| 29 مارس 2024 م

للقدس رجال لا يفرطون

محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: الإمام الطيب يواجه "شر" ترامب و"الترامبيين"

  • 16 ديسمبر 2017
محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: الإمام الطيب يواجه "شر" ترامب و"الترامبيين"

إن رفض مقابلة مسئول أمريكى فى هذا الزمان، أمر لو تعلمون خطير فى عالمنا العربى والإسلامى، فهو يضع «الرافض» على حافة الخطر لأن ثمن رفضه (فى الأغلب) ما يكون كبيراً، وهو ما يستدعى أن يكون شخصاً استثنائيا، حمل قدره بين يدى خالقه، واسلم أمره للمولى عز وجل، غير راجياً إلا فى رضاه، غير خاضعا إلا لسلطانه.

ولهذا استحق الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، اهتمام العالم واحتفاء المسلمين فى كل بقاع الأرض به، فموقفه المعلن ورفضه القاطع لقبول اللقاء مع نائب الرئيس الأمريكى.

ورفض «الطيب» غير أى رفض، فهو الرفض الذى أحرج الجميع ودفع من بقى فى وجهه ماء أن يرفض أيضاً استقبال هذا الموفد الأمريكى، الذى يأتى إلى منطقة الشرق الأوسط محاولاً تسويق قرار ترامب حول القدس، والذى كان رصاصة الرحمة على جسد «عملية السلام» الذى تحلل بعد تجاهله خلال السنوات العشر الأخيرة بفعل عوامل كثيرة، وظن البعض أن «سمسار العقارات» الأمريكى قادر على معجزة إحياء «الجسد الميت» وإنعاش ملف السلام وحل القضية، ففاجئ الجميع بتمزيق الملف والقضية برمتها وحرق قلوب مسلمى العالم، وأسقط ورقة التوت الأخيرة لينكشف الحكام العرب الذين لا يملكون من أمرهم غير الشجب والتنديد.

وكان شيخ الأزهر قد أعلن رفضه «بشكل قاطع» طلبا رسميا سبق ووافق عليه للقاء نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس نهاية ديسمبر الحالى، بعد اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتماد الرئيس الأمريكى نقل سفارة بلاده إليها. ونقل بيان صدر الجمعة الماضية عن شيخ الأزهر قوله: «كيف لى أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب على الرئيس الأمريكى التراجع فورا عن هذا القرار الباطل شرعا وقانونا».

كما وجه الإمام الأكبر «نداء عاجلاً لأهالى القدس» قائلا: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم». وسبق أن حذر شيخ الأزهر من أن «أبواب جهنم» ستفتح على الغرب حال إقدام الولايات المتحدة على نقل سفارتها فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.

ولم يكن موقف الإمام الطيب، تجاه الأزمة الحالية فى القدس هو الأول من نوعه، فيذكر له رفضه منذ توليه منصبه فى عام 2010، زيارة القدس وهى تحت الاحتلال، وقد طالب قادة القمة الإسلامية التى عقدت فى فبراير 2013، باتخاذ مواقف موحدة تجاه مَأساة فلسطين، ومُقدَّساتِنا الدينية فى القُدس التى تعبث بها إسرائيل. وناشد الإمام الأكبر، الدول المحبة للسلام الوقوف إلى جوار الحل العادل للقضية الفلسطينية، وحماية المسجد الأقصى من الاعتداءات المتكررة. بينما طالب شيخ الأزهر جميع الفصائل الفلسطينية بضرورة تحقيق المصالحة الوطنية، لمواجهة المخاطر والتحديات التى تواجه القدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية. وعلى خلفية القرار الأمريكى الأخير، دعا شيخ الأزهر لعقد مؤتمر عالمى عاجل لـ«نصرة القدس»، بمشاركة كبار العلماء فى العالم الإسلامى ورجال الدين المسيحى والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، لبحث اتخاذ خطوات عملية تبطل شرعية هذا القرار المرفوض.

وقد تنبه الأزهر الشريف ومنذ نهاية العشرينات من القرن الماضى إلى المخطط الصهيونى الذى اختطف فلسطين، ويذكر التاريخ لعلمائه الفتوى الصادرة عنهم فى عام 1947، والتى وقَّع عليها 26 عالماً من علماء الأزهر، ونصت على وجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين.

وبنى الأزهر موقفه الرافض للكيان الصهيونى والمناصر للقدس وجميع حقوق الشعب الفلسطينى، على منطلقين: الأول، حرمة السكوت على احتلال أى أرض عربية وإسلامية ومن ثم فإن المسلمين مطالبون بالعمل والجهاد حتى تحريرها وإعادتها للأمة من جديد. والثانى: هو القيمة التى منحها الإسلام لمدينة القدس الشريف وللمسجد الأقصى الذى يعد القبلة الأولى للمسلمين وثالث الحرمين وعليه فإن الواجب هنا يكون مضإعفا.

ولا ترتبط مواقف الأزهر الثابتة فكرياً مع متغيرات السياسة، فما تطرحه المؤسسة الشريفة من مواقف هى تعبر عن منهجها الدينى، ومعاير القياس محكومة بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، لا شأن لها بمنطق الساسة فى إدارة شئون حكمهم فى كل بلد عربى، لأنى ألمح متربصين بالمشهد لم يسعدهم الاصطفاف الشعبى الكبير حول الأزهر (جامعا) فى مظاهرة الغضب الأخيرة بعد صلاة الجمعة، ولا (إماما) الذى أحدث رفضه صدمة مضادة لصدمة ترامب، وأشعر المسلمين ببعض العزة والكرامة، وأستشعر فى الطريق حملات إعلامية (مأجورة) على قلعة الإسلام الوسطى الحصينة، تبدأ بعد أن تدفن «قصة» القدس ويطويها النسيان خلال أيام.

حفظ الله الأزهر وشيخه، ووقاهم شر ترامب وأتباعه «الترامبيين» من العرب والمسلمين.

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg