مأساة مسلمى الروهينجا

 

حقوق الأبناء على الآباء

حقوق الأبناء على الآباء

     مِن فضائل الشريعة الإسلامية أنها أعطت كل ذي حق حقه، ووازنت بين الحقوق والواجبات، فلم تغفل حقًّا وإن كان غيره أعظم منه، فهي شاملة كاملة، تفي بحاجة البشر في كل مناحي الحياة؛ ولذا فقد شرعت كل الأحكام الخاصة بالأسرة، ومنها حقوق الأبناء على الآباء، من غير إفراط ولا تفريط، وأكدت على أهمية القيام بهذه الحقوق.
فالولد أمانة في عنق الوالد، إن حافظ عليها بالتعهد والرعاية وحُسْنِ التربية فاز وسعد في دنياه وفي أخراه، وإن أهملها وضيعها خاب وخسر في الدارين، فقد ورد في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"
مِن أجل ذلك أوجب الإسلام على الآباء رعاية أبنائهم، وأداءَ حقوقهم.
ولا عجب أن تبدأ هذه الحقوق مبكرًا قبل زواج الرجل من أم أولاده، فينبغي عليه أن يختار لأبنائه الأم الصالحة التي تعرف حق ربها، وحق زوجها، وحق أبنائها، وتعرف رسالتها ووظيفتها في هذه الحياة، وكذلك ينبغي على الزوجة أن تمارس الحق نفسه فتختار- الزوج- الأب الصالح لأبنائها، حتى تقوم العلاقة الزوجية بين الزوجين على أساس متين مِن الإيمان والصلاح، ففي حضن الأسرة الصالحة تنشأ الذرية الصالحة. 
وترتفع أسهم الحقوق بعد إنجاب الأولاد مِن ضرورة ذبح العقيقة عنهم، وتسميتهم بأحسن الأسماء، وإرضاعهم رضاعة طبعية إن أمكن ذلك.
ويستمر أداء الحقوق تصاعديًّا، ليتمثل في النفقة على الأبناء، وتوفير احتياجاتهم من المطعم والمشرب والملبس والمسكن والرعاية الصحية وغيرها، قال الله تعالى:﴿لِيُنْفِقْ ذو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قدِرَ عَلَيْهِ رِزْقهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ﴾.
وفي خضم هذه الحقوق المادية عاتية الأمواج لا ينبغي أن يغفل الوالدان الجانبَ الروحي مِن الرحمة والرفق واللين والتعليم الديني والنيوي... إلخ
كما يجب أن تتضافر جهود الأب والأم في العدل بين الأبناء؛ فالعدل بين الأبناءِ مَطلبٌ ضروريٌّ يتحقَّقُ به الصلاح والبرّ، وهو أساس المحبة والألفة.
وهناك حقٌّ مِن ألزمِ الحقوق وأنفعها ألا وهو حق الدعاء للأبناء بالصَّلاح والهداية، اقتداء وتأسيا بأنبياء الله ورسله في دعائهم، فهذا الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، ويقول أيضًا: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾. ويقول أيضًا: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. وهذا زكريا عليه السلام لا يطلب الذرية وحسب؛ ولكن يطلبها ويسأل الله أن تكون صالحة: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.
وتستمر أنواع الرقابة والمتابعة والتربية والتأديب كلما كبر الأبناء في العمر، فالوالدان مسئولان عن تنشئة أبنائهِم وتربيتهم تربيةً حَسَنة، يعرفون مِن خلالها الحلال والحرامَ، ويحفظون عليهم دينَهم وأخلاقهم وسلوكهم وفطرتهم، بالتشجيع على الفضائل، والتحذير مِن الوقوع في الرَّذائل، والتحصينِ من الإفراطِ والتفريط، ولله در القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان منا * على ما كان عَوّدَه أبوهُ.
ولا شك أن الاستجابة لأوامر الشريعة واجتناب نواهيها لهو أمرٌ مِن الأهمية بمكان، وفي مثل ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أبْنَاءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المضَاجِعِ». 
* وتستمر رسالة الوالدين طالما كانوا على قيد الحياة تجاه الأبناء؛ حرصًا على حياتهم الحقيقية في الدنيا والآخرة،  وحمايةً لهم مِن الانحراف والزيغ والضلال، والوقوع في مغبة
القبائح والرذائل والمنكرات، وويلات المسكرات والمخدرات.
* ألا فليحرص أولياء الأمور على نجاة أبنائهم واستقامتهم، لينفعوا أنفسهم  وأوطانهم استلهامًا لسير الصالحين مِن الأجداد وازدهارًا لحاضر الشباب وبناءً لمستقبل الأحفاد.

مقال بقلم الشيخ أحمد النادي / مدير عام وعظ الجيزة

الموضوع السابق «البحوث الإسلامية» تعقد ندوة مجلة الأزهر حول تفعيل صِيَغ الاستثمار الإنتاجي في الواقع المعاصر
الموضوع التالي ظاهرة الطلاق.. أسباب وعلاج
طباعة
108