| 19 أبريل 2024 م

مقالات جريدة صوت الأزهر

الإسلام والعلم الحضارة (55) ..  بقلم: رجائى عطية

  • | الخميس, 20 يونيو, 2019
الإسلام والعلم الحضارة (55) ..  بقلم: رجائى عطية
رجائي عطية

أكرر أن قصارى غايتى هنا، مجرد التعريف بالأدب العربى وبسط خطوطه العريضة عبر أربعة عشر قرناً، منذ ظهور الإسلام، حتى وقتنا الحاضر، وهى مهمة أكثر صعوبة، فالتركيز ليس أسهل من الإطناب، بل العكس، فضلاً عن محاذير أن يأتى التركيز مخلاًّ قاصراً عن استكمال جوانب الصورة.

أمامى منذ شرعت فى كتابة هذه السطور عن الأدب العربى بعامة، وفروعه من شعر ونثر وخطابة، مجموعة الأستاذ أحمد أمين فجر وضحى وظهر الإسلام، والتى بدأت فى الظهور سنة 1929، ومجموعة الأستاذ جرجى زيدان «تاريخ آداب اللغة العربية» البالغة أربع مجلدات وهى أسبق ظهوراً من مجموعة الأستاذ أحمد أمين، فقد بدأ ظهورها منذ سنة 1911، ويذكر لدار الهلال أنها حين شرعت فى إعادة طبع هذه المجموعة القيمة طبعة حديثة، عهدت بها إلى الأستاذ الدكتور شوقى ضيف أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، ورئيس مجمع اللغة العربية فيما بعد، لمراجعتها والتعليق عليها، فقام بمهمة مشكورة، ولم يكن أسبق ظهوراً من مجموعة جرجى زيدان إلاَّ مجموعة المستشرق «كارل بروكلمان» البالغة سبع مجلدات، وهى مجموعة قيمة لا ينكر فضلها، واستفاد بها من كتبوا بعده، وقد أشار أستاذنا الدكتور شوقى ضيف فى تقديمه لمجموعة الأستاذ جرجى زيدان، إلى أن حذقه باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية قد أتاح له الاطلاع على المراجع الأجنبية، وأنه انتفع بمجموعة «كارل بروكلمان» من قبل أن تترجم إلى اللغة العربية.

وأمامى أيضاً «تاريخ آداب العرب» لمصطفى صادق الرافعى، و«تاريخ الأدب العربى» للأستاذ أحمد حسن الزيات، والمذيلة فى الطبعة الخامسة والعشرين بملاحق لغوية مهمة، وهى شاملة لتاريخ الأدب العربى منذ العصر الجاهلى ثم صدر الإسلام والدولة الأموية، ثم العصر العباسى، عبوراً بعهد الفاطميين، والعصر المملوكى والعصر التركى أو العثمانى، وحتى العصر الحديث، كذلك أمامى المجلد الثالث لكتاب «دراسات فى الحضارة الإسلامية» الذى طبعته الهيئة العامة للكتاب سنة 1985 فى ثلاث مجلدات، احتوى ثانيهما على دراسة قيمة للأستاذ محمد عبدالغنى حسن عن الأدب العربى فى أربعة عشر قرناً.

ويقتضينى الانصاف أن أشير أيضاً إلى فضل كتاب «التوجيه الأدبى» الذى درسنا عليه فى السنة الخامسة الثانوية إبان أن كانت هذه المرحلة خمس سنوات، ونهض على تأليفه الأساتذة والدكاترة طه حسين، وأحمد أمين، وعبدالوهاب غرام، ومحمد عوض محمد، ولا شك أن جيلنا يدين بالفضل لهذا الكتاب الذى أخرجته وزارة المعارف العمومية سنة 1953 بعد المنتخب فى أدب العرب (951 هـ / 1952م)، ويتضمن دراسات رفيعة يستحق بها مسماه «التوجيه الأدبى».

وقد انتفعت انتفاعاً حقيقياً بكل هذه المراجع المهمة التى استعنت بها فى كتابة هذه السطور.

نشأة الشعر

يختلف مؤرخو الأدب فى أولية أو أسبقية الظهور، هل كان الشعر أم النثر، والرأى الراجح، وأميل إليه، أن الشعر كان أسبق ظهوراً، وأنه أقوم ضروب الأدب، وليس معنى هذا أن أول ما نطق به الإنسان كان شعراً، وإنما تجرى المقارنة فى إطار الفن الأدبى، ما بين الشعر والأدب المنثور، باعتبارهما من فنون الأدب.

ولا غرابة فى هذا السبق، فالشعر يقبل بطبيعته المشافهة، وتجرى به الألسنة الذاكرة، أما النثر الفنى فيحتاج إلى كتابة وتدوين، والكتابة ابتكار متأخر فى تاريخ الأمم.

ويؤكد ذلك أيضاً، أن عدد الشعراء فى العهد الأول لكل أمة، أكثر من كُتَّاب النثر، وقد كان هذا هو الشأن فى العصر الجاهلى، وظل الأمر على ذلك زمناً طويلاً يتمتع فيه الناس بأدب الشعر قبل أن ينشأ الأدب المنثور.

لماذا قيل الشعر؟

قدم الشعر يعنى أن الإنسان نطق به وهو لا يزال على الفطرة، فكان ساذجاً فى بداياته، وجعل يتطور مع تطور الحياة والمعارف.

ولكن لماذا ظهر الشعر والإنسان لا يزال على الفطرة، وما هى دوافع ظهوره؟ لا شك أن تحديد ذلك عسير، ولكن المستطاع استنتاج أن النطق بالشعر يرجع إلى تأثير خاص وقوى على النفوس، ومن الظاهر أن أقدم القصائد التى وصلت إلينا فى آداب كثير من الأمم، إنما كانت تسرد قصص الأبطال وأعمالهم المجيدة، ويمكنك أن ترى ذلك واضحاً فى قصائد هوميروس التى شاعت وتناقلها الناس قبل أن تذيع الكتابة. كذلك رواة الشعر القديم فى العصر الجاهلى، فقد دار جانب كثير منه حول البطولات والتفاخر.

ويمكن افتراض أن خصائص الشعر الأساسية كانت موجودة وإن تطورت بعد ذلك فى أقدم الأشعار.

كانت الأشعار تعبر دائماً عن أحاسيس قوية.

وكانت ألفاظ الشعر منتقاة.

وكانت الألفاظ مرتبة ترتيباً موسيقياً، هو ما عرف بعد ذلك بالوزن.

وخلاصة ذلك أن الشعر له مزايا ثلاث: الأولى تتعلق بالمعنى، والثانية باللفظ، والثالثة بالصيغة.

وبديهى لم تتحقق هذه المزايا دفعة واحدة، وإنما اكتُسِبَت بالتدريج مع مرور الزمن.

علاقة الشعر بالغناء

كان هناك دائماً، ولا يزال، ارتباط قوى بين الشعر والغناء. ونحن نرى ذلك للآن، فكم من شعراء عموديين انخرطوا بعد ذلك فى الشعر الغنائى الصرف، كما نرى فى شاعر الشباب أحمد رامى، وكم من قصائد عمودية تحولت بالتلحين إلى أغانى، مثلما نرى فى أشعار أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وغيرهما.

ومن المحال تصور عزلة بين الشعر والغناء.

فالشعر موسيقى الألفاظ.

والغناء موسيقى الألحان.

ولا شك أن البواعث التى تتطلب الغناء، مشابهة جداً لبواعث النطق بالشعر.

خذ مثلاً ما قاله المتنبى لسيف الدولة:

أجزنى إذا أنشـدت شـعراً فإنما  بشعرى أتاك المـادحون مردّدا

ودع كل صوت غير صوتى فإننى        أنا الصائح المحكىُّ والآخر الصدى

وما الدهر إلاَّ من رواة قصائدى إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشداً

فسـار به من لا يسير مشـمراً    وغنـى به من لا يغنِّى مغـردا.

فأنت ترى فى هذه الأبيات، كيف مزج الشاعر بين إلقاء الشعر والتغنى به..

ولا زلنا نرى ذلك للآن فى أشعار المحافل التى تتعلق بالأبطال والبطولات مثل أبى زيد الهلالى وغيرها مما يُلقى مع العزف على الربابة.

تطور الشعر

تطور الشعر كما تطورت اللغة، من عهد الفطرة إلى عهود الحضارة، وأخذ يتطور مع تطور مظاهر الحياة وتعددها وتعقدها.

ومن الملاحظ أنه مع التقدم فى طرق الحضارة، أصبح الشعر فناً مقصوداً متعمداً، وصار الذين ينظمونه طائفة ممتازة من الفنانين.

