من الأصول المقررة أن شريعة الإسلام لم تفرض على المرأة أن تكون أسيرة في البيت وكذلك لم تقيد حريتها أو تحرم المجتمع من عطائها ، فللمرأة أن تخرج لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية ما لم يترتب على خروجها مفسدة راجحة .
واجتنابًا للمفاسد ونتائجها ، فإنه يتعين على المرأة المسلمة عند إرادة السفر الطويل في حالة الاختيار أن تتخذ محرمًا ، يرعاها في خصوصياتها ويجب عنها ما تكره ، ويساعدها في تلبية احتياجاتها ، غير متحرجة منه ، لما له من خصوصية الاطلاع منها لما ليس لغيره فتشريع سفر المحرم مع المرأة هو نوع تكريم لم تلتفت إليه التشريعات الوضعية ، ولم تعبأ به ، وليس ناشئًا عن إهانة الإسلام للمرأة ، أو ابتغاء كبت إرادتهن ، ولكن لحمايتهن من الافتتان .
ومن هذا المنطلق جاء الحديث النبوي الشريف " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا " رواه مسلم .
كما قرر الفقهاء أنه في حالة الضرورة يباح للمرأة أن تسافر بلا محرم ، وكذلك لا مانع شرعًا من خروج المرأة من بيتها لمتطلباتها الحياتية بغير محرم ، دل على ذلك الكتاب والسنة والمعقول .
أما الكتاب : فقوله - تعالى – " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ "(القصص :22) .
ووجه الدلالة من الآية الكريمة : أن هذا الرجل الصالح شُعيبًا ، قد أذن لابنتيه أن تسقيا الأغنام خارج البيت من ماء مدين ؛ لأن شُعيبًا في حالة عجز عن القيام بمهمة السقي ، فهو إذًا في حالة ضرورة أباحت له أن يأذن لابنتيه بالقيام بهذا العمل , وإن كان هذا شرع موسى – عليه السلام - ؛ فإنه شرع لنا ما لم يأت ما ينسخه .
أما السنة : فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنهما- قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم " قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ" (رواه البخاري ) .
ووجه الدلالة من الحديث : قد أفاد الحديث أن للمرأة الخروج من بيتها من أجل حاجتها ، وأنها لا تُمنع من ذلك عند اقتضاء المصلحة ، فهذا مما أذن فيه الشرع .وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – " إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا" .
ووجه الدلالة من الحديث : يفيد الحديث عدم منع المرأة من الخروج لقضاء مصالحها، إذا استأذنت زوجها, أو من تكون تحت ولايته الشرعية .
أما المعقول : فإن عدم جواز خروج النساء لحاجتهن فيه مشقة عليهن ، وقد يلحق المرأة الضرر عند فوات المصلحة لذلك جاءت النصوص الدالة على رفع المشقة عنها وإزالة الضرر قال تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" ( الحج : 78) .وقوله " { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
(البقرة :185) ، وقوله صلى الله عليه وسلم "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (موطأ مالك ) .مما أنتج القاعدة الفقهية : ( الضرر يزال ) ونظيرتها ( إذا ضاق الأمر اتسع ) يضاف إلى ما سبق أن النساء المسلمات كن يخرجن في قضاء حوائجهن في كل عصر ومصر من غير نكير عليهن ، فدل ذلك على المشروعية .
وقد نص الفقهاء على أن للمرأة المتزوجة الخروج من بيتها لحاجة كما أنهم اعتبروا خروجها بدون إذن زوجها لا يعد نشوزًا ما دام الزوج لا يكفيها , وما دامت الحاجة تستدعي خروجها .
يقول ابن حجر الهيتمي- رحمه الله - في الفتاوى الكبرى عندما سُئل - رحمه الله- هل للمرأة أن تخرج من بيت زوجها للاستفتاء- طلب الفتوى - والتكسب ونحو ذلك أم لا ؟ فأجاب بقوله : }لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفِ هَدْمٍ وَعَدُوّ وَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَلِلْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ بِالنَّفَقَةِ إذَا لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ وَلِلْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ إلا أَنْ يُفْتِيهَا الزَّوْجُ أَوْ يَسْأَل لَهَا{ . الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي ، ج4 صــ 205 .
مما سبق يتضح أن الشرع قد أذن للنساء أن يخرجن لحوائجهن؛ لكن كل هذا لا يكون إلا وفق ضوابط الشرع من حيث المحرم للسفر ، والأمن في الطريق في الحضر ، وكذا أن تخرج بحجابها الساتر لجميع بدنها وأن لا تكون متبرجة أو متزينة أو متعطرة ؛ لقوله – تعالى -: } وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى {(الأحزاب : 33).