| 18 أبريل 2024 م

مقالات جريدة صوت الأزهر

عبدالجليل الشرنوبي .. أذان "الطيب" لصلاة "التسامح"

  • | الإثنين, 25 فبراير, 2019
عبدالجليل الشرنوبي .. أذان "الطيب" لصلاة "التسامح"

يبوح الأب المهمُوم بمستقبل ابنتيه، (كل واحدة منهما لها رأى، وهذا أشجعه وأنميه فيهما من الصغر، لكنى مؤخراً بدأت ألحظ عليهما تطرفاً)، بالمناسبة الأب يتحدث عن ابنتيه اللتين فى الثانوى والإعدادى، ورغم تدين الأسرة إلا أن أياً منهما لم ترتد الحجاب، أى تطرف ذلك الذى يخشاه الأب؟! لكنه يواصل شارحاً (أصبح لكلٍ منهما اهتماماتها، وتدريجياً تحولت الاهتمامات إلى أولويات وانحيازات تنعكس على كل رأى يتوافق أو يتعارض، ليكون الخيار الدائم إما تأييدا مطلقا أو نفيا تاما)، بينما تقول الأم بوَجَعِ القلب على صغيرها الذى لم يكمل سنواته التسع ويدرس بإحدى المدارس الخاصة.... (منذ تَفتَّح وعيُ الولد بدأ يُتَرْجِم ما يتلقاه من تعليمات فى المدرسة تصنيفاً لحلال وحرام ومسلم وغير مسلم، ثم تطورت تصنيفاته وبدأت تُصب على المحيط فهذه غير محجبة إذن هى مسيحية......)، وبين نموذجى الأب والأم يمكن أن نُعدِدْ عشرات الأمثلة والنماذج المحيطة بنا يومياً، والتى تُمثل الحاضنة الدائمة لصناعة (التطرف) ولإشاعة معايير النفى وعدم التعايش كأسس لبناء المقبل، والتى تَسعى لإنتاج إنسان العالم الجديد وفق معايير بدائية لا تحكمها أسس التعايش الدينية ولا تُطَوِر تواصلها.

هذا الفهم الواعى المتنبه لخصه الإمام الأكبر فضيلة الشيخ أحمد الطيب على منصة (مؤتمر الأخوة الإنسانية بالإمارات) حيث وجه نداء مبادرته التى تشارك فيها معه قداسة البابا فرنسيس (دعوة لنشرِ ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية للبشريَّةِ جمعاء، بديلاً من ثقافة الكراهية والظلم والعُنف والدِّماء، ولتطالب قادة العالَم وصُنَّاع السياسات، ومَن بأيديهم مصائر الشعوب وموازين القُوى العسكريَّة والاقتصادية، تطالبهم بالتدخل الفورى لوقف نزيف الدِّماء، وإزهاق الأرواح البريئة، ووضع نهايةٍ فورية لما تشهده من صراعات وفِتَن وحروب عبثيَّة أوشكت أن تعود بنا إلى تراجع حضارى بائس ينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة).

وقف الإمام (الطيب) على أعتاب عام عنوانه (التسامح)، على مئذنة الدين المُنْتصر للحياة لا المحارب لها، والدين الفاعل فى البناء الإنسانى لا المُستثمِر له ليبنى مُلْكاً أو يُمَكِن لتنظيم دينى، والدين المُطَوِّر لأدوات التعايش لا المُؤَصِّل لمعاول التصنيف والشقاق ونفى الآخر، إنه الدين الذى يقود إلى تَقْوَى تُقَوِّى أواصر التواصل الإنسانى عبادة وتفَعِّل الشعائر محبة تسع الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ليكون أثرها الإنسانى فى الدنيا (حُسنُ المعاملة) وحساب تقاها عند الله وحده.

إن مَهَمَّة الحراسة للأوطان فى هذه المرحلة من عمر الإنسانية، تتجاوز حدود الساهرين أمناً على ثغور الوطن حدوداً ومؤسسات، ويغدو من خيانة العموم لجندِهم الساهر أن يُسْلِموا الجُنْدَ بالتخلى عن فرض جمعى عنوانه (إعمار الحياة)، وما من سبيل لها إلا عبر جناحى الدين والفن باعتبارهما ركيزتى تطور الإنسان بعد عبوره أطوار بدائيته الأولى، وحيث إن هذه الأسطر تستهدف الجناح الأول فيكفى أن نلوذ بدفع الإيمان الواعى الذى أطلقه الشيخ (الطيب) فى مؤتمر الأخوة موقنين (بأن الله لم يخلق الناس ليُقْتَلوا أو يُعذَّبوا أو يُضيَّق عليهم فى حياتهم ومعاشهم، والله عز وجل فى غنى عمَّن يدعو إليه بإزهاق الأرواح أو يُرهب الآخرين باسمه)، وهكذا يقينٌ حال تفعيله عنوانَ بحث فى شتى المجالات والأطرـ يمكن أن تترجمه أنشطة قادرة على تحصين إنسان وطننا من كل (كفر) بالحياة كَوْنُه الشر المُحدِق بكل إنسان وبالتأكيد مستثمروه كثر، وعلى الخير أن يدعم بناء الإنسان بكل طيب لتستمر الحياة، وفى أصل رسالات الأديان أسس تعايش قادرة على رأب صدوع البناء الإنسانى إذا ما تحرر إنتاج فقه الواقع من أسر مستثمريه ومن قيود النقل التى تُفْقِر منتجيه، إنه نِداءٌ غوثٍ إنسانيٌ على أعتاب عام عنوانه العالمى (التسامح) وعلى كل واعٍ للأذان أن يُلبى.

نقلاً عن جريدة الأهرام

طباعة
كلمات دالة: قمة الإنسانية
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg