Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - "الدواعش العائدون" على موائد الساسة الفرنكوفونيين
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

"الدواعش العائدون" على موائد الساسة الفرنكوفونيين

  • | الأحد, 17 مارس, 2019
"الدواعش العائدون" على موائد الساسة الفرنكوفونيين

     فرضت قضية "استعادة مقاتلي داعش الأجانب المُحتجَزين في العراق وسوريا"، نفسَها على كافّة الساحات الدولية؛ نظرًا لخطورتها وأهميتها، لا سيّما عَقِبَ إعلان الرئيس الأمريكي، "دونالد ترامب"، في ديسمبر 2018، عزمَه سحبَ قواته الأمريكية من سوريا، وإعلانه هزيمة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.
كما دعا "ترامب" حلفاءه الأوروبيين إلى استعادة رعاياهم الذين انضموا لصفوف داعش، خشيةَ فرارهم واستئنافهم لنشاطاتهم القتالية في ساحةٍ أخرى، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بين مُختلِف الأوساط السياسية، قائلًا: "إنَّ الولاياتِ المتحدةَ تطلب من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والحلفاء الأوروبيين الآخرين استعادة أكثر من (800) من مقاتلي "داعش"، الذين تَمَّ اعتقالُهم في سوريا من أجل محاكمتهم"، مضيفًا: "أنّ البديل ليس جيّدًا، إذ سنُضطر إلى الإفراج عنهم، ولا تريد الولايات المتحدة الأمريكية أنْ ترى مقاتلين دواعش ينتشرون في أوروبا، وهو المكان الذي يُتوقّع أن يذهبوا إليه حالَ إطلاق سراحهم؛ لذا يجب إرجاعهم إلى بلادهم".
بعد ما صارت هذه القضية بمثابة شوكة في ظهر كافة الدول، سارعت بعض الحكومات إلى التحوّل في سياستها الرافضة تمامًا لعودة رعاياها المنضمين لصفوف داعش، وفرض نقاش حول مصير هؤلاء الدواعش المحتجزين في العراق وسوريا على كافّة الموائد السياسية والإعلامية، وطرح العديد من التكهنات حول تلك الأزمة؛ فهل من الضروري أن تستعيدَ كافّة الدول رعاياها المنضمين لداعش؟ أم يجب عليها التخلّي عن مسئوليتها وتركهم للمحاكمة في العراق وسوريا؟ أم تَتَوَحَّد تلك الدول معًا للوصول إلى برنامج يضمن إعادة تأهيل هؤلاء، ومحاولة دمجهم في مجتمعاتهم مرة أخرى؟ أم يجب تحييد هؤلاء الرعايا؟ أم احتجازهم في "غوانتانامو" جديد، وإنشاء "محكمة جنائية دولية" جديدة، لتولي أمر هؤلاء لضمان الحقوق القانونية والمحاكمات العادلة؟ وهل من السهل إثبات جرائم هؤلاء المقاتلين خلال وجودهم بصفوف التنظيم؟ وإذا ما رفضت الدول استعادة رعاياها، فما مصيرهم؟
•    فرنسا :
تتصدّر فرنسا قائمة الدول الأوروبية المُصَدِّرَة للمقاتلين الأجانب في صفوف داعش، وكانت قبل ذلك ذات موقف رافض تمامًا لعودة مقاتلي داعش من الفرنسيين البالغين؛ لأنهم حملوا السلاح على البلاد والمواطنين الفرنسيين الأبرياء، ولكنها فيما بعد عدَلت عن تلك السياسة؛ تخوُّفًا من فِرار هؤلاء المقاتلين، وتهديدهم الأمنَ العامّ الفرنسي؛ لذا قرَّرت الحكومة الفرنسية استعادة رعاياها المنضمين لداعش ومحاكمتهم على الأراضي الفرنسية، رغم التحديات الأمنية التي تواجهها وستواجهها، الأمر الذي أحدثَ انقسامًا واضحًا في الأوساط الفرنسية بين مؤيِّدٍ ومُعارِض لعودة مقاتلي داعش من الفرنسيين البالغين.
