استغلال اليمين المتطرف لموقع "تويتر" للتحريض ضد المسلمين في أوروبا
تُعد وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًّا من الحياة اليومية في الوقت المعاصر، ووسيلة للتلاقي، والتفاعل مع الآخرين في جميع أنحاء العالم. كما تمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بالتحديات العديدة، والتي من بينها استخدام التيارات المتطرفة لمواقع التواصل الاجتماعي، في بث خطاب الكراهية، والعنف ضد مخالفيهم. وقد رصد مرصد الأزهر في مناسبات عديدة استخدام اليمين المتطرف لهذه المواقع في العديد من الدول الأوروبية خصوصًا موقع "تويتر" للترويج للأخبار، والمعلومات المضللة، والمسيئة للمسلمين، وتشمل هذه المعلومات أحيانًا تضخيمَ المشاكل، والمبالغةَ في المخاوف المرتبطة بوجود المسلمين في المجتمعات الغربية، فضلًا عن توجيه الانتقادات العنصرية إليهم، والتي غالبًا ما تُستخدم لتحريض الآخرين على ارتكاب أعمال عدائية، وعنيفة ضد الجاليات الإسلامية بشكل عام، والتي قد تصل إلى حد الاعتداءات الجسدية، والتي يمكن أن تؤدي إلى إصابات خطيرة، أو تفضي أحيانًا إلى الموت مثل ما تعرضت له "مروة الشربيني" على يد شاب ألماني بدوافع عنصرية في محكمة بدرسدن في أول يوليو في العام 2009م، لتموت في صالة المحكمة، وهي حامل في طفلها الثاني. فضلًا عن التحرش اللفظي، والاعتداءات على الممتلكات الخاصة بالمسلمين، مثل تدنيس المساجد، والممتلكات الإسلامية، وجذب النساء من حجابهن، وتكسير النوافذ، والأبواب وغيرها من أشكال العنف. ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال تتسبب في إحداث العديد من المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية للمسلمين، كما تؤدي إلى آثار سلبية كبيرة في المجتمعات التي تعاني بالفعل من التوترات، والانقسامات.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت العديد من الدول الأوروبية زيادة في الخطابات المعادية للمسلمين، وتزايدت حالات التمييز، والعنف بحقهم؛ بسبب الإعلام، ووسائل التواصل المختلفة التي تعمل على تأجيج العنف، والتمييز ضد المسلمين، وذلك من خلال نشر الأخبار الكاذبة، والتحريضية، والنابعة من فَهم خاطئ للإسلام، وتعاليمه السمحة، وتعميم الأفكار الخاطئة، والصور النمطية ضد عموم المسلمين، فضلًا عن ربط الإرهاب بالإسلام؛ بسبب الأعمال الإجرامية التي يرتكبها بعض المجموعات المتطرفة التي تنسب نفسها إلى الإسلام، وهو منها براء.
ويأتي موقع "تويتر" من بين أهم المنصات التي يتم استخدامها لنشر هذه الأفكار الهدامة، حيث يتم تداول الأخبار، والمعلومات المضللة، والمسيئة للمسلمين بشكل واسع. ويتميز موقع "تويتر" بسهولة استخدامه، وسرعة انتشار المعلومات عبره على نطاق واسع، وهذا يسمح لليمين المتطرف بنشر الأفكار العنصرية، والكراهية بشكل سريع من خلال التغريدات، و"الهاشتاجات" لحشد المؤيدين، والتحريض، والتمييز ضد المسلمين، والمهاجرين.
وفي هذا الصدد، أشارت جريدة "إنفوباي" الأرجنتينية، في 8 مايو 2023م، إلى استغلال تيار اليمين المتطرف -في إسبانيا، وفي عدة دول أوروبية أخرى- موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" لإثارة الكراهية ضد المسلمين، وتشويه صورتهم في المجتمعات التي يقطنون بها. وذكرت الجريدة العديدَ من الشواهد التي تدلل على ذلك، حيث يستخدم حزب "فوكس" اليميني المتطرف موقع "تويتر"، لنشر تغريدات معادية للمسلمين؛ بغرض تشويه صورتهم، أو أن أتباع التيار المتطرف يزيفون حسابات، ويدَّعون أنها لمسلمين متطرفين، ومِن ثَم يُدينون ما يتم نشرُه عليها، بغرض تشكيل الرأي العام، وتوجيهه نحو كراهية المسلمين والمهاجرين، ورفض وجودهم في إسبانيا.
وفي هذا السياق، فإن حركة Reconquista أي "الاسترداد" كما تُطلِق على نفسها -وهي حركة معادية للمسلمين، وتشبِّه نفسَها بالممالك الإسبانية التي "استعادت" شبه الجزيرة الإيبيرية نهائيًّا من المسلمين في القرن الخامسَ عشرَ الميلادي- تعتمد بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا "تويتر" في نشر أفكارها المتطرفة، وفي إثارة الرأي العام، والتحريض ضدَّ المسلمين في إسبانيا، وهم بذلك يحاكون تيارات فاشية، ويمينية متطرفة في دول أخرى مثل الولايات المتحدة، والبرازيل، وعدة دول أوروبية أخرى. وبذلك فهُم يتبنَّون النهج الذي يتبعه المتطرفون اليمينيون في العديد من البلدان، حيث يستخدمون موضوعات حساسة لتشويه الحقائق، ونشر أفكارهم الخاطئة، وتحقيق أهدافهم السياسية. عِلمًا بأن التشابه الواضح في الوسائل المستخدمة، وفي المصالح المشتركة بين التنظيمات اليمينية المتطرفة في العديد من الدول، يُدلل على أن هذا التشابه ليس محض صدفة، بل يشير إلى أن هذه التنظيمات تُقلد، وتتعلم من الأساليب، والخُطط التي نجحت في دول أخرى، وتستخدمها في بلدانها لتحقيق أهدافها، وزيادة نفوذها. وذكر بعض الخبراء في هذا المجال أن التخوف الأكبر يكمن في إمكانية تحول التحريض على العنف والكراهية من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي، كما يُلاحظ أننا نشهد -في جميع أنحاء العالم- مظاهر مختلفة لظاهرة استخدام "تويتر" ضدَّ المسلمين مِن قِبل اليمين المتطرف. وعلى الرغم من تنوُّع الشعارات المستخدمة، فمن الملاحظ أن الأفكار، والأجندات المتعلقة بهذا الموضوع تتشابه بشكل كبير.
وقد استغلت تيارات اليمين المتطرف في إسبانيا حادثة الهجوم على كنيستين في الجزيرة الخضراء في يناير 2023م، وأخذت تبث معلومات كاذبةً، ومغلوطةً، وتحريضية ضدَّ المسلمين، وأخذت تنشر الكثير من التهديدات العنيفة ضدَّهم عبر "تويتر" بما ينتهك قواعد تلك المنصة. وربما يعود السبب في ذلك إلى تسريح "تويتر" العديد من المتخصصين في إزالة المحتويات العنيفة، مما سمح بوجود عدة اختراقات لتلك الخصوصية بما يهدِّد الأمن الاجتماعي. كما أن إدارة الموقع لم تستجب لطلب خاص بالتعليق على نشاطات حركة "الاسترداد" على المنصة، ولم تتفاعل معه، وهو ما يؤكد وجود خلل بالموقع. وقد شهدت السنوات الأخيرة -وهو ما رصده مرصد الأزهر- استخدامَ مجموعاتٍ مختلفةٍ من اليمين المتطرف، ومنظَّمةٍ بشكل غير رسمي وسائلَ التواصل الاجتماعي بطرق مماثلة.
وبالتالي من الممكن أن ينتج عن تحريض التيارات اليمينية المتطرفة ضد المسلمين على "تويتر" العديدُ من الآثار السلبية، بما في ذلك زيادة التمييز، والعنصرية، مما يؤثر على حياة المسلمين، واندماجهم، وتعزيز الانقسامات في المجتمع، بالإضافة إلى تشويه الصورة العامة للإسلام، مما يؤثر على العلاقات الدولية، والتعاون الثقافي، والاقتصادي بين الدول. بل ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة أعمال العنف، والتطرف، وما ينتج عنه بطبيعة الحال من تفاقم العديد من المشاكل الأمنية، والاجتماعية، والنفسية للمسلمين الذين يشعرون بالاضطهاد، والتمييز، والعزلة، مما يؤثر على صحتهم النفسية.
لذا يَرى مرصد الأزهر أن السبيل لمواجهة أجندات اليمين المتطرف، والحدِّ من انتشار خطاب الكراهية، والتحريض على العنف ضدَّ المسلمين عبر منصات التواصل الاجتماعي، يرتكز على توعية المجتمع بخطورة تلك الحملات، وأثرها السلبي على تماسك المجتمع، ووَحدته. وبالتوازي مع ذلك، فلا بد من تعزيز الحوار، والتعاون بين أبناء المجتمع، بما يرسِّخ لمبدأ الاحترام المتبادل، والمواطنة، والتعايش السلمي، وتعزيز الحوار الدائم بين المسلمين، وغير المسلمين في المجتمعات الغربية، وتشجيع الحوار المفتوح؛ لتعزيز التفاهم، والتعايش السلمي، وتثقيف الأفراد، والمجتمع بشكل عام، وبيانِ زَيف الأخبار، والمعلومات المضلِّلة، والمسيئة للمسلمين، وتوفير المعلومات الدقيقة، والواقعية حولهم. كما يتعين على إدارات تلك المنصات الاجتماعية وضعُ سياسات صارمة لمنع انتشار خطابات الكراهية، والتحريض على العنف عبر منصاتها، وتوظيف الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا للكشف عن المحتوى التحريضي، وحذفه بشكل فاعل، مع توفير آليات الإبلاغ عن تلك المحتويات، والتعامل معها بشكل حاسم.
وحدة رصد اللغة الإسبانية
2029