| 19 أبريل 2024 م

مقالات جريدة صوت الأزهر

د. محمد فتحى رزق الله .. يكتب: منهج الإسلام فى تحقيق السلام العالمى (1- 2)

  • | الأربعاء, 2 أكتوبر, 2019
د. محمد فتحى رزق الله .. يكتب: منهج الإسلام فى تحقيق السلام العالمى (1- 2)

مفهوم السلام العالمى:

قلنا فى المقال السابق إن فكرة السلام فى الإسلام تتصل اتِّصالاً وَثيقاً بفكرتِه الكُلِّية عن الكون والحياة والإنسان، هذه الفكرةُ التى ترجع إليها نظمه وقواعده جميعاً، وتلتقى عندها تشريعاته وتوجيهاته، وتجتمع إليها شرائعه وشعائره، فما حقيقة السلام الذى ينشده الإسلام للعالم كله؟ نجيب فنقول إن السلام فى معناه اللغوى السلبى على نحو ماجاء فى (جمهرة اللغة، ومعجم مقاييس اللغة وغيرهما من معاجم اللغة) ضد الحرب، وفى معناه الإيجابى يعنى الصلح الذى يحصل به السلامة من الحروب وتبعاتها المُحرقة، ومن ذلك قول الله سبحانه: « فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ» - النساء - 88 أى المهادنة والصلح.ويُعنيالصحة والعافية، والخلو من العاهات والأذى، وكأن السلام وسيلة لتحقيق هذا المعنى. ومنها السلامة من الآفات، ومن ذلك قوله تعالى: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً» - الفرقان - 63، أى قالوا قولا يسلمهم من آفات الغير وآثامهم.، والسلام اسم من أسماء الله جل فى علاه لسلامته مما يلحق المسلمين من العيب والنقص. «هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ». والسلام تحية المسملين فى الدنيا»أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» صحيح مسلم. والسلام تحية أهل الجنة» دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ» - والسلام أحد درجات الجنةوهى دار السلام»  لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ» - . والسلام اصطلاحا كما عرفته الموسوعة العربية العالمية هو ومن وجه النظرالعسكرية والسياسية يعنى السلام غيبة الاضطرابات العنيفة، مثل الحروب وأعمال العنف. ومن جانبنا نرى أن السلام العالمى هو حالة الصلح واحترام الآخر التى تعيش بها شعوب العالم على أساس من التعارف المشترك، تصديقا لقول الله جل فى علاه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، فكان التعارف البناء بين الناس أينما وجدوا على أرض الله، وبأى وسيلة، هو أساس السلام العالمى.

مقصد رب العالمين من تشريع الإسلام:

لما كان الله - جل فى علاه - قد أرسل رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتما لجميع الرسالات من قبله تصديقا لقوله سبحانه: « مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ  وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»، ومن اللافت للنظر فى هذه الآية وعلى نحو ما قال المفسرون أن الله العظيم يقرر أن على كل عاقل (مسلم أو غير مسلم) أن يستشعر أن فرحه برسول الله كرسول ينبغى أن يكون أولى من فرحه به كأب، لماذا؟ لأننا نلحظ ونجد فى الحياة أن للكثيرين آباء، ومع ذلك فهم أشقياء لا قيمة لهم! إذ العبرة بما يقوم به الأب حقيقة وما يقدمه من خير للأبناء لا بمجرد كونه أباً.

