Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - مفهوم الإرهاب في المجتمع الدولي ومحاولات تعريفه
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

مفهوم الإرهاب في المجتمع الدولي ومحاولات تعريفه

  • | الخميس, 4 يناير, 2024
مفهوم الإرهاب في المجتمع الدولي ومحاولات تعريفه

     نوقشت مسألة "الإرهاب الدولي" لأول مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر عام ١٩٧٢. واختلفت الدول الأعضاء حينها على تحديد الطريقة الصحيحة لفهم هذا المفهوم وتعريفه، وانسحب هذا الاختلاف على ماهية التنظيمات أو الجماعات التي تستحق -أو لا تستحق- التصنيف "الإرهابي" والإدانة بالإرهاب من جانب المجتمع الدولي. وجادلت حينها بعض الدول بأن الممارسات الأميركية في فيتنام تشكّل "إرهاب دولة"، وأصرت على أن أي تعريف لـ "الإرهاب" (وأية إدانة له بالتبعية في قرارات الجمعية العامة) يركز على عنف الجماعات الصغيرة أو الأفراد فحسب ويتجاهل العنف الواسع النطاق من الدول سيكون مرفوضًا. كانت الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي تدعم عددًا من الأطراف غير الحكومية بأنحاء العالم لإسقاط الحكومات الموالية للسوفييت، ولهذا السبب اتهم عدد كبير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الولايات المتحدة بارتكاب "إرهاب الدولة" بسبب أفعالها في نيكاراغوا (دعم عصابات الكونترا، أو بث الألغام في موانئ البلاد بتدبير من وكالة الاستخبارات المركزية)، وفي أفغانستان (دعم "المجاهدين" هناك)، وفي كوبا (العمليات التي نفذها المناهضون لكاسترو من المقيمين في ولاية فلوريدا بناء على علاقات مزعومة مع وكالة الاستخبارات المركزية).

وعلى الرغم من وجود ما لا يقل عن اثنتي عشرة اتفاقية دولية حاولت تحديد معايير لتعريف الإرهاب من حيث فلسفة القانون الدولي ومن منظور القوانين الوضعية، ظل مَطلب الاتفاق على تعريف دقيق شامل للإرهاب صعب المنال. وليس من قبيل المصادفة أنه في مشروع الإصلاح الأحدث للأمم المتحدة -من خلال "الفريق الرفيع المستوى" الذي اقترحه الأمين العام الأسبق كوفي عنان دون جدوى- كانت الحاجة إلى تعريف صارم ودقيق للإرهاب الدولي إحدى نقاطه المركزية.

وفي ظل عدم وجود تعريف موحّد مقنع للإرهاب، يعتقد المجتمع الدولي الآن أن العمل الإرهابي –أو التنظيم الإرهابي- هو ما يتحقق فيه الاستخدام العشوائي للعنف ضد السكان المدنيين بقصد نشر الذعر وإكراه الحكومة أو السلطة السياسية في الدولة. ويضاف إلى ذلك أن الحركات الإرهابية لها دائمًا دوافع أيديولوجية أو سياسية (فهذا ما يميزها غالبًا عن الحركات الإجرامية ذات الدوافع الخاصة، مثل السرقة أو الانتقام الشخصي، وما إلى ذلك). ولكن هذا التعريف ليس جامعًا مانعًا، فنحن نعلم أن قتل المدنيين بقصد أيديولوجي أو سياسي يمكن أن يحدث أيضًا من جيوش وطنية. لذلك، يجب أن نؤكد أن الإرهابيين هم -على سبيل التحديد والدوام والحصر- أعضاء في المنظمات التي تعمل وفق نظام خاص سري، وليسوا العسكريين في الجيوش الوطنية. فلا يمكن بأية حال مساواة الدول وأجهزتها العسكرية بالمنظمات الإرهابية الإجرامية، فإن أي عمل تباشره الجيوش الوطنية -حتى وإن كان أعنف وأشد تدميرًا وإضرارًا بأرواح المدنيين وممتلكاتهم- لن يعتبر إرهابًا في عين المجتمع الدولي، بل يسمى جريمة حرب. فعلى سبيل المثال: شنت الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حربًا ضد العراق التي أسفرت عن آلاف الضحايا من السكان المدنيين، ومع ذلك فلا علاقة لها بالإرهاب؛ لأن المجتمع الدولي يصنفها على أنها سلوك عسكري مشروع بحكم الأمر الواقع، فقتل الأرواح البشرية في هذه الحالة ليس سوى "أثر جانبي" للحرب التي تضفي الشرعية على نفسها بفضل القوة السياسية والعسكرية الساحقة لمن يشنها. وكما نعلم، فإن المؤسسات الدولية العالمية التي نشأت في النصف الأول من القرن الماضي -وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن– كانت (وما زالت) عاجزة ومجردة من أدنى سلطة تنفيذية لنزع الشرعية عن الحروب العدوانية إذا شنتها الدول الكبرى بنجاح. فماذا فعلت تلك المؤسسات الدولية تجاه التفجيرات الإرهابية -بحسب مايكل والزر أستاذ علم الاجتماع- على المدن الألمانية؟ وتجاه القنبلتين الذريتين اللتين أُسقِطتا على هيروشيما وناغازاكي؟ وتجاه حرب الخليج عام ١٩٩١؟ وتجاه حروب كوسوفو وأفغانستان والعراق؟

إضافة إلى ذلك، تصنف قاعدة بيانات الإرهاب العالمي جميع الأعمال الإرهابية منذ عام ١٩٧٠ حتى الوقت الحاضر وفقًا للمعيار التالي: "التهديد أو الاستخدام الفعلي للقوة والعنف غير القانوني من فاعل غير حكومي لتحقيق هدف سياسي أو اقتصادي أو ديني أو اجتماعي من خلال الخوف أو الإكراه أو التخويف". ووفقًا لهذا المعيار، قُتل في المدة من ١٩٧٠ إلى ٢٠١٨ نحو ٤١٦ ألف شخص في هجمات إرهابية وجرح ٥٣٧ ألفًا، نصفهم تقريبًا في العقد الماضي وحده. وإذا حكمنا على الحركة الشعبية الفلسطينية بأنها إرهابية في كفاحها ضد المحتل الصهيوني دونما اعتبار للاضطهاد الواقع على الشعب الرازح تحت الاحتلال، فبتطبيق المعايير نفسها على نشأة الكيان الصهيوني يتجلى أنه كيان إرهابي وإِنْ اكتسب صفة الدولة عالميًّا، ذلك أنه نشأ على يد عصابات الميليشيات الصهيونية التي كانت مجموعات مسلحة غير نظامية تشن هجمات على الفلسطينيين، ثم تشكل الجيش الصهيوني من اتحاد عدد كبير منها بعد ١٢ يومًا من إعلان قيام دولته. وهكذا نجد أن تصنيف الحركات أو الجماعات أو الجيوش على أنها إرهابية إنما يخضع لمعايير وضوابط سياسية قبل أن تكون قانونية. فوزارة الخارجية الأمريكية -على سبيل المثال- تراجع قائمة تصنيف الإرهابيين كل خمس سنوات لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سببًا في تصنيف جماعة ما قد تغيرت تغيرًا يستدعي الاستبعاد من التصنيف. وبحسب موقع يورو نيوز المقروء بالعربية، فإن مسألة رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب قضية سياسية، وليست جوهرية معيارية لأمريكا وإيران.

وهكذا، وبالنظر إلى الواقع الفعلي نجد أن تهمة الإرهاب الآن تستخدم سلاحًا في بعض الأحيان من دول عظمى، ولا يحكم استخدام هذا السلاح الحوادث التي تأتيها جماعات وأفراد فحسب، بل يحكمه التوجه السياسي الدولي والمصالح المشتركة.

‌المصادر:

· Il terrorismo nel mondo attraverso i dati

 Le ragioni del «terrorismo globale»

· رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب قضية سياسية وليست جوهرية لأمريكا وإيران

· أمريكا تشطب الجماعة الإسلامية و4 منظمات من قائمة الإرهاب.. وتوضح السبب

مفهوم "الإرهاب".. كيف تلاعبت به أميركا تاريخيا ليوائم مصالحها؟

 

 
 
 
طباعة