Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - هل الإرهاب نتاجٌ حصريٌّ لما يسمى الأصولية الإسلامية؟
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

هل الإرهاب نتاجٌ حصريٌّ لما يسمى الأصولية الإسلامية؟

  • | الأربعاء, 3 يناير, 2024
هل الإرهاب نتاجٌ حصريٌّ لما يسمى الأصولية الإسلامية؟

بالبحث في دوافع الإرهاب نجد أن تلك الظاهرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحوال السياسية والاقتصادية والأوضاع الاجتماعية والأمنية قبل أن ترتبط بالمعتقدات الدينية. وعلى هذا الأساس، نجد أن الإرهاب بمعناه التقليدي (قتل المدنيين بدوافع أيديولوجية أو سياسية) ليس نتاجًا حصريًّا لما يسمى "الأصولية الإسلامية" ولا أي اتجاه ديني آخر.

بل إن الإرهاب يتعدد بتعدد ممارسيه؛ إذ يعبرون عن أنفسهم بأشكال وسياقات مختلفة. فنذكر -مثلًا- الحركة السريلانكية الانفصالية "نمور التاميل" التي يلجأ أفرادها بصورة ممنهجة إلى الإرهاب من أجل تحرير التاميل - إيلام، وهؤلاء لا علاقة لهم بالدين الإسلامي: بل هم أقلية هندوسية تعارض الأغلبية السنهالية والبوذية.

وإذا كانت المجازر التي شهدت أكبر عدد من الضحايا في المدة من ١٩٧٠ إلى ٢٠١٨ تُنسب إلى الجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة (هجمات ١١ من سبتمبر ٢٠٠١) وداعش (مذبحة معسكر سبايكر، حيث قُتل آلاف الجنود العراقيين)، فعلى مدى ما يقرب من ٥٠ عامًا حدثت مجازر نفذتها أنواع مختلفة من المنظمات القومية أو الاستقلالية، أو العصابات، أو الجماعات الطائفية أو الرجعية، التي استخدمت خيار الإرهاب لتحقيق أهدافها.

Image

يوضح هذا الرسم البياني عدد ضحايا الأعمال الإرهابية في كل دولة، وبملاحظة البيانات المطروحة حتى الآن فإن ما يقرب من ٧٠٪ من جميع ضحايا الإرهاب العالمي يقعون في ١٥ دولة فقط، ليس من بينها أية دولة أوروبية، في حين أن الدول الأكثر تضررًا من الأعمال الإرهابية هي العراق وأفغانستان، بمجموع ضحايا فاق مائة ألف ضحية.

وسيصبح الأمر أكثر وضوحًا وصدمةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلا البلدين كانتا عرضة لتدخلات عسكرية من تحالفات دولية بقيادة الولايات المتحدة ثبت على مر السنين أنها كارثية على أمن هذين البلدين واستقرارها، ما أدى إلى تصعيد إرهابي غير مسبوق.

من هنا نرصد علاقة قوية بين الصراعات العسكرية المستمرة والهجمات الإرهابية، كما يمكن قراءة ذلك في الصفحة ٤٢ من تقرير مؤشر الإرهاب العالمي ٢٠١٨:

"هناك علاقة قوية بين شدة الصراع والإرهاب. في الواقع، في البلدان التي تشتد فيها الصراعات، هناك أيضًا عدد أكبر من الوفيات الناجمة عن الإرهاب؛ وتحدث معظم هذه الحالات في البلدان التي مزقتها الحروب."

وما يؤكد هذه الحقيقة أيضًا أن الولايات المتحدة، التي تصر على إدراج الحرب على الإرهاب ضمن أولوياتها السياسية، هي من بين دول العالم الأقل تأثرًا بهذه الظاهرة من الناحية العددية: ففي المدة من ١٩٧٠ إلى ٢٠١٦ فقدت ٦١٢٤ مواطنًا أمريكيًّا، أي ما يعادل ١.٦٪ من إجمالي وفيات الإرهاب خلال السبعة والأربعين عامًا الماضية، ذلك أن جميع الصراعات في العقود السابقة كانت خارج الأراضي الأمريكية.

وبمطالعة البيانات، يتضح أن الإرهاب يضرب دائمًا الدول التي تعاني من أوضاع مضطربة ومن عدم الاستقرار، وهذه الأوضاع غالبًا ما تسهم فيها الخيارات السياسية التي اتخذتها الدول الأخرى لحماية مصالحها الخاصة، ولكن هذه السياسات أثبتت على المدى الطويل أنها كارثية على أمن واستقرار الدول المتضررة، إذ أدت إلى تصعيد الإرهاب في أراضيها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه باستخدام المناطق الجغرافية/الجيوسياسية الكلية التي حددها الباحثون في جامعة ميريلاند، لوحظ أنه في خلال العقد الممتد بين عامي ١٩٧٠ و١٩٧٩، تكبدت أوروبا ما يقرب من نصف الهجمات الإرهابية العالمية؛ ذلك أن تلك السنوات شهدت نشاط إرهابيًّا في أوروبا من "حركات اليسار"، وكذلك الإرهاب من "جماعات اليمين"، فضلًا عن حركات قومية استخدمت الإرهاب لنيل الاستقلال الوطني.

Image

وبدأت ظاهرة الإرهاب في أوروبا في الانخفاض بشدة في مرحلة الثمانينيات (١٩٨٠-١٩٨٩)، إذ انخفضت من ٤٨٪ إلى ١٥٪ باعتبارها "محل تمركز" جميع الهجمات الإرهابية العالمية، وأصبح المركز العالمي للإرهاب حينها هو القارة الأمريكية، إذ نجد أن أكثر من نصف الهجمات الإرهابية في العالم تحدث في أمريكا الوسطى والجنوبية بسبب الوجود المتزامن بين حروب العصابات المستوحاة من الشيوعية، والقوات شبه العسكرية، وعصابات تهريب المخدرات المنظمة مع الجيوش الحقيقية، أو الديكتاتوريات العسكرية.

وقد ارتفع معدل الإرهاب في تلك المنطقة في المدة بين ١٩٧٩ و١٩٩٨ من ٢٩٪ إلى ٥٥٪ من إجمالي الإرهاب العالمي. وكانت الحركات الأكثر نشاطًا هي حركات حرب العصابات (Sendero Luminoso) في البيرو، حيث نفذت ٣١٣٢ هجومًا، وجبهة تحرير مارتي الوطنية في السلفادور التي شنت ٢٥٤٣ هجومًا في عشر سنوات فقط؛ فيما كانت حصة الهجمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضئيلة نسبيًّا بنحو ٩٪ تقريبًا من جميع الهجمات الإرهابية في تلك الفترة.

وبتغير الأوضاع السياسية والحربية، تغيرت أوضاع الإرهاب في نهاية الثمانينيات إثر الإعلان عن سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي نهاية الحرب الباردة، فكان له تأثير حاسم في تطور الإرهاب في العالم: إذ فقدت بعض المناطق الجيوسياسية أهميتها إلى جانب عدد من العصابات التاريخية. وانخفضت الحركات الإرهابية في أمريكا الجنوبية، لدرجة أنه في المدة من ١٩٩٩ إلى ٢٠٠٩ انخفض وزن الإرهاب العالمي في هذه المنطقة من القارة الأمريكية من ٢٠٪ إلى ٥٪ فقط.

ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خرجت أوروبا من تصنيف المناطق الجغرافية الأكثر تضررًا في العالم، وأدى ظهور اضطرابات جديدة في التوازن الجيوسياسي في العالم إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية غير المسبوقة، فعلى سبيل المثال، أدى سقوط صدام حسين وغزو الولايات المتحدة لأفغانستان والتوترات الطائفية في باكستان إلى ٥١٩٠ هجومًا إرهابيًّا في العراق و١٩٤٨ حادثًا إرهابيًّا في أفغانستان و١٩٧٨ حادثًا إرهابيًّا في باكستان، كما ظهرت منطقة "جنوب آسيا" على خريطة الإرهاب العالمية، مع وقوع ثلث إجمالي الهجمات بها في العقد ذاته.

وبدءًا من عام ٢٠١٠، وبفضل سلسلة من العوامل المتزامنة مثل التدخل الدولي في ليبيا والسقوط النسبي لبعض الأنظمة، وبداية ما سُمي "الربيع العربي"، والحرب شبه الدائمة في سوريا، نجد أن ما يقرب من ٤٠٪ من جميع الهجمات الإرهابية في العالم تحدث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط فقط. ذلك بأن الدور المهم للسياسة واضح: إذ تعمل السياسة، بكل قيودها وسلطتها ووظائفها وقدراتها على تعقيد أسباب الصراعات أو حلها، وتظهر نتائج هذا الدور على المدى الطويل.

جدير بالذكر أنه عندما تصبح المصالح الجيوسياسية من الأولويات، مع اقترانها بالقعود عن مكافحة الإرهاب إلا على المستوى العسكري والأمني، دون إزالة الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى نشأة الحركات الإرهابية ونموها، تشتد مخاطر تفاقم الأوضاع. فإذا كان من الطبيعي أن يكون من حق كل دولة -وواجبها- أن تتصدى للإرهاب على المستوى العسكري في إطار القانون الدولي، فمن المهم أيضًا العمل على إزالة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت في ظهور الحركات الإرهابية.

المصادر:

طباعة