ومن جانبه، أوضح "نيكولا ليرنر"، المدير الجديد لإدارة الأمن الداخلي الفرنسي DGSI))، أنّ التهديداتِ الإرهابيةَ المُحتمَلة لا تزال قوية، لا سيّما بعد هزيمة "داعش" في معاقله الرئيسة، واحتمالية عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، وأنَّ الحكومة الفرنسية تؤكِّد دَومًا أنَّ هؤلاء الإرهابيين المنضمين لداعش تجب محاكمتهم حيث ارتكبوا جرائمهم، وأنه لا توجد ضمانات لعودة هؤلاء المقاتلين إلى فرنسا قريبًا، ومع ذلك فإنَّ سيناريو عودة هؤلاء الإرهابيين إلى الأراضي الفرنسية هو مجرد تَكَهُّن، وإذا تَمَّت استعادة هؤلاء المقاتلين؛ فإنَّ جميع العائدين رجالًا كانوا أم نساءً سيخضعون للمحاكمات القضائية.
بينما أعرب "تيري مارياني"، عضو لجنة الشئون الدولية في الجمعية الوطنية الفرنسية، على قناة "فرانس أنفو" الإخبارية، عن رفضه الشديد لفكرة عودة المقاتلين الفرنسيين؛ لأنهم يُشَكِّلون خطرًا بالغًا على أمن وسلامة فرنسا، داعيًا الحكومةَ الفرنسية إلى انتهاج سياسة "الدنمارك وبريطانيا" حيالَ تلك القضية، في ترك هؤلاء المتطرفين في العراق وسوريا؛ لأنهم هم مَنْ قرَّروا بمَحض إرادتهم الذهابَ إلى هناك، وأَرْجَعَ "مارياني" رفضَه إلى أنَّ هؤلاء الإرهابيين العائدين سُرعانَ ما ستنتهي فترة احتجازهم، مستندًا على الأرقام الصادرة عن مركز الأبحاث التابع لمركز تحليل الإرهاب، والذي حدَّدَ متوسط العقوبات التي سيتمّ تطبيقها على المُدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب، وهو السَّجن لمدة تتراوح بين الشهرين إلى خمس سنوات، وذلك من خلال احتساب متوسط العقوبة التي صدرت في حق الأشخاص المُدانين بتُهمٍ تتعلق بالإرهاب، في الفترة من 2014م إلى يونيو 2018م، وهم (293)  شخصًا، حيث كانت تتراوح متوسط عقوبتهم بين (6 سنوات و5 أشهر).
وخلال لقاءٍ معها على قناة "بي.إف.إم" الفرنسية، اعترضت السيدة "نادين مورانو"، عضو الحزب الجمهوري والنائبة في البرلمان الأوروبي، على قرار الحكومة الفرنسية باستعادة نحو (130) مواطنًا فرنسيًّا، ووصفتهم بأنهم "أعداء فرنسا"، حيث صرَّحت قائلةً: "علينا أن نتوقَّعَ وُقوعَ أيّ هجومٍ إرهابي خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعد احتمالية عودة (130) مواطنًا فرنسيًّا كانوا يُقاتِلون في صفوف داعش"، مضيفةً: أنها كانت تُفَضِّل "محاكمة هؤلاء الإرهابيين في سوريا والعراق، بدلًا من إعادتهم إلى فرنسا".
كما طالَبَت الحكومةَ الفرنسية أيضًا بتطبيق المادة (25) من القانون المدني الفرنسي، والذي يختصّ بشأن سحب الجنسية الفرنسية من هؤلاء الإرهابيين، قائلةً: "لقد رحل هؤلاء إلى هذه المناطق للقتال ضدنا، فهم إرهابيون وبرابرة، وأعداء لفرنسا؛ فلذلك يجب علينا أن نسحب منهم الجنسية الفرنسية"، وأضافت: أنه في الوقت الراهن، يمكن نزع الجنسية الفرنسية عن الأشخاص الذين لديهم أكثرُ من جنسية، أمّا إذا كان الشخص الذي تمّت إدانته بأعمالٍ إرهابية يحمل الجنسية الفرنسية فقط، فمن الصعب سحبها منه؛ لأن ذلك سيجعله بدون موطن.