ومن الملاحظ أنه بعد أن صار الشعر فناً مستقلاًّ، له أسلوبه وقواعده وقيوده، انفصل الشعر عن الغناء وأصبح له مكانه الخاص، فإن التغنى بالأشعار كان معناه الجمع بين فنين مختلفين: الأول فن تأليف الكلام، والثانى فن تأليف الألحان.

ومن الملاحظ ثالثاً أنه بعد أن انفصل الشعر انفصالاً تاماً عن الغناء؛ أخذ الشعراء يعنون بتأليف أشعارهم عناية خاصة، وحرصوا على أن تكون للشعر موسيقاه الخاصة. وهى موسيقى قائمة على وقع الألفاظ فى السمع، دون استعانة بآلات موسيقية أو ألحان.

أركان الشعر

أركان الشعر هى خصائصه الأساسية، سواء من حيث المعانى، أو من حيث الألفاظ، أو من حيث الصيغة والشكل.

ومن المهم التفرقة فى ذلك بين الجوهر والغرض.

فالشعر مثلاً لا يلجأ إلى المنطق ولا إلى الحجة والدليل، كما فى النثر.. بل يحركنا ويستنفرنا أو يستفزنا بما فيه من قوة مؤثرة فى الروح قبل العقل، ووجهته القلب أى العاطفة، لا الرأس أى الفكر والمنطق.

ومما يُستشهد به على ذلك، ما صوره شكسبير من تأثير الشعر على النفوس بصورة واضحة فى روايته «يوليوس قيصر».

ألقى «بروتس» خطابه المنثور البليغ، الملىء بالمنطق والحجج والبراهين التى تبرر قتل يوليوس قيصر.

فلما جاء دور أنطونيوس، ألقى خطابه شعراً مؤثراً، ولم يلبث أن بلغ به فى النفوس ما أراد.

الشعر لا يؤثر ولا يحاول أن يؤثر فى العقول المفكرة، بل فى حساسية النفوس.

ومن ذلك يتجلى كيف أن مزايا الشعر تجمل فى وجوه ثلاثة: الأول من حيث المعانى، والثانى من حيث الألفاظ، والثالث من حيث الصيغة والشكل.

المعانى؛ أكبر ما تمتاز به فى الشعر أنها مصبوبة فى قالب خيالى، وبهذا يستطيع الشاعر أن يثير خيال القارئ أو السامع، فيصير إلى عالم آخر غير عالم المنطق والحساب.

والألفاظ؛ هى الأداة التى يستخدمها الشاعر فى فنه، ليس كما يستخدمها آحاد الناس، وإنما يسمو بها الشاعر كما يستخدم الموسيقى أصواتاً أو أنغاماً خاصة، وكما يلتمس الرسام ألواناً معدة إعداداً خاصاً. هذه الألفاظ فى لغة الشاعر هى بمثابة الجسد من الروح، لها تأثيرها الخاص بها.

هذا وبغض النظر عن الوزن والقافية، فإن لغة الشعر تتميز بعدة خصائص:

تجانس اللفظ والمعنى، فيكون رقيقاً فى مواضع الرقة، قوياً عنيفاً فى مواضع القوة والعنف.

أن يكون اللفظ على قدر المعنى، بلا حشو ولا زيادة مخلة، وبلا قصور فى الدلالة على المعنى.

أن يكون فى لغة الشعر نوع من الموسيقى يوحى بمعنىً فوق المعنى الذى تدل عليه الألفاظ. ولعل هذه الخاصية فيما يقول المتخصصون أخص مزايا الشعر، ولكنها أشدها خفاء، ويصعب جداً الدلالة عليها.

ولذلك نرى الشعراء يتجنبون فى العادة طائفة من الألفاظ التى لا يستسيغونها.

وأخيراً، وليس آخراً، فإن أهم ما تمتاز به لغة الشعر كثرة استخدام الصيغة الطلبية، كالاستفهام والنداء والتعجب والأمر والنهى، ولا يعنى هذا أنهم لا يستخدمون الجملة الخبرية، وإنما نسبة الجمل الطلبية فى الشعر عالية جداً إذا قُرِنت بلغة النثر.

ثم ماذا بعد؟ يبقى أن نتحدث عن القافية وأوزان الشعر.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg