مأساة مسلمى الروهينجا

 

الرد على شبهة “الوجود العبثي للإنسان” .. قوامها عقل قاصر وإدراك محدود
Sameh Eledwy
/ الأبواب: قضــايا أخرى

الرد على شبهة “الوجود العبثي للإنسان” .. قوامها عقل قاصر وإدراك محدود

انتشرت على بعض مواقع الإنترنت شبهة قوامها أنَّ الإنسان لا يختلف في شيء عن جميع الكائنات الحية إلا بما يملك من وعي وإدراك نتيجة تطور جهازه العصبي (المخ)، وهو يخضع في وجوده وصيرورته وفنائه للقوانين الطبيعية نفسها المتحكمة في المادة، ولا يوجد كائن حي لا يموت أبدًا أو يعود للحياة بعد الموت. فوجود الإنسان عبثي وليس له غاية وهدف محدد مثل وجود الحيوانات والطيور والنمل والخفافيش والنباتات والنجوم.

ولتفنيد هذه الشبهة نقول:

إن هذه الشبهة قديمة حديثة يثيرها الملحدون من وقت لآخر في محاولة للتشكيك في وجود الخالق العظيم، فهم ينزلون بالإنسان إلى رتبة الحيوان إن لم يكن أقل، وينسلخون من مسئوليتهم التي أوكلهم الله إليها من عبادته تعالى وعمارة الكون، ولذلك فهم يسعون دائمًا إلى طمس هذه الحقائق الظاهرة للعيان؛ رغم أن الكون كله ينطق بأن له موجدًا أوجده، وأن هذا الموجد العظيم ما خلق هذا العالم عبثًا كما يدعون، ولذلك يخاطبهم الله تعالى بقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥].

وأول ما نلاحظه من كلامهم هو عملية الخلط العجيبة بين الإنسان والحيوان والسفسطة المصطنعة حول خضوع الإنسان للقوانين التي يخضع لها الحيوان من حيث الولادة والصيرورة، ما يجعله مجرد كائن حي مساوٍ للحيوان! وهنا وقفة يجب أن نقفها متسائلين: هل معنى خضوع الإنسان للقوانين نفسها التي تتشابه مع الحيوانات أنه يساويها؟

لا شكَّ أن الإنسان يتشابه مع غيره من الكائنات الحية؛ فهو ينمو ويكبر كالنباتات، والحيوانات، لكنه مفضل على جميع الكائنات الحية بالعقل (ولم يأت هذا العقل عن طريق تطور جهازه العصبي) كما يدعي التطوريون؛ فكلامهم لا يرقى إلى درجة الحقائق العلمية، وإنما هو أقرب إلى السفسطة، قال تعالى: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: ٥١].

وليس بالعقل وحده كان تمييز الله للإنسان على غيره من الحيوانات؛ لكن بما كلفه من عمارة الأرض وأداء التكاليف، والتمييز بين الخير والشر وبين الهدى والضلالة، بل إنَّ الإنسان مميز على غيره من الحيوانات بطبيعة خلقته الحسنة، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]. والإنسان يستطيع أن يعيش في أي مكان على وجه الأرض من خلال ما أعطاه الله تعالى من عقل يستطيع من خلاله أن يستخدم ما في بيئته لحفظ نفسه في المناطق الحارة والباردة، بل يستطيع أن يصنع السفن وينتقل عبر البحار والأنهار، وأن يطير في الهواء عن طريق الطائرات؛ كل هذا ليس في استطاعة الحيوانات، فهي لا تستطيع أن تخرج عن فطرتها ولا أن تغير شيئًا مما جُبلت عليه.

ولقد حوى القرآن آيات كثيرة تتحدث عن حياة الإنسان من حيث البداية والمصير، وهو يؤكد أنَّ هذه الطائفة التي لا تؤمن بالبعث والحساب ما يتبعون إلا الظن، وما كلامهم هذا إلا نوعًا من الشك وليس اليقين.

وعلى ذلك فالإنسان هو الوحيد الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لحمل أمانة التكليف؛ من بناء حضارة على الأرض، وعبادة الله تعالى وعمل الصالحات، والسعي إلى سبل الخير والبعد عن الشر. ولقد تحدث القرآن عن المطلوب من الإنسان فيما يخص جانب العقيدة في الله تعالى وفي النبوات واليوم الآخر، وكل أمور التشريع والمعاملات، وعلاقة الإنسان بربه وبنفسه وبمن حوله.

وإذا كان النسيان من طبيعة الإنسان، فلقد كانت الإنسانية في سالف الأزمنة تضل طريقها وتنسى المهمة التي كانت من أجلها، فكان الوحي ينزل على الرسل ليذكروا الناس بما هو مطلوب منهم؛ فكانت رسالات أنبياء الله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وقد ختمت تلك الرسالات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يطلب هؤلاء الرسل من الناس مالًا ولا مُلكًا ولا وظيفة، بل طلبوا منهم أن يفعلوا كل ما هو خير لهم، وأن يبتعدوا عما هو شر لهم.

وأخيرًا... فإن الله سبحانه وتعالى ما خلق الإنسان عبثًا، وإنما خلقه لكي يعمر هذه الأرض، ولكي يطيع الله تعالى بالعبادة ويبتعد عن معاصيه، وقد أعد الله تعالى جنات لمن أطاعه وعذابًا لمن عصاه، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: ١١٥]. والخلاصة: كيف لعاقل أن يسوي بين نفسه وبين المخلوقات التي يسخّرها لخدمته؟ وكيف لعاقل أن يصدق من يسبّه بهذا التشبيه وهذه التسوية؟ ثم إن القول بعبثية الخلق عمومًا والإنسان خصوصًا لهي دعوة صريحة إلى الإفساد في الأرض، فلو علم الإنسان أنه طليق يفعل ما يشاء بلا حساب فستسود شريعة الغاب ويكون البقاء للأظلم! علاوة على ما سبق، لا يخفى أن الدنيا فيها مظالم، وأن بعض الناس يموت مظلومًا دون إنصاف من أخيه الإنسان؛ فالأولى بمن يقول بعبثية الخلق أن يؤمن بالبعث والحساب لا محالة؛ وإلا كان الخلق عبثًا فعلًا، وليس له عندئذ أن يعترض على ظلم أو أن يطلب لنفسه حقًّا... فالعبثية سيدة الموقف حسب اعتقاده! وما الغاية من التفاوت في الأعمار وفي أدوار البنوة والأبوة لو أن الخلق عبثي... أفلم يكن من الأعقل أن يحدث الخلق كله دفعة واحدة وأن ينقضي دفعة واحدة؟ ولماذا التعلم والتربية والترقي في درجات العلم والعمل والمال والأخلاق والتدين؟ فهل يمتنع القائل بالعبثية عن تربية أبنائه وتنشئتهم؟ أليس في عرض رأيه والدفاع عنه ما يناقض معتقده العبثي من الأصل؟! إن دعوة العبثية تساوي في حقيقتها الدعوة إلى العدمية... فلتتوقف الحياة إذًا ما دام الرجاء منقطعًا في كل شيء!

لكن الرجاء في الله أمل لا ينطفئ في قلوب من وعوا الحق بفطرتهم قبل عقولهم.

والله من وراء القصد،،،،،

وحدة رصد اللغة العربية

الموضوع السابق رئيس منطقة المنوفية ومدير الوعظ يتابعان تجهيز منفذ بيع إصدارات مجمع البحوث الإسلامية
الموضوع التالي في الذكرى الـ 76 للنكبة الفلسطينية مرصد الأزهر: نكبة جديدة يحياها الشعب الفلسطيني فما أشبَهَ اليوم بالبارحة!
طباعة
43

أخبار متعلقة