كما كشفت نتائج استطلاع الرأي التي أجراها معهد "Odoxa-Dentsu" لدراسات الرأي والإعلام، لصالح صحيفة "فرانس أنفو" وصحيفة "لوفيجارو"، بشأن استعادة الدواعش الفرنسيين المحتجزين في العراق وسوريا، أنَّ سبعةً من أصل عشرة فرنسيين من الفئة التي أُجري عليها الاستطلاع؛ (67%) منهم يُعارِضون عودة هؤلاء المقاتلين، كما أنَّ الغالبية العُظمي بنسبة (82%)، أكَّدَت أنه ينبغي على الحكومة الفرنسية أن تترك مصير هؤلاء الإرهابيين بيد القضاء العراقي، حتي ولو تَمَّ الحُكمُ عليهم بالإعدام، وفيما يتعلّق بالعودة المحتملة للدواعش الفرنسيين إلى فرنسا، فإنَّ حوالَي (89%) من العَيّنة "قلقون" من تلك العودة، ونسبة (53%) "قَلقِون جِدًّا".
وتلخيصًا لما سبق؛ يتضح أنَّ مسألة عودة مقاتلي داعش الإرهابيين إلى فرنسا بعد انهيار حلم دولتهم المزعومة بالعراق وسوريا، والبالغ عددهم نحو (70 إلى 80 طفلًا، ونحو 50 بالغًا)، تُمَثِّلُ أحد أخطر القضايا التي تعمل عليها باريس، وعائقًا صعبًا أمام القيادة الفرنسية، حيث كانت ترفض السلطات الرسمية عودتهم بشكلٍ كامل في السابق، فتلك السلطات ترى أنَّ مَنْ قاتل بصفوف داعش يجب أن تتم محاكمته من قِبَلِ كُلٍّ من العراق وسوريا، إلا أنَّ ذلك الموقف لم يَعُد متوافقًا مع مستحدثات الأمور في الفترة الأخيرة، لا سيّما بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحابَ من سوريا.   
•    بلجيكا:
عانت بلجيكا لفترة طويلة من ويلات خطر الإرهاب، كمثيلاتها من الدول الأوروبية، لا سيّما أنَّ لديها أكبر نسبة من المقاتلين الدواعش المحتجزين في العراق وسوريا، مُقارَنةً بإجمالي عدد سكانها، الأمر الذي دفعها إلى ضرورة التعامل مع تلك القضية وما تفرضه من تحديات على الأمن البلجيكي الداخلي؛ لذا سارعت الحكومة البلجيكية لمناقشة هذه القضية مع نُظرائها، لحلّ هذه القضية وتفادي المخاطر الأمنية، حيث اتفق رئيس الوزراء البلجيكي "شارل ميشيل" مع نظيرته البريطانية "تريزا ماي" على اتّباع نهجٍ مُتَوازٍ بشأن مسألة عودة مقاتلي تنظيم داعش، وسيقوم المستشارون البلجيكيون والبريطانيون بالنظر في هذا الأمر خلال الفترة المقبلة.
ومن جانبه، صرَّحَ وزير العدل البلجيكي "كوين جينس" قائلًا: "إذا كان البلجيكيون المنضمون لصفوف داعش سيعودون إلى بلجيكا، فسوف يُنقلون فورًا إلى السِّجن؛ لأنه تَمَّ الحكمُ عليهم غيابيًّا سابقًا من قِبَلِ القضاء البلجيكي"، كما حذَّرَ وزير الخارجية البلجيكي السابق "تيو فرانكين" من عودة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، طالبًا من الحكومة سحب الجنسية البلجيكية من هؤلاء المقاتلين، فهم لم يعودوا بلجيكيين بعد الآنَ، وتلك لم تَعُدْ مشكلتنا".
كما دعا رئيس الوزراء البلجيكي "شارل ميشيل"، إلى محاكمة مقاتلي داعش الأجانب لا سيّما البلجيكيين المحتجزين في سوريا، "بأقصى عقوبة" هناك، مشيرًا إلى أنه من الأفضل تَوحيد المَساعي الأوروبية والدولية بشأن عودة "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، وإنشاء "محكمة جنائية دولية" جديدة لمحاكمة المقاتلين الأجانب، على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي يَنطوي عليها هذا الأمر"، وأنّ هذا الحَلّ من وِجهة نظره مُعَقَّدٌ للغاية؛ لأنّ إنشاء محكمة جنائية دولية لتَوَلّي هذا الأمر يواجه العديد من الصعوبات، على رأسها: أنَّ القانون الجنائي الخاصّ بروما لم يَضَع تعريفًا للمفهوم الحقيقي للإرهاب، وهذا القانون يُنَظِّم عمل المحكمة الجنائية الدولية بـ "لاهاي" (ICC)، وبالتالي؛ فإنَّ قضايا الإرهاب لا تدخل في اختصاص هذه المحكمة، والتي تَمَّ إنشاؤها في الأصل للتصدي لظاهرة "الإفلات من العقاب"، وملاحقة المسئولين عن أسوأ الفظائع التي تُرتكب في العالم، وردع مرتكبي أخطر الجرائم الدولية.
وقد أشار "ميشيل" إلى أنَّ الصعوبة الثانية تَكمُن في أنَّ إنشاء محكمة جنائية دولية مُخَصَّصة لمحاكمة المقاتلين الأجانب، يحتاج إلى اتفاق حول سُبُلِ تمويل تلك المحكمة، وسُبُلِ التعاون بين مُختلِف الدول، بالإضافة إلى تحديد المكان المناسب الذي ستُقام عليه المحكمة، فضلًا عن مكان احتجاز هؤلاء المقاتلين الأجانب، مشيرًا إلى ضرورة إجراء نِقاشاتٍ مستفيضة حول هذا المُقترَح بين الأوروبيين أوّلًا، ثم مع الدول الأخرى.
كما حذَّرَ المُدَّعي الفيدرالي البلجيكي من الصعوبات التي قد تواجهها الدولة البلجيكية في حالة عودة المقاتلين البلجيكيين إليها، والذين لم يَصْدُر في حقّهم حُكمٌ غيابيٌّ مِن قِبَل القضاء البلجيكي؛ لذا من الضروري جمْع الأدلة الدالة على إدانة هؤلاء، فيجب إرسال المُحقِّقين على الفَور إلى مناطق الصراع العراقية - السورية.
كما أبدى وزير الداخلية السابق "جان جامبون" قلقه الشديد بشأن عودة مقاتلي داعش من البلجيكيين، مُطالِبًا الحكومةَ البلجيكية بترك هؤلاء الأشخاص في مناطق الصراع، بعد سحب الجنسية البلجيكية من مزدوجي الجنسية، ومؤيّدًا فكرة وجود مركز عبور بالقرب من منطقة النزاع، وتحديد البلد الذي يتعيّن عليهم الذهاب إليه، لتتمَّ استعادتهم ومحاكمتهم.
وفيما يتعلق بإمكانية وجود معسكر اعتقال أوروبي مُماثِل لمعتقل "غوانتانامو"، يرى وزير الداخلية البلجيكي السابق "جان جامبون" أنَّ ذلك لا يتناسب مع الثقافة والحضارة الغربية؛ لأنه في يومٍ من الأيام سيتِمُّ إطلاقُ سراحِ معظم مقاتلي داعش، بعد انقضاء فترة عقوبتهم داخل السجون، ممّا قد يُشَكِّلُ تحدّيًا كبيرًا لأمن تلك الدول، مثلما حدث في نشأة تنظيم داعش، حينما تَمَّ إطلاقُ سراحِ قادتهم من السجون.
•    كندا:
مع انهيار الدولة المزعومة في العراق وسوريا، عاد بالفعل بعض المقاتلين الكنديين من صفوف تنظيم داعش إلى كندا، والبعض الآخر ما زال رهْنَ الاحتجاز في العراق وسوريا، وتُفيد بياناتٌ صادرة عن منظمّةٍ غيرِ حكومية تُسَمّي: "عائلات ضد التطرّف العنيف"، وُجودَ نحو (25) كنديًّا مُحتَجَزًا لدى "قوات سوريا الديموقراطية"، وتُمَثِّل مسألة عودتهم "شوكةً" في ظهر حكومة "ترودو"؛ وذلك بسبب الخطر الذي يُشَكِّلونه على الأمن القومي الكندي، ودَعَتْ واشنطن الحكومةَ الكندية إلى العمل على إعادة مواطنيها الذين انضموا للقتال في صفوف تنظيم داعش، لكن حتى الآنَ ليس لدى كندا أيُّ اتفاقٍ مُبرَم في هذا الشأن، بالإضافة إلى الضغوط المتزايدة من السلطات المحلية على الحكومة الكندية لإعادة مواطنيها الذين ربما شاركوا بطريقةٍ ما في الأنشطة الإرهابية.
وأكَّدَ "ديفيد موران"، المدير المُشارِك لأحد المراصد العاملة في مجال مكافحة التطرّف والعنف، أنّ المواطنين الكنديين المنضمّين لداعش والمحتجزين في منطقة الصراع العراقية – السورية لا يُشَكِّلون رقْمًا كبيرًا، كما أنَّ بعضهم تَخَلّى عن الأيديولوجية الداعشية، ويرغب في إعادة الاندماج في المجتمع الكندي، وهناك آخرون لم يَتَخَلَّوا عن الأيديولوجية المتطرفة من الناحية الفكرية، لكنهم قرَّروا التخلي عن الأنشطة العنيفة، وأنَّ أقليةً صغيرة مِن بين هؤلاء هم مَن يُحتمل أن يُمَثِّلوا خطورةً حقيقية.
كما يعتقد السيد "موران" أنَّ قضية امرأتَي "تورنتو" و"ألبرتان" اللتَّين تريدان العودة إلى كندا مع أبنائهما أثارت تساؤلًا جَوهريًّا: هل لدى الحكومة الكندية التزامٌ قانوني وواجبٌ أخلاقي لتلبية مطلبهما؟ وهل يَحِقّ للمواطنين الكنديين في هذه المناطق إجراء محاكمةٍ عادلة ومُنصِفة؟ إذا كان الجواب: لا؛ فعلينا أن نسأل أنفسنا: ما إذا كُنّا بحاجةٍ إلى إعادتهم إلى وطنهم، مشيرًا إلى التزامات كندا الدولية باحترام الحقوق الأساسية لمواطنيها في الخارج.
وأوضح "موران" أنَّ هناك العديد من التحديات التي تواجه البلدان الغربية بسبب استعادة رعاياهم الذين ينتسبون بطريقةٍ ما إلى الجماعات المتطرفة المسلحة؛ لأن تلك البلدان ليس لديها بالضرورة دليلٌ على تَوَرُّط هؤلاء الأشخاص في أنشطةٍ إرهابية، في الوقت الذي تحاول فيه معظم هذه البلدان مُقاضاتَهم، ولكن إذا لم يكن لدينا ما يكفي من الأدلة، فهناك أمرٌ آخَرُ يجب تنفيذه؛ وهو إخضاعهم لنظامِ مراقبةٍ أو لنظام دعمٍ نفسيّ اجتماعيّ قويّ، لا سيّما النساء والأطفال.
ومن جانبه، فإنّ "محمد سيفاوي"، المتخصّص في الحركات المسلحة ومدير مجلة مكافحة الإرهاب، يقرأ هذا المشهد بطريقةٍ أَقَلَّ تَفاؤلًا؛ حيث يرى أنه سيكون من الأفضل إنشاء "محكمة جنائية دولية" لمحاكمة مقاتلي داعش الأجانب؛ لأن هؤلاء الإرهابيين لن يَتَخَلَّوا عن عقيدتهم المتطرفة، وبَرْهَنَ على ذلك قائلًا: "في الماضي، أولئك الذين عادوا من أفغانستان والشيشان والبوسنة، وأولئك الذين كانوا يَثورون هنا وهناك في العالم، لم يَتَخَلَّوا عن الأفكار المتطرفة التي يعتنقونها؛ لذا يجب أن نكون حَذِرِينَ في التعامل مع ملفّ استعادة هؤلاء، لا سيّما النساء اللّواتي يَدَّعينَ أنهن تَمَّ تجنيدُهُنَّ بالقوة، فبعضهن يحملن بعض النزعات التحررية، إضافةً إلى هؤلاء النسوة اللّواتي تَمَّ تدريبُهُنّ على حمل السلاح، بل ربما حملوه بالفعل".
كما يجب علينا أن نُدرِكَ أنَّ هؤلاء الإرهابيين الذين غادروا كندا بمحض إرادتهم، وانضموا لصفوف داعش، هم مقاتلون متعصبون ومتعطشون للدماء ومستعدون لإراقة المزيد من الدماء لإخضاع "الكفار" - حسب زعمهم – المتمثلين في جميع المجتمعات الديمقراطية وثقافتها، فإن كانوا الآنَ مُحتجَزين في العراق وسوريا، إلا أنهم ينتهجون نهجًا لمحاولة "البقاء على قيد الحياة"، وهذا النهج متمثّل في استثارة مشاعر الشعب الكندي واكتساب تعاطفه.
فنجد أنَّ كندا تواجه تحدّيًا خطيرًا متمثّلًا في احتمالية عودة رعاياها المنضمين لصفوف داعش، والمحتجزين في العراق وسوريا، ولكن للعدالة الكندية الأدوات المناسبة لمحاكمة العناصر الفاعلة في هذه الوحشية، حتى لو لم تُرتكب هذه الجرائم الوحشية على التراب الكندي؛ لأنه وَفقًا لـ (قانون 1994 الكندي) فإنهم مُرتكِبو جرائمَ ضِدَّ الإنسانية.
•    سويسرا:
شأنها مثل العديد من الدول الأوروبية، ترفض سويسرا استعادة رعاياها المنضمّين لصفوف تنظيم داعش، والمحتجزين في العراق وسوريا، حيث حمَّلت الحكومةُ السويسرية هؤلاء الرعايا المسئوليةَ كاملةً؛ لأنهم انضموا لصفوف التنظيم بمحض إرادتهم، ولذلك فهي تستبعد استعادة مقاتليها الدَّواعش من البالغين، من أجل الحفاظ على الأمن القومي للبلاد، وشدَّدت على أنَّ "أمن سويسرا وحماية سكانها قبل المصالح الفردية"، فإذا كانت "برن" لا تستطيع منْع عودتهم – لأن الدستور السويسري يضمن للمواطنين الحقَّ في الذهاب والعَودة إلى الأراضي السويسرية – فلن تتّخذ أيَّ إجراءٍ لمساعدتهم على العَودة إلى البلاد، ومع ذلك، فإن الحكومة السويسرية تَستثني رعاياها القاصرين، وستدرس استعادة رعاياها القُصَّر؛ وذلك من أجل "مصلحة الطفل"، كما ستتخذ الحكومة السويسرية تدابيرَ أمنيّةً جديدة لمكافحة الإرهاب، بعد موافقة البرلمان السويسري عليها.
فما الذي ينبغي على سويسرا أن تفعله تُجاهَ نحو "عشرين" رجلًا وامرأةً وطفلًا سويسريًّا، محتجزين في منطقة النزاع السوري – العراقي؟ فمِن جانبه، رفض المجلس الاتحادي السويسري فكرة استعادة المقاتلين السويسريين المنضمين لداعش والمحتجزين في العراق وسوريا، والتي يمكن أن تستهدف الأمهاتِ والقاصرين، ولكن إذا لم يكن لأيّ شخصٍ سويسريّ بالغٍ الحقُّ في الحصول على مساعدةٍ دبلوماسية سويسرية، فهل يجب فَصْل العائلات؟ يقول "جيدو بالمر"، المتحدث باسم إدارة العدل والشرطة السويسرية: إنَّ الموقف صعب للغاية، كما لا يمكننا فصْل طفلٍ عن عائلته، وسيتمّ التعامل مع كلّ حالةٍ على حِدَة.
أمّا فيما يتعلّق بالسويسريين البالغين المنضمين لصفوف داعش، فلقد "اختاروا مغادرة سويسرا بمحض إرادتهم من أجل الانضمام لمنظمةٍ إرهابية، كما أنَّ أيّ شخص سويسري يقيم خارج الأراضي السويسرية عليه أن يتحمّل مسئوليته الخاصّة، وليس له الحقّ في الحماية القنصلية"، ولكن إذا قَدَّم أحد هؤلاء الأشخاص نفسَه للعدالة السويسرية فلن تمنعه سويسرا، كما أعلن بيان المجلس الفيدرالي بشأن استعادة المقاتلين السويسريين المنضمين لداعش والمحتجزين في العراق وسوريا؛ أنَّ "الحكومة السويسرية ستتخذ كافّة التدابير لمنع عودة هؤلاء الأشخاص بطريقةٍ غيرِ منضبطة". باختصارٍ؛ تأمُل سويسرا في أن يَتِمَّ القبضُ على هؤلاء الإرهابيين على حدود منطقة "شنغن"، من أجل تنظيم عملية نقلهم إلى سويسرا.
أمّا مسألة الملاحقة الجنائية؛ فإنَّ المجلس الفيدرالي يجعل مُقاضاةَ هؤلاء الإرهابيين أحدَ أهدافه الرئيسة، حيث دعا  "جيدو بالمر"، المتحدّث باسم إدارة العدل والشرطة السويسرية، إلى "عدم تَرْك السويسريين الذين غادروا البلاد بدافع دعم الإرهاب دون عقاب"، مُشيرًا إلى "ضرورة تنفيذ الملاحقة الجنائية، وتنفيذ العقوبة بقدر الإمكان في الدولة التي ارتُكبتْ فيها الجريمة، مع احترام المَعايير الدولية"، ونظرًا لحالة الفَوضى التي تَمُرّ بها المنطقة؛ تُجرى مناقشاتٌ لإنشاء "محكمةٍ جِنائيّة دوليّة".
ممّا سبق؛ يتضح أنه عقب سلسلة الهجمات الإرهابية التي ضَرَبت القارّةَ الأوروبية، وتسبّبت في قتل العديد من الأبرياء؛ يبدو أنَّ الموقف الأوروبيَّ القائمَ على الخوف من الخطر الذي تُشَكِّله عَودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية، يُضْعِفُ فرصةَ نجاةِ هؤلاء بحياتهم، لا سيّما أنَّ العديد من تلك الدول ترفض استعادة رعاياها.
وفي الوقت نفسِه، فإن شهاداتِ العديد من المقاتلين الأجانب تُظْهِرُ تَمَسُّكَهُم بالأيديولوجية الداعشية، وأملَهم في عَودة دولتهم المزعومة يومًا ما، ولكن ستظلّ قضية استعادة هؤلاء المقاتلين الأجانب مَوضِعَ جدلٍ على موائد الحكومات والساسة؛ بين خَطرٍ أمنيّ يتمثّل في عَودتهم إلى أوطانهم، وبين تَوَجُّسٍ ممّا سيصبحون عليه إذا بَقوا في العراق وسوريا، وبين تدابيرَ أمنيّةٍ وبرامجَ لمكافحة التطرّف..

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

 

طباعة