Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - الأيتام طريق إلى الجنة
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

الأيتام طريق إلى الجنة

  • | السبت, 8 أبريل, 2017
الأيتام طريق إلى الجنة

تحتفي المؤسسات والجمعيات هذه الأيام بيوم اليتيم الذي يوافق الجمعة الأولى من شهر أبريل من كل عام، وهي مبادرة إنسانية نبيلة تهدف إلى مواساة الأيتام والتسرية عنهم، وقد سبقت شريعتنا الغراء فأولت اليتيم الذي فقد والديه أو أحدهما قبل بلوغه الحُلُم بتكريم بالغ يضاف إلى التكريم الذي أولاه الإسلام للإنسان بصفة عامة؛ وذلك مواساةً لهم وتعويضًا عن فقد مصدر الحنان والرعاية قبل اشتداد عودهم، ولعل أعظم تكريم لهذه الفئة من البشر هو انتماء نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – لهم، بل إنه أشدهم يتمًا؛ حيث لم تكتحل عيناه برؤية أبيه ولو للحظة واحدة، فقد مات أبوه قبل أن يولد، وفقد أمه حيةً في أولى مراحل حياته؛ حيث نشأ في بادية بني سعد، وما كاد يتذوق حنان أمه بعد عودته إلى حضنها من بادية بني سعد حتى لحقت بربها. ومن ثم، ينبغي ألا يحزن الأيتام ويأسوا على حالهم، فلهم في شريكهم في صفة اليتم القدوة والمثل الأعلى، فقد كان وما زال أعظم مخلوق عرفته البشرية في تاريخها، ولمَ لا وقد بدد ظلام الشرك وقاد الجن قبل الإنس إلى طريق الهداية والفلاح؟!

ولأن اليتيم كالطائر الجريح مكسور الجناح، وقد لا يجد من البشر - حتى الأوصياء عليه - من يحيطه بالعناية ويشمله بالرعاية ويدفع عنه شر الأشرار؛ فقد جعل رب العالمين عز وجل التضييق عليه أو التعرض له بالأذى تكذيبًا بالدين، فقال تعالى: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ». وحذر سبحانه من أكل أموال اليتامى بغير حق، فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا». وجعل النبي – صلى الله عليه وسلم - أكل مال اليتيم من السبع الموبقات. وأوجب الله تعالى على الأوصياء حفظ أموال اليتامى وتنميتها وعدم إتلافها ما داموا قائمين عليها، حتى إذا بلغ اليتامى رشدهم وعرفوا كيفية استغلال أموالهم والحفاظ عليها وتنميتها بالتجارة ونحوها؛ ردوها إليهم. وجعل نبي الرحمة مجرد المسح على رؤوسهم حنوًّا وعطفًا سببًا في تحصيل فاعله حسنات بعدد ما أصابت يده من الشعر، إلى غير ذلك من مظاهر التكريم والعناية التي أولاها الإسلام لهذه الفئة.

وإذا كان إكرام اليتيم وكفالته والقيام على شئونه كما ينبغي من الأمور التي ترقى بصاحبها إلى مجاورة خير البشر في الفردوس الأعلى؛ حيث قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين - السبابة والوسطى من أصابع اليد - في الجنة»؛ فإن هناك بعض المسائل التي تتعلق بالأيتام في حاجة ماسة إلى إعادة نظر بما يؤدي إلى الارتقاء بهذا العمل الجليل ويدعم القائمين عليه ويمكنهم من القيام على شئون الأيتام على النحو المنشود، ومن ذلك ضرورة اتساع دائرة الكفالة لتشمل بؤساء لا تنطبق عليهم صفة اليتم لكنهم في أمسِّ الحاجة للكفالة والرعاية، وهم الأطفال الذين بلا مأوى ممن تخلى عنهم من لا يستحقون صفة الأبوة أو الأمومة وتركوهم للشوارع والطرقات، وكذلك الأطفال الذين لا يُعرف لهم نسب، فهؤلاء أولى بالرعاية من كثير من الأيتام؛ حيث إن الأيتام لا يعدمون غالبًا قرابة حانية بخلاف هؤلاء، ولذا ينبغي إدخال هؤلاء في دائرة الكفالة بحيث يكون لهم ما للأيتام مما تقدمه تلك الجهات. ومن ذلك أيضًا ضرورة تعديل الأنظمة المعمول بها أو سن تشريعات جديدة بما يضمن الفصل بين ارتباط كفالة الأيتام بالسن المقررة قانونًا للطفولة؛ حيث لا تتمكن الجهات المعنية بكفالة الأيتام في كثير من الدول من الاستمرار في رعايتهم متى بلغوا سنًّا معينة فتضطر إلى رفع يدها عن كفالتهم ورعايتهم، على الرغم من أن اليتيم الذي يبلغ هذه السن يكون في كثير من الأحوال أحوج ما يكون إلى الكفالة، خاصة إذا التحق بالجامعة، ولذا ينبغي فك الارتباط بين الكفالة والسن المقررة، فلا تلازم بينهما، وأن يحل محل ذلك الاحتياج وعدمه؛ فإذا بقي المكفول محتاجًا استمرت كفالته مع انتفاء صفة اليتم عنه متى بلغ السن القانونية المحددة، وإن زالت حاجته واستغنى بعمل أو حصول على مال بطريق الهبة أو الإرث ونحوه؛ رُفعت الكفالة عنه ولو لم يبلغ السن المحددة. ومن ذلك أيضًا إصدار فتاوى عن علماء ثقات أو مجامع فقهية معتبرة تيسر عمل الجهات والهيئات التي ترعى الأيتام ومن في حكمهم ليعود ذلك بالنفع على المكفولين، كجواز إنفاق وصي اليتيم على جميع أيتام الأسرة الواحدة من المال المخصص لبعضهم؛ حيث اعتادت بعض الجمعيات كفالة شخص أو شخصين من الأسرة الواحدة لقلة الموارد المالية مع أن الأسرة الواحدة قد تضم خمسة أيتام أو أكثر، وليت هذه الجهات تشمل جميع أيتام الأسرة الواحدة بالكفالة بقدر ما يتسع المال ولو قلَّ، أو تفوض وصي اليتيم بالإنفاق على أيتامه جميعًا من تلك الأموال دون تخصيص، حيث لم يقصد أهل الخير الذين تدير هذه الجمعيات أموالهم التبرع لأيتام معينين، وإنما قصدوا تخفيف وطأة البؤس والحرمان عن الأيتام عامة. ومما يدعم عمل الجهات الكافلة ويحقق مصلحة المكفولين كذلك، القول بتمكين هذه الجهات والجمعيات من استثمار جزء من الأموال التي يتبرع بها أهل الخير؛ دعمًا لقدراتها المالية واستمرارها في تقديم الرعاية لمن تشملهم الكفالة من خلال تدفق دائم للأموال، ولا سيما إن كثرت أموال التبرعات في أوقات ما وفاضت عن حاجة الأيتام المكفولين، وغير ذلك من الفتاوى التي لا تنطلق من ظواهر النصوص، بل تعمل على سبر أغوارها وفهم مقاصدها وإنزالها على الواقع العملي بما يحقق المنفعة للأيتام ومن في حكمهم، وييسر عمل الجهات التي ترعاهم وتقوم على شئونهم

أ.د/ عباس شومان 

وكيل الأزهر

طباعة