أجل الاستقلال، ودعم قضايا التحرر الوطني، وحقوق الإنسان، والبحث عن الحرية والعدالة، ما يشكل أساسًا لتبنيها موقفًا داعمًا لحقوق الإنسان والحريات. وتعتبر بعض الدول اللاتينية القضية الفلسطينية قضية إنسانية تستحق الدعم، نظرًا لمعاناة الفلسطينيين، وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرضون لها على يد قوات الاحتلال الصهيوني، ولهذا تؤمن بأن الفلسطينيين يجب أن يتمتعوا بحقوقهم الوطنية، وحق العيش بكرامة. وتؤيد هذه الدول الجهود الدولية لتحقيق السلام والعدالة في الشرق الأوسط. وبالتأكيد، هذا الموقف ليس موحدًا بين جميع الدول اللاتينية؛ إذ تتأثر السياسات الخارجية بعدة عوامل مثل: العلاقات الثنائية، والتأثير الدولي، والدين، والثقافة، لكن بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط، فإن القارة اللاتينية تُعد المنطقة الأكثر انتقادًا للكيان الصهيوني وممارساته الإجرامية، وقتله آلاف المدنيين في القصف على غزة. وقد اتضح ذلك من خلال الإجراءات والقرارات التي اتخذتها عدة دول لاتينية في سبيل إظهار اعتراضها، ورفضها القاطع لهذه المجازر.

  • قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني:

تنديدًا بعمليات الإبادة الجماعية التي تمارس ضد الفلسطينيين في غزة، أعلنت بعض دول أمريكا اللاتينية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، ردًّا على جرائم الحرب في القطاع، ومقتل أكثر من (16) ألف فلسطيني، أغلبهم من الأطفال، والنساء، وعشرات الآلاف من الجرحى، حيث أعلنت دولة "بوليفيا" قطع علاقاتها تمامًا مع الكيان الصهيوني، وإدانة الهجوم العسكري الصهيوني العدواني ضد المدنيين، ودعت إلى وقف القصف الصهيوني على القطاع، وذلك حسبما أعلنت وزيرة الرئاسة البوليفية "ماريا نيلا برادا". وردَّت حكومة الاحتلال بانتقادات شديدة لخطوة "بوليفيا"، ووصفتها بأنها "استسلام للإرهاب".

كما استدعت "شيلي" سفيرها لدى الكيان "خورخي كارباخال" للتشاور بشأن هذه الانتهاكات الصارخة، والأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة. كما دعا الرئيس الكولومبي "جوستابو بيترو" سفيرة بلاده لدى الكيان الصهيوني "مارجريتا مانخاريث" للتشاور بشأن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل. وقال "بيترو" عبر منصة "إكس": "إن لم تتوقف المجازر الصهيـونية بحق الشعب الفلسطيني، فلا يمكن أن يكون هناك سفير لدولة كولومبيا لدى هذا الكيان"، ملمحًا إلى نيته لقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني.

ومن الهندوراس، قال "إدوارد إنريكي رينا" وزير خارجية "هندوراس" في بيان: إن حكومة بلاده قررت استدعاء سفيرها لدى الكيان الصهيوني للتشاور في ضوء الوضع الإنساني الخطير في قطاع غزة. وفي المقابل، انتقدت وزارة خارجية الكيان الصهيوني بشدة حكومة "هندوراس"؛ بسبب استدعاء سفيرها احتجاجًا على ما يرتكبه الكيان في قطاع غزة، وأن قرارها باستدعاء سفيرها يتجاهل حق الكيان في الدفاع عن نفسه، وهو ما يدعم مزاعمهم بأن قتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المستشفيات والمخيمات، هو دفاع عن النفس.

ومن الجدير بالذكر أن الإجراءات الأخيرة جاءت على إثر توجيه القيادة الفلسطينية دعوة إلى المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حاسم ضد الإبادة الجماعية والحروب الدمـوية التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس، والهجمات على المخيمات والمستشفيات، ما أدى إلى مقتل مئات الشهداء وزيادة أعداد المصابين. وعلاوة على تثمينه لهذه المواقف وترحيبه بها، فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يرى أنها تعبر عن التضامن الحقيقي والدعم الفعلي للقضية الفلسطينية، بوصفها وسائل ضغط سياسية فاعلة ضد الكيان الصهيـوني وممارساته البربرية، مشددًا على أن إفلاته من المحاسبة سيشكل حافزًا قويًّا له لمواصلة ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

  • إدانة الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الشعب ‏الفلسطيني:  ‏

وقد دعت دول أخرى في أمريكا اللاتينية إلى إدانة الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني ضد الشعب ‏الفلسطيني، والمطالبة الفورية بوقف إطلاق النار، حيث أطلق الرئيس البرازيلي، "لولا دا سيلفا"، تصريحات في مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي ضد قتل المدنيين والأطفال الفلسطينيين. وقال: "إن ما يحدث ليس حربًا، إنها إبادة جماعية، أدت إلى مقتل آلاف الأبرياء من الأطفال الذين لا علاقة لهم بهذه الحرب، وهم ضحاياها". وقدمت البرازيل مشروع القرار الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سعى إلى فرض "هدنة إنسانية" في القطاع.

كما أصدرت الحكومة "البيراونية" بيانًا أدانت فيه هذا الهجوم الذي "تسبب في سقوط مئات القتلى والجرحى"، ودعت إلى "الوقف الفوري للهجمات الموجهة ضد البنية التحتية المدنية"، خاصة تلك التي تستهدف البنية التحتية المدنية، مع ضمان توفير الخدمات الأساسية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات، ومحطات تحلية المياه، والمراكز المخصصة لاستضافة اللاجئين.

ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن ردود فعل دول القارة اللاتينية على الأحداث في غزة يتوافق مع مواقفها التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وسيادته على أرضه، وما زاد من هذا التعاطف المجازر الوحشية التي أقدم على ارتكابها الكيان الصهيوني الغاصب ضد المدنيين من الأطفال، والنساء، والشيوخ. 

وفي برنامجه الأسبوعي "مع مادورو"، أدان الرئيس الفنزويلي، "نيكولاس مادورو" عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة واصافًا إياه بأنها تصرفات نازية، معلنًا رفضه التام لما يمارسه الكيان الصهيوني من قصف للمستشفيات، وقتل للمرضى والجرحى، وتشريد أهالي القطاع. مشيرًا إلى أن الكيان الصهيوني دمر مسجدًا عمره أكثر من ألف عام، إضافة إلى كنيسة كاثوليكية أرثوذكسية، كما هاجم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ولفت "مادورو" النظر إلى أن الكيان الصهيوني زرع أيديولوجية أكثر خطورة من النازية ضد الشعب الفلسطيني، ومن ثم يأتي دور الشعوب العربية والإسلامية والمسيحية. وحث "مادورو" المجتمع الدولي على الدعوة إلى وقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، والبحث عن حلولٍ فوريةٍ استنادًا لقرارات الأمم المتحدة من أجل إحلال السلام، وإقامة دولة فلسطينية.

كما انضمت دول مثل الأرجنتين والمكسيك وكوبا إلى انتقادات دول أمريكا اللاتينية ضد الكيان الصهيوني، والتأكيد على أن ما يحدث الآن هو نتيجة (٧٥) عامًا من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.

من جانبه، صرَّح "إيفو موراليس" رئيس بوليفيا السابق، بأنه كان قد قطع علاقاته الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني عام ٢٠٠٩م، احتجاجًا على هجمات الاحتلال على قطاع غزة-  في تصريحاته لتليفزيون "إسبان تي في- HispanTV" التي أعرب فيها عن حزنه وألمه لما يحدث في غزة بسبب الكيان الصهيوني، ووصف الوضع في غزة بأنه "إبادة جماعية"، منتقدًا قصف المستشفيات، واستهداف الأبرياء من جانب قوات الاحتلال، وطالب بتقديم شكوى ضد الكيان الصهيوني إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتباره "كيانًا إرهابيًّا" يرتكب إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. كما دعا حكومته إلى التعبير عن التضامن، ومشاركة ما يمكنها تقديمه للمتضررين، معربًا عن احترامه وإعجابه بالشعب الفلسطيني الذي قرر عدم الاستسلام. ووصف موقع التليفزيون "موراليس" بأنه حامل لواء الدفاع عن فلسطين في أمريكا اللاتينية في وقت تشتد فيه الحرب الدموية التي يشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة.

وعلى المستوى الشعبي شارك آلاف المتضامنين والداعمين للقضية الفلسطينية في العديد من العواصم والمدن في أمريكا اللاتينية في مسيرات وتظاهرات للتعبير عن رفضهم للإبادة الجماعية والقصف الوحشي المستمر الذي تشنه قوات الاحتلال على قطاع غزة. على سبيل المثال، سلط موقع "آه بي ثي" الإسباني، الضوء على التضامن الشعبي في فنزويلا مع القضية الفلسطينية، حيث جاب أكثر من (١٠٠٠) فنزويلي شوارع العاصمة "كاراكاس" في مسيرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني. وخلال المسيرة، التي شارك فيها مسؤولون حكوميون بارزون مثل نائبة الرئيس التنفيذية "ديلسي رودريغيث"، رفع مجموعة من المواطنين علم فلسطين وشعارات أخرى، تؤكد على ضرورة تحقيق "الحرية" لشعب فلسطين. كما سلطت وكالة "EFE الإسبانية الضوء على الحشود الكبيرة في العاصمة "سانتياغو بتشيلي"، حيث اندلعت تظاهرات حاشدة وصل عددها إلى حوالي (٥٠٠٠) شخص، استنكارًا لـ "إبادة غزة" على يد قوى الاحتلال الصهيوني، وغيرها من المسيرات في المدن اللاتينية.

وسعيًا لفضح الممارسات الصهيونية والتبرئة منها من داخل اليهود أنفسهم، أصدرت مجموعة "يـهـود من أجل فلـسـطين"، وهي مجموعة من المواطنين اليـهـود الأرجنتينيين الذين يرفعون أصواتهم ضد سياسية الكيان الصـهيوني، وما ينفذه من إبادة جماعية في غزة، بيانًا جاء فيه أن حكومة نتنياهو بدأت جولة جديدة تستهدف إبادة السكان المدنيين الفلسطينيين بالقطاع.

وأضاف البيان: "إن العالم شهد خلال الأيام القليلة الماضية البث المباشر للإبادة الجماعية، التي ينفذها الكيان ضد الشعب ‏الفلسطيني. وفي مقابلة مع أحد أعضاء هذه المجموعة للتعرف على أهدافها ومدى دعمها للقضية الفلسطينية، ذكر أن جذور العنف تعود إلى القمع الذي مارسه الكيان المحتل منذ أكثر من (٧٥) عامًا ضد الشعب الفلسطيني، معتبرًا ما حدث في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م لا يمكن تحليله، أو فهمه دون أخذ التصعيد السابق للعنف الذي نفذه الكيان ضد الشعب الفلسطيني بعين الاعتبار.

وشدد العضو بالمجموعة على وجود تركيز إعلامي أحادي الجانب يعضد الرواية الصـهـيونية، في حين يتم تصوير مقاومة الشعب الفلسطيني على أنها إرهاب وتطرف، في ازدواجية واضحة، محذرًا من وجود عامل خطير يؤجج الصراع؛ يتمثل في تسليح عدد كبير من المستوطنين، يشار إليهم بوصفهم مدنيين وليس عسكريين. وترفع المجموعة الأرجنتينية التي تشكلت عام ٢٠٢١م، شعار: "ليس باسمنا" للتبرؤ من المجازر التي تنفذها قوى الاحتلال ضد الفلسطينيين، كما يستنكر الكثير من أفراد المجتمع اليهودي الإرهاب الذي يمارسه الكيان باسمهم. ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هذه الأصوات التي تأتي من داخل المجتمعات اليـهودية حاليًا لتفضح الممارسات الصهيونية، وتتبرأ من إرهابها المنظم، تعد دليلًا دامغًا على بطلان زعم الكيان المحتل بيـهـوديته، وأن ما يقوم به هدفه جمع يـهـود العالم تحت مظلته الكاذبة التي قامت على "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".

ويرى مرصد الأزهر في مواقف وسياسات الدول الثابتة التي لم تتغيَّر تجاه القضية الفلسطينية، والمبادرات الجريئة التي اتخذتها للحفاظ على هُوِيّة الأرض وحقوق الشعب الفلسطيني، والتصدي لكل المحاولات التي تسعى إلى النيل من سيادة الدولة الفلسطينية - بصيص أمل لا يمكن تجاهله في وسط الصمت العالمي المطبق.

ويؤكد المرصد أن مواقف دول أمريكا اللاتينية الرسمية تسهم في زيادة الوعي الدولي بقضية الفلسطينيين، ما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الضغط الدولي على الكيان الصهيوني لإنقاذ الوضع. وبشكل عام، يمكن القول: إن مواقف دول أمريكا اللاتينية في دعم الفلسطينيين هي مواقف قوية ومؤثرة، يمكن أن تكون لها نتائج على المدى القريب.

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 

الموضوع السابق مرصد الأزهر يستقبل الرئيس الأعلى لمجمع البحوث الإسلامية في بورما
الموضوع التالي وكيل الأزهر: ما يحدث في غزة عدوان صهيوني وإبادة جماعية للفلسطينيين الأبرياء
طباعة
314