ولما كان رسول الله خاتما لجميع من قبله من النبيين، لزم أن يكون مبعوث الإله لجميع الناس على أرض الله، فكان قوله سبحانه: « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً»، لأن ربه الذى أرسله هو «رَبُ الْعَالَمِينَ» وليس رب شعب دون شعب، ولا أمة دون غيرها من الأمم، ثم بين الشارع الحكيم مقصده من عالمية هذا الابتعاث المحمدى فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، ومعنى العالمين هنا ليس المراد به العالمين من الإنس فحسب، وإنما كل ما سوى الله عَزَّ وَجَلَّ من عالم الملائكة، وعالم الجن، وعالم الإنس، وعالم الجماد، وعالم الحيوان، وعالم النبات. لكن كيف تكون رسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رحمةً لهم جميعاً؟ قالوا: نعم، رحمة للملائكة، فجبريل - عليه السلام - كان يخشى العاقبة حتى نزل على محمد قوله تعالى: «ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ» فاطمأن جبريل عليه السلام وأَمِن. ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رحمة للجماد؛ لأنه أمرنا بإماطة الأذى عن الطريق، «يُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» - صحيح البخارى. وهو رحمة بالحيوان، «ما من مسلم يزرع زَرْعاً، أو يغرس غَرْساً فيأكلَ منه طيْرٌ أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» - صحيح البخارى.وحديث المرأة التى دخلتْ النار فى هِرَّة حبستْها، فلا هى أطعمتْها وسقتْها، ولا هى تركتها تأكل من خَشَاش الأرض» - صحيح البخار، وحديث الرجل الذى دخل الجنة؛ لأنه سقى كلباً كان يلهث، ويأكل الثرى من شدة العطش، فنزل الرجل البئر وملأ خُفَّه فسقى الكلب، فشكر الله له وغفر له» صحيح البخارى ومن هنا فالإله العظيم قد شرع الإسلام لإحياء السلام بين العالمين وهدايتهم، وتحقيق مصالحهم الشرعية المعتبرة، ضرورات كانت أم حاجيات أم تحسينات، فى المعاش وفى المعاد، وهو سبحانه غنى عن الخلق الذين شرع لهم هذا الهدى الدائم، والجود بلا مقابل وبلا حدود.

بداية انتشار السلام فى التاريخ البشرى بظهور الإسلام:

إذا ولينا وجوهنا شطر التاريخ البشرى، لا سيما المحقق منه، ننظر فى حال أصحاب الشرائع قبل مجىء رسول الإسلام محمد، لوجدنا أن رسول الله قد جاء ولم تكن هناك حضارة تعترف بالآخر فى الوجود، ولا دين يسالمه فى الحياة. فها هى ذى اليهودية التلمودية قد تحولت إلى «ديانة عنصرية» يقول لها عهدها القديم: إن اليهود - بحكم الولادة والعرق والدم والجنس، وليس بحكم التدين والتقوى والصلاح - هم شعب الله المختار، وأبناؤه وأحباؤه! كما يقول لهم ذات العهد: إن علاقتهم بالآخرين - كل الآخرين - ليست فقط الكراهية واللعن والإنكار، بل المطلوب منهم أن «يأكلوا» الشعوب الأخرى أكلا، فإبادة الآخرين عندهم تكليف إلهى، هذا ماجاء فى سفر العدد، الآيات - 17 - 31: «... والآن اقتل كل ذكر بين الصغار، وكل امرأة عرفت رجلا ضاجعها»، ثم فى سفر التثنية، الآيات 6 - 16».... لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض.. مباركا تكون فوق جميع الشعوب.... وتأكل كل الشعوب الذين الرب إلهك يدفع إليك. لا تشفق عيناك عليهم». وليس هذا محض افتراء على حقيقة ماكان ولا يزال عليها اليهود - معاذ الله - بل هى حقائق عنصرية منكرة للآخر لمجرد كونه غير يهودى، منكرة لكرامته، بل ولحقه فى الوجود، أكد عليها القرآن الكريم فى غير آية، نعم أكد عليها المصدر الأول لشريعة الإسلام، ففى مجال كشف الغطاء عن جريمة إعطاء أنفسهم الحق فى إبادة الآخر بأى شكل يقول الله سبحانه: فى سورة آل عمران: ، الآية 75: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ». وفى مجال بيان حقيقتهم فى إيمانهم واعتقادهم أنهم شعب الله المختار والمقدس يقول الله سبحانه فى سورة المائدة، الأية 18: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ». وفى مجال فضح إنكارهم لحق الآخر الموجود بينهم فى حرية الاعتقاد والرأى يقول الله جل فى علاه فى سورة البقرة، الآية 113: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ». وفى المقابل ما هو موقف الآخر (النصارى) الذين أنكر اليهود حقهم حتى فى مجرد الحياة والوجود على ظهر الأرض؟ هذا ما سنعرف حقيقته فى المقال المقبل إن شاء الله.

 

د. محمد فتحى رزق الله

مدرس القانون الخاص، جامعة الأزهر

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
3.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg