Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - مسجد هُوايْشِنْغ - خطوات الإسلام الأولى في الصين
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

مسجد هُوايْشِنْغ - خطوات الإسلام الأولى في الصين

  • | الإثنين, 27 يونيو, 2022
مسجد هُوايْشِنْغ - خطوات الإسلام الأولى في الصين


لم تكن الحضارة الإسلامية مجرد حضارة عابرة مرَّت على التاريخ بلا تأثير، بل كانت حضارة راسخة ثابتة، حيث ترك المسلمون بصمات وشواهد وآثارًا تدل على مدى عظمة الإسلام وتقدمه في المجالات كافة، وبالرغم من اتساع رقعة الدولة الإسلامية فإن الحضارة الإسلامية كان لها شواهدها في الدول كافة من حدود الصين إلى بلاد الأندلس، ومن أبرز هذه الشواهد هي العمارة الإسلامية والتي لا تزال باقية حتى الآن، ففي سنواته الأولى عرف الإسلام طريقه إلى العالم خارج أرض الجزيرة العربية محط نزول الوحي، ليصل إلى حدود الصين ويُبقي آثار الإسلام الحسية والروحية في كل مكان، ومن هذا المنطلق تعرض وحدة اللغة الصينية بمرصد الأزهر واحدًا من شواهد الحضارة الإسلامية ونماذجها في الصين، والتي عرفَتْها مُنذ دخول الإسلام إليها في القرن الأول الهجري، والتي تتميز مساجدها بالطراز الإسلامي العريق متحدًا مع إبداعات فنون العمارة الصينية، كما تتميز بالبُعد التاريخي، حيث يمتد تاريخها إلى مئات السنين، ومن هذه الآثار مسجد هُوايْشِنْغ Huaisheng في مدينة "قوانغتشو" أول مسجد معروف ظهر للوجود في الصين.

