| 28 مارس 2024 م

مقالات جريدة صوت الأزهر

د.عبدالعليم محمد .. يكتب: وثيقة الأخوة الإنسانية من أبوظبى

  • | الإثنين, 25 فبراير, 2019
د.عبدالعليم محمد .. يكتب: وثيقة الأخوة الإنسانية من أبوظبى

فى أغلب المراحل التاريخية التى تمر بها الإنسانية يقيض الله لها عدداً من العقلاء والحكماء، تتفاوت مراتبهم ومكانتهم وتأثيرهم من الأنبياء والرسل والمصلحين والمفكرين والعلماء، نذروا حياتهم لإضاءة الطريق أمام البشر، وكشف الجوانب المظلمة فى حياتهم، وتعيين الطريق والسبيل الذى يكفل السير فيه نحو المدينة الفاضلة.

فى هذا السياق تنخرط «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمى والعيش المشترك»، التى صدرت عن مؤتمر الأخوة الإنسانية الذى انعقد فى أبوظبى بدولة الإمارات، والتى وقعها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان البابا فرنسيس، فكلا الرجلين بتأثيرهما الروحى والدينى لدى ملايين المسلمين والمسيحيين الكاثوليك فى العالم، يكتب صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات بين الإسلام والمسيحية، صفحة تتجاوز موروث الماضى وتتجه صوب المستقبل فضلاً عن مواجهة التحديات العالمية الراهنة.

المناخ الذى صدرت فيه هذه الوثيقة «وثيقة الأخوة الإنسانية»، ربما يستدعى إلى الذاكرة الإنسانية، الظروف والآثار الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، التى أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية والدمار والخراب والقتل وجرائم الإبادة والاستعمار، وهى الظروف التى أدت إلى إصدار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى 10 ديسمبر عام 1948، والذى أسهم فى إخراجه إلى حيز الفور لفيف من الساسة والدبلوماسيين والحقوقيين، الذين أرادوا وضع ميثاق أخلاقى وقانونى ملزم للعالم، ويحول دون تكرار هذه الجرائم، قد تتشابه ظروف العالم اليوم فى جانب كبير مع تلك الظروف الراهنة التى تواكب إصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية».

فالإرهاب والتطرف والعنصرية تتصدر المشهد العالمى كما أن الحروب الأهلية وتفكيك الدول الوطنية وانتشار ظاهرة اللجوء والنزوح والمجاعات، تعصف بالعديد من الكيانات الوطنية فى الشرق الأوسط والعالم العربى، المؤكد أن التشابه السالف الإشارة إليه قد يكون جزئياً مقارنة بنتائج الحرب العالمية الثانية، ولكنه بالقطع كفيل بأن يدفع صوب صدور هذه الوثيقة «الأخوة الإنسانية»، وإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون والأقوياء، فإن العقلاء قادرون على تصويب التاريخ وكتابة رواية لأحداثه مختلفة عن رواية الأقوياء.

«وثيقة الأخوة الإنسانية» غنية بالدلالات والمعانى والقيم والمبادئ فى مقدمتها تأكيد الاختلاف والتنوع بين البشر من حيث الديانة والنوع والعرق والجنس واللغة والمذاهب، وهذا التنوع والاختلاف هو سنة الله فى الأرض والكون، وفطرته التى فطر عليها الناس، وهذا التنوع أحد مصادر التدافع الحضارى والتفاعل والتواصل بين بنى الإنسان.

خلق الله الإنسان الذى كرمه وجعله خليفته فى الأرض فى صورة مركبة، وجمع الإنسان فى تكوينه بين الوحدة والتنوع وبين السمو والتدنى ولا شك فى أن الصراع بين هذه الثنائيات المتضادة والمتناقضة إحدى السنن الإلهية فى الكون، وتميز الإنسان دون سائر المخلوقات بالعقل والتعقل والتدبير والقدرة على معالجة هذه التناقضات والوصول بها إلى الغاية السامية فى التعايش والترقى والتعارف والرفاهية وإعمار الأرض.

لفتت الوثيقة من ناحية أخرى الانتباه إلى الطابع المتناقض للتقدم المعاصر وشموله على الإيجابيات والسلبيات، الأولى تتمثل فى التقدم العلمى والتقنية والطب والصناعة والرفاهية، أما الثانية فتتمثل فى «تراجع الأخلاق وانهيار عوامل الضبط الأخلاقية وتراجع القيم الروحية وتدنى الشعور بالمسئولية»، وهذا الجانب على نحو خاص هو أحد الدوافع للتطرف والعنصرية والكراهية.

أما ثالث هذه المبادئ فيتمثل فى تكامل الحضارات وتفاعلها وتداخلها؛ إن بالمعنى الحضارى العام أو بالمعنى الثقافى والسياسى والاقتصادى والدينى «فالعلاقة بين الشرق والغرب هى ضرورة قصوى لكليهما، لا يمكن الاستعاضة عنها، أو تجاهلها ليغتنى كلاهما من الحضارة الأخرى عبر التبادل وحوار الثقافات».

من ناحية أخرى يبقى أن وثيقة الأخوة الإنسانية جمعت فى سطورها بين الدينى والزمنى، بين الدين والمحتوى السياسى والأيديولوجى والاقتصادى للسياسات المعاصرة، ومن ثم فهى ليست وثيقة دينية فحسب أو زمنية معاصرة فحسب، بل الاثنتان معاً، وبهذا المعنى فإن الوثيقة تحمل المسئولية فى النهوض بالعالم من أزمته الراهنة للقيادات الدينية والسياسية والزمنية فى العالم، لأنه كما أفضى التعصب الدينى والإرهاب إلى العنف والقتل ومصادرة التسامح فإن السياسات الراهنة أساءت توزيع الثروات وأفضت بالملايين من البشر فى أحضان الجوع والمرض والتهميش والعنصرية.

فى هذا السياق فإن الوثيقة حرصت على الإشارة للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق المسنين والضعفاء وذوى الاحتياجات الخاصة المستضعفين؛ لكى تؤكد طابعها المتوافق مع منجزات المجتمع الدولى الحديث والمكمل لها.

من الناحية العملية فإن هذه الوثيقة التاريخية فى التطبيق العملى وترجمتها فى الواقع، يمكنها أن تتخذ صوراً شتى، كما فعلت جامعة الأزهر التى قررت عقد ندوات لشرح مضمونها للطلاب، وكما يمكن أن تقرر وزارة التربية والتعليم العالى أن تضمنها مناهج التربية الدينية والوطنية، وغير ذلك من الأساليب والإجراءات، التى تكفل إخراج ترجمة صادقة وأمينة للوثيقة واعتبارها دليل عمل عالمياً لمكافحة الإرهاب والتطرف والعنصرية.

نقلاً عن صحيفة البيان الإماراتية

طباعة
الأبواب: المقالات
كلمات دالة: قمة الإنسانية
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg