قراءةٌ حول اعترافات المقبوض عليهم من "داعش"
لا شك أن شهادة العائدين من تنظيم "داعش" الإرهابي، أو المقبوض عليهم بعد سقوط التنظيم في سوريا والعراق، تُمَثِّل أمرًا مهمًّا من حيثُ التعرُّفُ على التنظيم من الداخل، وشكْل الحياة فيه؛ لذلك يهتم "مرصد الأزهر" بمتابعة شهادات هؤلاء العائدين أو المقبوض عليهم، ويقف عليها بالرصد والتحليل، لافتًا النظر إلى أهميتها.
كما يرى المرصد ضرورة عرض العائدين من داعش على متخصصين في علم النفس والاجتماع، ، وأيضًا متخصصيين في الجماعات المتطرفة؛ ليتناقشوا ويتحاوروا معهم حول كيفية تعرُّفهم على التنظيم، وكيف تأثروا بدعايته؟ ولماذا فضّلوا الانضمام إلى هذا التنظيم دون غيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى؟ وما هي سلبيات التنظيم وإيجابياته من وجهة نظرهم؟ وما هو الذي توقّعوا أن يَرَوْهُ في التنظيم ولم يجدوه؟ وما هو الشيء الذي لم يتوقّعوه ووجدوه؟ فكل هذه الأسئلة وغيرها كفيلة بتشخيص مرض التطرف؛ ومِن ثَمّ ستكون عاملًا مساعدًا في إيجاد العلاج له.
وخلال الفترة الماضية، تمّ القبض على بعض الأشخاص الذين انضموا إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وهربوا إلى تركيا بعد سقوط التنظيم في سوريا والعراق، وأَدْلَوْا بشهادات مهمة يجب الوقوف عليها بالرصد والتحليل؛ لفهم العقلية التي يمكن للتنظيمات المتطرفة استقطابها بسهولة.
ومن أبرز هؤلاء: إرهابيّ "داعش" الذي تمّ القبض عليه ينايرَ الماضيَ في مدينة "أضنه"، حيث اعترف هذا الإرهابي بانضمامه إلى التنظيم، معربًا عن رغبته في أن يستفيد بهذا الاعتراف في تخفيف الحكم الذي سيوَقَّع عليه.
وقال: إنه انضم إلى التنظيم، وعاش في إحدى القرى القريبة من مدينة "الرَّقَّة" السورية؛ كي يتدرب على استخدام السلاح، مضيفًا: أن قادة التنظيم عندما كانوا يريدون معاقبةَ أحدٍ من الأفراد، كانوا يقومون بربط يديه ورجليه، وتركه في غرفةٍ منفردة لمدة ثلاثة أيام.
وأوضح: أنه تَقابَلَ مع المدعوّ "حسن آيدن"، الإرهابي الداعشي الذي رآه في "الرَّقَّة"، وقبلها كان قد رآه في مدينة "أضنه" التركية، وكان "أيدن" يعمل من أجل ضمّ أفرادٍ جُدُد إلى التنظيم.
ويحكي هذا المتهم كيف كان "حسن أيدن" وزملاؤه يستقطبون الشباب، ومن المعروف أن "حسن آيدن" هذا كان قد تمّ القبض عليه في عمليةٍ لتنظيم القاعدة عام 2012، وفي عام 2015 قُبض عليه أثناء هروبه من مدينة "هطاي" التركية إلى سوريا، ثم أُخلي سبيله وانضم إلى "داعش"، وظهرت له العديد من المقاطع المرئية يقتل الناسَ فيها بوحشيّةٍ كبيرة.
وفي الشهر نفسِه أيضًا، تمّ القبض على "مختار مكاوي"، الهولندي من أصول جزائرية، وأحد المطلوب القبض عليهم من قِبَل "الإنتربول"؛ وَفْقًا لما ذكرته بعض الصحف، ولقد تمّ القبض عليه في مدينة "شانلى أورفة" في تركيا، وبصحبته زوجته الهولندية "روز كليره" (Rose Claire Swagemakers)، المطلوبة أيضًا من "الإنتربول".
وذكرت زوجته في التحقيقات التي أُجريت معها؛ كيف هربت من هولندا، وكيف تعرّفت على زوجها، وقالت: إنها تعرّفت على التنظيم من خلال صديقةٍ هولندية تُدعى: "ستيرلينه"، انضمت إلى "داعش" قبلها، وهربت من "هولندا" إلى "اليونان" ومن هناك إلى تركيا، ثم عبرت الحدود إلى سوريا وانضمت إلى "داعش"، وهناك أطلقوا عليها اسم "أم جعفر"، وأقامت في منزلٍ تقيم فيه الفتيات الأجنبيات اللائي انضممن إلى التنظيم، ثم بعد ذلك تزوجت "مختار مكاوي".
أمّا الزوج فاعترف في التحقيقات التي أجريت معه؛ أنه انضم إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، تأثُّرًا بالمقاطع المرئية التي كان يشاهدها للتنظيم، وأنه خرج من هولندا إلى ألمانيا ومنها إلى اليونان ثم إلى ولاية "بودروم" التركية، ومن هناك ذهب إلى ولاية "أضنه" ثم إلى ولاية "غازي عنتاب"، ومنها إلى سوريا ثم العراق.
بعد ذلك، أَطلق عليه التنظيمُ اسم: "أبي خطاب"، وتَلَقّى تدريباتٍ لمدة شهر في "الموصل"، بعدها بايَع التنظيمَ، ثم قرر أن يتزوج، فذهب إلى ما يُسَمّى: "مكتب الزواج"، وهو -على حَدّ قوله- مكتبٌ يذهب إليه أعضاء التنظيم حينما يريدون الزواج، وأخبرهم بالمواصفات التي يريدها، فبحثوا له عن فتاة تحمل هذه المواصفات، ووجدوها في المكان الذي كانت تقيم فيه مع الفتيات الأخريات اللائي يرغبن في الزواج، وهو مكانٌ يُطلَق عليه اسم: "مضافا".
ونرى أن هناك تشابهًا بين ما ذكره "أبو خطاب" وبين ما ذكره "حسن محمد" السوري الجنسية، الذي قُبض عليه في شهر مايو الجاري في مدينة "هتاي" التركية، حيث ذكر أنه أيضًا تَلَقّى تدريباتٍ لمدة شهر قبل أن يبايع التنظيم، وأضاف أيضًا: أن معظم مَن انضم إلى التنظيم انضم إليه متأثرًا بالمقاطع المرئية التي شاهدها على مواقع الإنترنت.
الأمر ذاته أكده موقع "صوت أمريكا"؛ عندما تحدث عن الشاب التركي "راشد طوغرال"، الذي انضم إلى داعش عام 2015، تأثُّرًا بما شاهده على مواقع التنظيم من مقاطع.
ومن خلال هذه الشهادات والاعترافات؛ نستطيع أن نعرف مدى أهمية الوعي الديني ومدى ضرورة توعية الشباب دينيًّا، وتعريفهم المعنى الصحيحَ لمصطلح "الجهاد"، وتوعيتهم بقدر الإنسان والإنسانية في الدين، وأن الجنة لا يمكن أن يكون الطريق إليها قتلًا أو عنفًا أو إيذاءَ الإنسانِ الذي كرّمه اللهُ وفَضّله.
إننا بحاجةٍ مُلِحّة إلى وضْع منهجٍ تربويّ شامل؛ في القلبِ منه احترامُ إنسانية الإنسان، وتَقَبُّل المُختلِف في الرأي، والتسامح معه، وإعلاء قيمة الحوار، كلُّ هذه أشياءُ من الأهمية بمكانٍ في مجال محاربة الفكر الظلامي المتطرف الهدّام.
ونحن عندما نقول: "منهجٌ تربوي"، لا نقصد بهذا أن يكون منهجًا تربويًّا مدرسيًّا فقط، بل نريد أيضًا أن نضع هذا المنهج لأطفالنا في مرحلة ما قبل المدرسة؛ لأن المدرسة في السابق كانت تُمَثِّل أوّلَ مكانٍ في حياة الطفل للتعرُّف على عالمه الخارجي.
أمّا الآن؛ فقد تَغَيَّر الوضع مع وجود مؤثرات خارجية أخرى كالتلفاز، ووجود القنوات التلفزيونية وتخصيص البعض منها لبرامج الأطفال؛ لذلك من المهم استغلال فترة ما قبل المدرسة في غرس بذور التسامح وتكريم الإنسان خلال تلك المرحلة عن طريق أفلام الكارتون، وأناشيد الأطفال، وغيرها من الفنون التي يرغب الأطفال في مشاهدتها.
ومن خلال هذه الشهادات أيضًا؛ نرى أن محاربة التطرف تُمَثِّل إشكاليّةً مُعَقَّدة تتداخل فيها عِدّة أبعاد، وليست مقصورةً على البُعْد العسكريّ فقط، بل يجب أن يلعب البُعْد الثقافي دورَه في محاربة التطرف وتجفيف منابعه من جذورها، من خلال عِدّة طُرُق من أهمها: طريق الفن الهادف، الذي لو تمّ استغلالُه الاستغلالَ الأمثل في نشر ثقافة الحوار وتَقَبُّل الآخَر؛ لحَقّقَ نتائجَ كبيرةً وسريعة.
وحدة رصد اللغة التركية
2836