مأساة مسلمى الروهينجا

 

الأمين العام للأمم المتحدة في بيان من مشيخة الأزهر: أشعر في هذا المكان العظيم بهيبة أكثر من ألف عام من التاريخ والعلم والثقافة
Anonym

الأمين العام للأمم المتحدة في بيان من مشيخة الأزهر: أشعر في هذا المكان العظيم بهيبة أكثر من ألف عام من التاريخ والعلم والثقافة

- جئت اليوم لأعلن عن تضامني مع المسلمين في هذه الأوقات المضطربة
- الإسلام دين محبة وعطف وتسامح ورحمة وإحسان
- رأيت كرم الدول الإسلامية التي كانت تفتح حدودها للأشخاص في وقت محنتهم
- القرآن أكد قبل 14 قرنًا أن حماية اللاجئين يجب أن تُمنح للمؤمنين وغير المؤمنين
- العالم يشهد تصاعدًا غير مسبوق لكراهية المسلمين ومعاداة السامية والعنصرية وخطاب الكراهية
- وثيقة الأخوة الإنسانية تعكس الأخوة بين الأديان وسنبذل أقصى جهد كي تصل للعالم كله
- أشيد بمبادرات الأزهر والإمام الأكبر من أجل حماية المسيحيين في الشرق
- لدينا أديان وثقافات مختلفة لكن إنسانيتنا المشتركة هي ما تربطنا جميعًا

 

نص البيان الذي ألقاه السيد/ أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، من مشيخة الأزهر الشريف، اليوم الثلاثاء 2 أبريل 2019م، عقب لقائه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
السلام عليكم.
يشرفني أن أخاطبكم في هذا المكان العظيم لتعليم الإسلام، ولا يمكن للمرء وهو يقف ها هنا أن يخطئ الإحساس بالثقل المهيب لأكثر من ألف سنة من التاريخ والثقافة والعلم والعبادة، ولقد جئت، كأمين عام، ورجل متدين، لأعبِّر عن احترامي للإسلام، وعن تضامني مع أتباع هذا الدين في هذه الأوقات المضطربة.
مرَّ أقل من شهر منذ أودى هجوم إرهابي على مسجدين في "كرايست تشيرش" في نيوزلندا، بحياة 50 من المصلين من كل الأعمار، ولقد تعرفنا على مدار الأسابيع، على قصص مُلهمة عن الضحايا، ولقد قرأنا عن الأشخاص الذين فقدوا أرواحهم وهم ينقذون الآخرين، كما سمعنا كلمات زوج توفِّي حزنًا على موت زوجته، ومع هذا عبَّر عن كلمات التسامح؛ لأنه -كما قال- "هذا هو ما علمه لي الإسلام"، كما يقول القرآن الكريم في سورة فُصّلت، الآية 34، "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ".
ولقد تأثرنا بشدة بالمظاهر الاستثنائيَّة للقيادة، والحب والتضامن من شعب نيوزلندا وغيره، ورأينا ذلك في إنجلترا حيث رفع رجل أبيض من غير المسلمين لافتة خارج أحد المساجد وقد كتب عليها، "أنتم أصدقائي؛ سأتولى تأمينكم في صلاتكم".
يتبدى مثل هذا بوضوح في كثير من الأحيان بعد حدوث مأساة، رأيناه في بتسبرغ، العام الماضي، بعد وقوع أسوأ هجوم إرهابي مُعاد للسامية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث بادر أعضاء المجتمع الإسلامي سريعًا إلى التعبير عن دعمهم وجمع الأموال لصالح الضحايا، وقال المدير التنفيذي للمركز الإسلامي في بتسبرغ آنذاك "كل ما نريده هو معرفة ما تحتاجونه، إذا كان ما تحتاجونه هو وجود أشخاص يقومون بحمايتكم في الخارج، فأخبرونا. سنكون هناك"، هذه هي الروح التي أعرف أنها كامنة بعمق في الدين الإسلامي، وهو دين محبة وعطف وتسامح ورحمة وإحسان.
كمفوض سام للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رأيت كرم الدول الإسلامية التي كانت تفتح حدودها للأشخاص في وقت محنتهم، في عالم كانت فيه كثير من الحدود موصدة، للأسف. ويتسق هذا مع ما أعتبره التشريع الأسمى لحماية اللاجئين في تاريخ العالم، وهو موجودة في سورة التوبة، الآية 6: " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ"، ولقد أوحي هذا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من أربعة عشر قرنا، قبل اتفاقية 1951 المعنية بحماية اللاجئين. ودعوني أؤكد أن هذا التشريع يؤكد أن الحماية يجب أن تُمنح للمؤمنين وغير المؤمنين على حد سواء، وهذا مثال رائع على الانفتاح والتسامح.
وفي هذا الوقت الذي نشهد فيه الكثير من الصعوبات والانقسام، لا بد لنا أن نقف معًا، وأن يحمي بعضنا بعضا، ومع ذلك، نشهد في جميع أنحاء العالم تصاعدًا غير مسبوق لكراهية المسلمين، ومعاداة السامية، والعنصرية وخطاب الكراهية، والخوف من الأجانب، لقد أخذ خطاب الكراهية يتسرب إلى الخطاب العام السائد، حيث ينتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعيِّ والإذاعة، ونراه ينتشر في البلدان الديمقراطية الليبرالية والدول السلطوية على حد سواء.
هذه القوى الظلامية تهدِّد القيم الديمقراطية والاستقرار الاجتماعي والسلام، إنهم يقومون بوصم النساء والأقليات والمهاجرين واللاجئين، وعندما يتعرض الناس للاعتداء، جسديا أو لفظيا أو على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب عرقهم أو دينهم أو أصلهم، فإن المجتمع كله يفقد قيمته.
لدينا جميعًا دور نلعبه في رأب الصدوع وإنهاء الاستقطاب السائد بشدة في كثير من مجتمعاتنا اليوم، والقادة الدينيون لدينا، على وجه الخصوص، عليهم دور في غاية الأهمية، لهذا كان من المشجع رؤية الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب والبابا فرانسيس يتعاونان في أبو ظبي في فبراير الماضي، في مظهر من مظاهر الأخوة بين الأديان، ولدي هنا النص المشترك الذي قدمه الإمام الأكبر، والذي أقرَّه (فضيلته) والبابا فرانسيس، وهو ما يمثل شهادة رائعة على المشاعر المتبادلة، من الاحترام والتسامح والسلام، وهي شهادة قدمها الزعيمان العالميان العظيمان للعالم.
وكما ذكر الإمام الأكبر، فقد دفع المسلمون ثمنًا باهظًا جراء أفعال "حفنة من المجرمين"، كما أكد أن "هناك إجماع بين كافة الأديان على أن الله يحرم القتل"، والوثيقة التي وقعا عليها حول "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" تطالب الزعماء الدينيين والسياسيين بوضع حدٍّ للحروب والصراعات وتدمير البيئة، كما تدعو المسيحيين والمسلمين إلى الاعتراف والاحترام المتبادلين، والعمل معا من أجل الإنسانية.
وسنبذل أقصى ما بوسعنا لكي تضمن الأمم المتحدة أن تصل هذه الوثيقة إلى كل مكان، وأن يكون باستطاعة جميع الناس رؤيتها، إنني أثني على هذه الخطوة الجريئة، كما أثني على الدعوة التي وجهها الإمام الأكبر للمسلمين في الشرق الأوسط لحماية المجتمعات المسيحية، كما أشيد بالمبادرات التي اتخذها الأزهر لتعزيز الوجه الحقيقي للإسلام ومواجهة الفلسفات المتطرفة العنيفة والدعاية الإرهابية.
ليس هناك ما يبرر الإرهاب، وكم يصبح بشعًا عندما يتم التذرع بالدين، ولكي نعيش في عالم يسوده السلام، يجب أن نعزِّز التفاهم المتبادل، وأن نستثمر من أجل تحويل الاختلاف إلى نجاح، وكما قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، ويجب أن نواجه ونرفض الشخصيات الدينية والسياسية التي تستغل أوجه الاختلاف، ويجب علينا أن نتساءل عن سبب شعور الكثير من الناس أنهم مستبعدون، ولماذا يتم إغراؤهم بالرسائل المتطرفة للتعصب ضد بعضهم البعض.
في النهاية، يجب أن نعمل جميعًا من أجل مصلحتنا. هذا هو المنطق الذي يكمن وراء خطة الأمم المتحدة 2030 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر - مخطط العالم من أجل عولمة عادلة ومجتمعات شاملة ومزدهرة. وفي صميم جهودنا، علينا أن ندعم ونعزِّز الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان العالمية.
نعم، لدينا أديان وثقافات وتاريخ مختلفون، لكن إنسانيتنا المشتركة هي ما يربطنا جميعا. بدلاً من الانشغال بخلافاتنا، دعونا نركِّز على ما يوحدنا، والعمل معًا من أجل مستقبل أفضل للجميع، في كل مكان.

الموضوع السابق "البحوث الإسلامية": 250 محاضرة في برنامج التقوية للطلاب الوافدين بمدينة البعوث الإسلامية
الموضوع التالي خلال لقائه الإمام الأكبر.. الأمين العام للأمم المتحدة: العالم أجمع بحاجة إلى صوت الإمام الأكبر الذي يمثل الحكمة والسلام
طباعة
1185