دخول الإسلام  
تعددت الروايات حول بداية دخول الإسلام للصين، فمع استقرار الإسلام في الجزيرة العربية انتشرت الدعوة الإسلامية حول الجزيرة العربية، وتتفق المصادر الصينية والعربية أن أول اتصال دعوي بين الإسلام والإمبراطورية الصينية بدأ في عهد أسرة تانغ (618م-907م) حيثُ كانت العاصمة الصينية لأسرة تانغ في ذلك الوقت هي مدينة  تشانغآن (شيآن الحالية)xian  والتي تقع غرب الصين، ولم تكن الصين غريبة على العرب، فقد كان طريق الحرير – والتي هي مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن في الصين مع أنطاكية في تركيا- يمر بجنوب الجزيرة العربية، وقد كانت الصين معروفة لدى العرب قبل الإسلام.
 تختلف الروايات حول البعثة الأولى الواردة من الدولة الإسلامية إلى الصين، فمنهم من ينسبها إلى عهد النبي ﷺ بلا تحقيق لكن الروايات العربية الموثقة تُضعف تلك القصة، ولكن الرأي الأقوى يرجعها عندما اقتربت الفتوحات الإسلامية من الحدود الصينية بعد انهيار الدولة الفارسية في مدة حكم سيدنا عثمان بن عفان والذي أرسل بعثة إلى الصين عام 651 ميلاديًّا لدعوة إمبراطور الصين إلى الإسلام وكانت الصين في ذلك الحين تحت سيطرة الإمبراطور تانغ قاو تسونغ Gaozong (628-683).
 وبالرغم من عدم قبول الإمبراطور الإسلام إلا أن الإمبراطور لم يبد عداوة للإسلام وسمح ببناء مساجد في الصين، وسجلت هذه المقابلة في السجلات التاريخية الصينية. 
بناء المسجد
يقع مسجد هوايشنغ في مقاطعة جوان دونج  Guangdongبمدينة قوانغتشو، ويُعَد المسجد واحدًا من أول أربع جوامع بُنيت في الصين وهي:
 1- مسجد هوايشنغ 2- تشينغ جينغ  Qingjing 3- فِن خوانFènghuáng  4- شيان خا Xiānhè.
 وعن تاريخ المسجد فقد ذكر الرحالة والتاجر المسلم سليمان السيرافي المسجد في كتابة "رحلات سليمان إلى الشرق" والكثير من أخبار الصين والهند في القرن الثالث الهجري (٢٣٧ﻫ/٨٥١م) الموافق للقرن التاسع الميلادي ومن بينها أحوال ومعيشة الزائرين للمسجد. 
وبالرغم من عدم وجود أدلة على وقت بناء "مسجد هوايشنغ "بالتحديد، إلا أن الكثير يرجعها إلى الفترات الأولى من التواصل مع العالم الإسلامي، سواء في إطار البعثة المرسلة من الخليفة الراشد عثمان بن عفان أو بعدها بقليل، حين بدأت الفتوحات الإسلامية تصل إلى الشرق، فتذكر بعض المصادر الصينية أن من ضمن البعثات الإسلامية بعثةَ الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، إلا أن المصادر العربية لم تؤكد ذلك ولم تذكر قدومه إلى الصين مع وفد سيدنا عثمان، لكن لا يزال كثير من الصينيين يفخرون بذلك، وذلك بسبب لوحة أثرية كتب عليها (ابن وقاص)، لكن المرجح أن هذه اللوحة تعود إلى أحد المسلمين الأوائل الذين قدموا إلى الصين لنشر الإسلام، أو أحد أفراد جيش قتيبة بن مسلم، وقد تم بناؤه بتبرعات المسلمين والعرب الذين كانوا يعيشون في "قوانغتشو" ذلك الوقت. 
وقد أطلق على المسجد العديد من الأسماء، فمن بينها "هوايشنغ" ويعني اسم المسجد بالعربية (الحنين إلى النبي ﷺ)، "لي تانغ" أي (قاعة الاجتماع - قاعة الصلاة) أو (هوايشنغ قوانغ تا 怀圣光塔寺) لأنه يقع على طريق "قوانغ تا" بمدينة قوانغتشو، و(مسجد قوانغ تا光塔寺)  وتعني المنارة؛ وذلك لوجوده بجوار نهر اللؤلؤ، وبسبب أن فناء مسجد هوايشنغ به مئذنة شامخة سُمي باسم مسجد المنارة، ويرى البعض أن المئذنة سميت بالمنارة لأن نطق كلمة (光) و(邦克) متشابهتين في لهجة قوانغتشو.  
عمارة المسجد
تميزت العمارة الإسلامية بتنوعها وتعدد خصائصها، فمع وجود الإسلام في العديد من الدول تشبَّعت العمارة الإسلامية بخصائص العمارة لكل دولة وإقليم، وفي الصين تنوعت خصائص العمارة الإسلامية فمنها العمارة الإسلامية القريبة إلى العمارة العربية، وأخرى تمازجت فيها الطابع الإسلامي بالطابع الصيني التقليدي، والمعروف أن العمارة الصينية التقليدية لها خصائص منفردة حيثُ استخدمت أدوات اعتمدت على البيئة المحيطة، فاعتمد البناء على الأخشاب والطوب، كما حافظت على الخصائص التقليدية الصينية في الزخارف وجمع الأسلوب المعماري لبناء مسجد هوايشنغ بين خصائص العمارة الإسلامية، وطريقة المعمار الصيني.
تبلغ مساحة مسجد هوايشنغ (1553) مترًا مربعًا، بالرغم من تهدم المسجد وإعادة البناء عدة مرات، لكن لم يتغير تصميمه عن بنائه الأصلي، وكما معظم المباني الصينية التقليدية يوجد داخل المسجد حديقة مخصصة للصلاة وغرفة مخصصة للكتب وثلاثة أبواب متتابعة. 
 لكن تظل منارة المسجد هي إحدى أكبر رموزه، فتبلغ ارتفاع مئذنته ما يقارب (36) مترًا، وهي أسطوانية الشكل متدرجة على طبقتين وبداخلها سلمان حجريان لا يتشابكان، ومداخل للإضاءة وقد كتب عن المسجد -لأول مرة- في كتاب (تاريخ تانغ) الذي تم تأليفه في عهد أسرة سونغ الجنوبية.
وبخلاف المئذنة، تظهر العمارة التقليدية الصينية داخل عمارة الصحن في مسجد هوايشنغ حيث يُذكر في كتاب (تاريخ تانغ): "أنه تحت المنارة يوجد نُصُب داخل المسجد، عليه نقوش لكتب مختلفة تشبه أختام تشوون (نوع من الخطوط الصينية القديمة)، هذا النصب مشيد للرب (المقصود محراب المسجد). وقد تهدم هذا المحراب جراء حريق كبير وقع في مدة حكم الإمبراطور "يوان تشي تشينغ" yuanzhizheng (1341-1370)، ثم أعيد تشييده صورةً طبق الأصل من المحراب القديم على يد رجلين مسلمين، يسميان محمود ومسعود في السنة العاشرة من حكم الإمبراطور "يوان تشي تشينغ" (عام 1350 ميلادية).
وقد شهد المحراب أعمال ترميم وتوسعة خلال عصور مختلفة مع احتفاظه بتصميمه الأصلي الذي بني عليه، من عوارض، ومزاريب، وغرف للصلاة، وأبواب، وجدران، والتي تشكل هيكل الإيوان، إضافة إلى مئذنته التاريخية. وفي عام ١٩٣٥م تم إعادة ترميمه وتحولت أرضية المصلَّى من ترابية إلى خرسانية.  
أهمية المسجد
لمسجد هوايشنغ أهمية كبيرة ليس فقط تاريخيًّا أو مزارًا أثريًّا، لكن تبرز أهميته بوصفه مثالًا واضحًا على دراسة تاريخ العلاقات الصينية العربية، والتاريخ المعماري والفني للمساجد، وأثر التبادلات الاقتصادية والثقافية بين الصين وشعوب الدول الإسلامية، والمسجد حاليًا جزء لا يَنفصل عن التراث الوطني الصيني.

وحدة الرصد باللغة الصينية 
 

طباعة