| 20 أبريل 2024 م

مقالات جريدة صوت الأزهر

نيوتن الذى أعرفه.. والأزهر الذى عرفته

أحمد الصاوي - نقلا عن المصري اليوم

  • | الأحد, 8 ديسمبر, 2019
نيوتن الذى أعرفه.. والأزهر الذى عرفته

     يثير «نيوتن» فى عموده المهم فى «المصرى اليوم» الكثير من الإشكالات، التى تعبر كأى مقال رأى عن تفكير صاحب العمود وانحيازاته وعلاقاته وأمنياته وآراء المحيطين به التى يتبناها فى كثير من الأحيان. أنا شخصياً أحد قرائه وربما أملك قدراً من الخبرة به ككاتب وكشخص، وأتخيل طقوس كتابته لهذا العمود، وكيف يجمع المعلومات ويُكوّن الآراء، ويصنع المسودات ويطورها بمحبة لـ«هواية» الكتابة.

أظن أننى أعرف نيوتن الشخص قبل نيوتن الكاتب بسنوات طويلة يملؤها تبادل فى الشد والجذب والاتفاق والخلاف والدعم والاحترام والمحبة. دافعت عنه على صفحات هذه الصحيفة حين كنت أعمل بها، ودافعت عنه على صفحات صحف أخرى حين انتقلت للعمل فيها.

نيوتن يهوى الكتابة ولعل هذه الروح على بساطتها هى أجمل ما فى عموده، ويهوى الاستماع والإنصات. لكنه قد يتفق معى أن الكاتب الهاوى فى هذه الصحيفة الكبرى، لا بد أن يكون جامع معلومات محترفاً، حتى وهو يكتب محض انطباعات وآراء غير متفردة، وإنما تكرار لأقوال تتردد حوله فى جلسات خاصة.

من بين تلك الانطباعات ما ذكره عن الأزهر والتعليم الأزهرى فى سلسلة مقالات، ملخصها أن هناك أزمة تواجهنا بسبب الأزهر والتعليم الأزهرى، وأن الأزهر يقذف كل عام بآلاف الخريجين المتطرفين الذين يكرهون الآخر ويحرضون عليه.

وكما أظن أننى أعرف نيوتن من سنوات طوال، وعرفت الأزهر معرفة أقرب للتخصص فى شؤونه العامة منذ بضع سنوات فقط، حين تشرفت وتوليت أمر جريدته، وحين قرأت تلك المقالات الأخيرة التى أحدثك عنها، وجدت من واجبى تجاه الطرفين أن أتولى تعريف نيوتن بالأزهر الذى عرفته، لعله حين يتصدى للكتابة عن الأزهر مستقبلاً لا يكتفى بآراء وانطباعات الجلساء الذين يسيطر عليهم فى موضوع الأزهر تحديداً الرطان غير المتخصص. أعرف ذلك جيداً. وربما يؤثرون عليه بوحى غير مباشر، جادلنى أحدهم ذات مرة فى كتاب قال إنه يُدرّس بالأزهر توجد فى صفحة 419 منه أشياء لا يمكن أن يقبلها بشر، وحين أحضرت له نسخة من ذلك الكتاب ووجده بين يديه لا يزيد عدد صفحاته على 200 صفحة فقط ولا يوجد به ما يقول، لم يصحح معلوماته ولا معلومات أصدقائه ومنهم نيوتن، واستمر يردد ذات الكلام حتى والكتاب الذى يستشهد به موجود بنسخته التى تُدرس فعلاً فى الأزهر على رف ظاهر خلف مكتبه!

حين أدعو نيوتن وآخرين فى «المصرى اليوم» إلى بذل القدر البسيط جداً من الجهد للتعرف على الأزهر، أنصح نفسى قبلهم، لذلك لا أتصدى لرد أو دفاع عما أعرفه فى الأزهر إلا بمعلومات واضحة كقصة الكتاب التى ذكرتها للتو. ولأن الصورة النمطية باتت تُزيّف فى هذا الزمن، والانطباعات تُزوّر ويرسخ تزويرها على نحو هائل فى زمن الإعلام الاجتماعى، ونيوتن نفسه يعرف ذلك لأنه فيما يعتقد أحد ضحايا هذه الصورة النمطية وسبق أن قيل فيه ما قال «مالك» فى الخمر، رغم أن كل ما هو ظاهر من معلومات ينفى تلك الأقوال، ولكن ماكينات تشويه السمعة هى آفة هذا العصر يا عزيزى.

نيوتن أيضاً يفهم فى الصورة.. كتب فى مقاله الأخير قبل يومين أن الصورة تبعث برسائل واضحة وتكشف ما لا تكشفه الكلمات، وقد تكون أدق تعبيراً من الكلمات. وبهذا المنطق ووفق هذه القاعدة أدعوك يا نيوتن لتقرأ لنا صورة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وهو يوقع مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وثيقة الأخوة الإنسانية، التى يعبر كل سطر فيها عن فكر ومنهج الإمام الطيب وعقيدة الأزهر، وتتواجد كل قيمها فى مناهج الأزهر التى تُدرس فعلاً. وليس التى جاءت فى مقالاتك وتروّجها أبواق السوشيال ميديا، وأن تسأل نفسك:

كيف لرأس مؤسسة تقول إنها تقذف بالمتطرفين إلى الحياة أن يجاور البابا بهذه الحميمية بين القامتين الكبيرتين فى العالم؟

لماذا يقبل بابا الفاتيكان أن يحتضن ويشارك مؤسسة متطرفة نشاطات عالمية؟

كيف يدعو البابا «رأس التطرف» إلى العشاء فى منزله، ويصفه فى كل الخطابات بأخى ويصلى من أجله؟! ألا يوجد فى الفاتيكان وأنحاء أوروبا ومن بين الكاثوليك فى العالم من يملك المعلومات التى عبرت عنها ومن يقولون قولكم، فيحذر بابا الفاتيكان من ذلك؟!

دعك من بابا الفاتيكان، ربما لا يجيد هو ولا من حوله العربية – رغم أن سكرتيره الشخصى مصرى صميم ويعرف أكثر عن الأزهر – اقرأ لنا صورة قائد مهم فى المنطقة أعرف أنك تقدره وتقدر مواقفه وحكمته وهو الشيخ محمد بن زايد، الذى يستقبل شيخ الأزهر على سلم الطائرة ويودعه على سلم الطائرة ويقبل جبينه، واسأل أصدقاءك وهم كثر فى حكومة الإمارات عن تقديرهم للأزهر وشيخه وخريجيه، وهل وهم يقولون إنهم يحاربون التطرف فى المنطقة يضعون أيديهم فى يد مؤسسة متطرفة أو تنتج التطرف؟!

صورة ثالثة لمئات الشباب والفتيات فى إندونيسيا، يستقبلون الإمام الطيب بنشيد «بلادى بلادى» - بالله عليك ألا تشعر بالفخر- لاحظ أنهم يستقبلون الشيخ بالنشيد الوطنى المصرى، وليس بأنشودة دينية إسلامية أو حتى عن الأزهر وما أكثرها؟ واسأل الخبير الأهم فى مجال التسويق والعلاقات العامة طارق نور كم يساوى مشهد كذلك؟ وكيف يثبت ارتباط الأزهر الوطنى الوثيق بالدولة المصرية، كونه أزهر مصر العالمى، وما يحققه من مكاسب ناعمة فى كل العالم، تصب عوائده لدى كل المصريين مسلمين ومسيحيين.

هل الأزهر مؤسسة متطرفة ويتعلم الناس فيها التطرف، ومع ذلك هناك أكثر من مائة دولة فى العالم على الأقل ترسل أبناءها ليتعلموا فيه ومازالت حريصة على ذلك، هل تتآمر حكومات تلك الدول على شبابها، ولماذا تصمت برلماناتها وشعوبها ومثقفيها على ذلك؟!

نستطيع أن نقرأ فى «المصرى اليوم» تصريحات الرئيس السيسى عن التقدير الذى يجده عن الأزهر فى إفريقيا، وكيف يساعد وجود الأزهر ما يبذله الرئيس من جهد كبير للعودة بمصر لإفريقيا بعد إهمال استمر عقوداً، وأن تسأل رؤساء الحكومات المصرية المتعاقبة، ووزراء الخارجية، وسفراء مصر فى الخارج، ليعرفوك عن صورة الأزهر فى العالم، ولتسأل نفسك كيف يكون الأزهر مؤسسة تنتج التطرف والحكومات الأوروبية تعقد معه اتفاقات لتدريب الأئمة الأوروبيين فى مساجدهم، وأنت الذى تعرف أكثر من غيرك كيف تخضع تلك الحكومات للمحاسبة وكيف تملك أجهزة ومعلومات واستخبارات تعرف عن الحادث الإرهابى قبل وقوعه، فكيف لم تعرف تلك الأجهزة أن الأزهر مؤسسة منتجة للتطرف، ولم تحذر حكوماتها من التعامل معه؟!

ألا يثير شيئاً فى عقلك أن الألمان والفرنسيين يرغبون فى حل مشكلة التطرف لديهم بأئمة أزهريين أو متدربين على يد علماء الأزهر، بينما البعض فى مصر يعتقد أن الأزهريين هم المشكلة وليس الحل؟!

عزيزى نيوتن..

الحديث يطول فى تعريفك بالأزهر الذى عرفته خصوصاً فى هذا العقد الطيب: عقيدته ومواقفه ومناهجه، وما يقدمه التعليم الأزهرى وكيف يتطور، ولن تكفيه هذه المساحة وربما نستكملها، خصوصاً عندما نتطرق للتطرف الموجود فى المجتمع بالفعل ومن المسؤول عنه.. الأزهر الموجود فى مصر منذ 1000 عام فيما عمر التطرف عدة عقود، أم سياسات بعينها خلقت كيانات دينية موازية لها خطاب مغاير جرى تكبيرها وتعظيم أثرها لإضعاف الأزهر.. هيا إذن نضع الجرس فى رقبة القط الحقيقى.

وأخيراً سأحكى لك حكاية سريعة.. حين كنت فى مهمة عمل فى بنجلاديش ودخلت مطعماً ولم يكن معى عملة محلية ورفض مدير المطعم تلقى ثمن العشاء بالدولار، لكنه حين عرف أنى من مصر نطق بالعربى: «مصر.. الأزهر.. خلاص حبيبى مش عاوز فلوس».

الحكايات كثيرة والصور أكثر.. وعليك أن تفكر بهدوء فى الفارق الكبير بين الصورة لدى البعض فى الداخل والصورة فى الخارج.. وأيهما أقرب للصدق؟!

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
4.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg