Al-Azhar Portal - بوابة الأزهر - رغم التراجع النسبي... مخاوف من انتعاش الإرهاب في إفريقيا
الجديد على بوابة الأزهر الإلكترونية
بوابة الأزهر الإلكترونية
AZHAR.EG

رغم التراجع النسبي... مخاوف من انتعاش الإرهاب في إفريقيا

  • | الثلاثاء, 23 يناير, 2024
رغم التراجع النسبي... مخاوف من انتعاش الإرهاب في إفريقيا

     حفل العام ٢٠٢٣ بكثير من الأزمات البشرية، لعل أحدثها وأخطرها على الاطلاق الإبادة الجماعية التي يقترفها الاحتلال الصهيوني ضد المدنيين والأبرياء في فلسطين وقطاع غزة بالأخص، وهي جرائم يتوقع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف استمرار رحاها في خلال العام ٢٠٢٤.

وقد كشف مؤشر الإرهاب في إفريقيا للعام ٢٠٢٣ تراجعًا ملحوظًا في العمليات الإرهابية بعدد من الدول الإفريقية، لكن سرعان ما انتعش الإرهاب -للأسف- في بعض الدول الأخرى التي تشهد صراعات داخلية وأزمات اقتصادية خانقة؛ إذ تبنت التنظيمات الإرهابية في إفريقيا ما مجموعه ٣٦١ عملية إرهابية، تسببت في سقوط ٣٣٦٠ ضحية، وإصابة ٩١٣ بجراح، واختطاف ٣٨٢ آخرين، فضلًا عن تشريد ونزوح آلاف الأشخاص من مناطق سكنهم.

وقد حلت منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي في المرتبة الأولى بإحصائية المرصد للعمليات الإرهابية في العام ٢٠٢٣ من حيث عدد العمليات الإرهابية، بواقع ١٤٠ عملية إرهابية، يليهما منطقة الساحل والصحراء بواقع ١٢١ هجومًا إرهابيًّا، ثم منطقة غرب إفريقيا في المركز الثالث بواقع ٦٠ عملية إرهابية، فيما حلّت منطقة وسط إفريقيا في المركز الرابع بواقع ٤٠ عملية إرهابية.
أما من حيث عدد الضحايا فجاءت منطقة الساحل في المرتبة الأولى بعدد ١٣٩٣ قتيلًا، تليها منطقة شرق إفريقيا بـعدد ١٠٣٨ قتيلًا، ثم منطقة وسط إفريقيا في المرتبة الثالثة بـعدد ٤٧١ حالة قتل، فيما احتلت منطقة غرب إفريقيا المرتبة الرابعة بمقتل ٤٥٨ شخصًا.

ومن حيث التوزيع العددي لضحايا الإرهاب حسب الدول، جاءت بوركينا فاسو في مقدمة الدول الأكثر تضررًا من نشاط العمليات الإرهابية؛ إذ تعرضت الدولة الواقعة في إقليم الساحل الإفريقي إلى ٦٧ هجومًا إرهابيًّا، ما أسفر عن سقوط ٩٥٥ قتيلًا بمعدل (٢٨.٤٪ من إجمالي عدد الضحايا)، الأمر الذي يكشف مدى دموية الهجمات رغم قلتها إذا ما قورنت بالصومال؛ إذ انخفضت الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو من ٧٠ هجومًا في ٢٠٢٢ إلى ٦٧ هجومًا في ٢٠٢٣، لكن معدلات الوفيات ارتفعت من ٥٩٤ وفاة في ٢٠٢٢ إلى ٩٥٥ وفاة في ٢٠٢٣. وثمة مفارقة عجيبة في الصومال، فرغم تصدرها المشهد العملياتي بواقع ١٠٩ عملية إرهابية تنوعت بين اغتيالات وتفجيرات وعمليات انتحارية، فقد حلت بالمركز الثاني من حيث عدد ضحايا الهجمات بواقع ٩٢٩ ضحية، بنسبة (٢٧.٦٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب).

وانخفض عدد الهجمات الإرهابية في الصومال إلى ١٠٩ هجمات في ٢٠٢٣ مقارنة بعدد ٢٠٤ هجمات في ٢٠٢٢، فيما ارتفعت معدلات الوفاة قليلًا من ٩١٦ وفاة في ٢٠٢٢ إلى ٩٢٩ وفاة في ٢٠٢٣. ومما لا شك أن الجيش الصومالي نجح في طرد حركة الشباب الصومالية من مناطق كانت محورية لنشاط الحركة، ويُعد استعداد بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس" لاستكمال انسحابها في عام ٢٠٢٤ شهادةً على التقدم الذي أحرزته الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب، إلا إن ذلك لم يحل دون أن يكون الصومال الجريح ضمن الدول الأولى في مؤشر العمليات الإرهابية في القارة الإفريقية، نتيجة لتكثيف حركة "الشباب" عملياتها الإرهابية؛ مستغلةً عملية تسليم وتسلم المهام العسكرية بين بعثة "أتميس" وقوات التحالف الوطني.

تكابد نيجيريا وطأة إرهاب «بوكو حرام» وتنظيم «داعش» غرب إفريقيا، فجاءت في المرتبة الثالثة بعدد ٥٨ عملية إرهابية متضمنة عملية اغتيال واحدة، وأسفرت العمليات في مجموعها عن ٤٤٧ قتيلًا، بمعدل (١٣.٣٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب).

وقد لوحظ التراجع الواضح في نشاط تنظيمي "بوكو حرام" و"إيسواب" بدولة نيجيريا مقارنة بعام ٢٠٢٢، إذ انخفضت الهجمات الإرهابية من ٧٦ هجومًا في ٢٠٢٢ إلى ٥٨ هجومًا في ٢٠٢٣، كما انخفض عدد الضحايا من ١٠٤٣ قتيلاً إلى ٤٤٧ قتيلاً. وقد أدى التراجع الملحوظ إلى تحسن الأوضاع نسبيًّا وانحسار أنشطة التنظيمين الإرهابيين في البلاد.

وجاءت الكونغو الديمقراطية في المرتبة الرابعة بواقع ٢٨ عملية إرهابية شملت عملية اغتيال، وبلغ عدد القتلى ٤٠٣ شخصًا، بنسبة (١١.٩٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب). وانخفضت الهجمات الإرهابية في ٢٠٢٣ بنسبة ٥٣٪، فيما انخفضت معدلات الوفاة بنسبة ٣٩٪. وحلت مالي في المرتبة الخامسة بتعرضها لأربعين عملية إرهابية بينها عمليتين انتحاريتين، فأدت إلى ما مجموعه ٢٨٢ ضحية (بنسبة ٨.٤٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب)؛ فيما جاءت النيجر في المرتبة السادسة بواقع ١٤ عملية، أسفرت عن ١٥٦ قتيلاً (بنسبة ٤.٦٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب).

وجاءت أوغندا في المركز السابع بتعرضها لأربع هجمات شنها "تحالف القوى الديمقراطية" وأفضت إلى سقوط ٥٧ شخصًا (بنسبة ١.٧٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب). لكن سرعان ما تصاعدت وتيرة العلميات الإرهابية في أوغندا في عام ٢٠٢٣ مقارنة بعام ٢٠٢٢ الذي تعرضت الدولة فيه لهجوم وحيد أدى إلى مقتل شخص واحد. وهذا يعني أن حرمان حركة الشباب الإرهابية من الأراضي التي كانت تسيطر عليها في الصومال دفعها إلى شن هجمات جديدة في دول الجوار، ومن بينها أوغندا.

أما كينيا فقد حلت في المركز الثامن؛ إذ شنّت عليها حركة الشباب الصومالية ٢٣ عملية أسفرت عن سقوط ٤٠ ضحية (بنسبة ١.١٪ من إجمالي عدد ضحايا الإرهاب في القارة). وجاءت كل من الكاميرون وتشاد في المركز التاسع بنسبة متساوية؛ إذ أدت العمليات الإرهابية إلى سقوط ٣٤ ضحية في كل من الدولتين. أما موزمبيق فقد جاءت في المركز العاشر بثلاث عمليات إرهابية أدت إلى سقوط ١٢ ضحية.

جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا

أما من حيث جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا في عام ٢٠٢٣ فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية ٦٦٢٨ قتيلًا و٢٥٧٦ معتقلًا، فضلًا عن استسلام ٢٣٨١ عنصرًا. ووفق مؤشر الإرهاب في إفريقيا، فقد نفذت التنظيمات الإرهابية في ٢٠٢٢ نحو ٥٥٠ عملية في ١٦ دولة إفريقية، هي: نيجيريا، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، وكينيا، وموزمبيق، وإفريقيا الوسطى، والسنغال، وأوغندا، وساحل العاج، وبنين، وتوجو؛ وأسفرت تلك العمليات في مجملها عن سقوط ٤١٨٩ ضحية، من بينهم ١١٧ حالة إعدام، فضلًا عن إصابة ٢٠٢٩ شخصًا بجراح، واختطاف ٧٠٤ آخرين. وبلغ عدد القتلى من التنظيمات المتطرفة ٥٤٠٧ قتيلًا و٦٤٤ معتقلًا، فضلًا عن استسلام ٦٣٤ عنصرًا.

بينما بلغ مجموع العمليات الإرهابية في ٢٠٢١ نحو ٧٣٥ عملية استهدفت ١٤ دولة، هي: نيجيريا، والصومال، والكونغو الديمقراطية، وبوركينافاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، والكاميرون، وكينيا، وموزمبيق، وأوغندا، وساحل العاج، وبنين، وتوجو: فقد خلفت تلك العمليات ٤٣١٨ قتيلاً، و١٩٦٨ مصابًا، و١٢١٠ رهائن. وبلغ عدد القتلى من التنظيمات المتطرفة ٤٧٥٧ عنصرًا إلى جانب ٨٢٠ معتقلًا، فضلًا عن استسلام ٨٣٣ عنصرًا.

ووفقًا لهذا المؤشر الذي يقيس تأثير الإرهاب حسب عدد الهجمات والضحايا، يمكن القول إن الوفيات الناجمة عن الإرهاب في السنوات الثلاث ٢٠٢١ و٢٠٢٢ و٢٠٢٣ قد انخفضت انخفاضًا ملحوظًا؛ إذ كشف هذا المؤشر انخفاض العدد الإجمالي لقتلى الإرهاب في إفريقيا إلى ٣٣٦٠ قتيلًا في ٢٠٢٣، بنسبة تراجع قدرها ١٩.٩٪ عن العام السابق ٢٠٢٢ الذي قتل فيه ٤١٨٩ شخصًا، وبنسبة ٢٢.١٪ عن عام ٢٠٢١ الذي قُتل فيه ٤٣١٨ شخصًا.

التحولات العالمية والتأثير في جهود مكافحة الإرهاب

تواجه القارة الإفريقية أخطارًا كبرى تهددها على مختلف الأصعدة، وربما تدفع بعض المؤشرات إلى توقع مزيد من العنف، وتغلغل الكيانات الإرهابية في ظل الاهتزازات السريعة والمتلاحقة التي تموج بها القارة. وهذا يرجع إلى بعض التحولات المفاجئة التي كانت لها تأثيرات مباشرة في نشاط مكافحة الإرهاب، أبرزها ما يلي:
•عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في كثير من دول القارة، الأمر الذي أثّر تأثيرًا سلبيًا في الحياة الاجتماعية والمعيشية.
•استمرار عدد من الأزمات المسلحة والحروب، كالحرب الروسية–الأوكرانية، والصراع الداخلي في السودان، والصراع المسلح في شمال مالي، والحرب الصهيونية على قطاع غزة، وتداعياتها جميعًا على الاقتصاد العالمي.
•التغيرات المناخية ووقوع عدد من الكوارث الطبيعية التي قيدت التحركات العسكرية في بعض الدول، فمثلاً: أدت الفيضانات في الصومال إلى تباطؤ العمليات العسكرية الحكومية ضد معاقل حركة الشباب، فيما عملت الحركة على استغلال الفيضانات لتعزيز حاضنتها الشعبية من خلال القيام بعمليات الإنقاذ وتقديم المساعدات إلى المناطق المتضررة.
•تسارع وتيرة خروج مهمات وبعثات حفظ السلام الأممية والإقليمية من مناطق مكافحة الإرهاب، وتصدع بعض التحالفات الأمنية في خلال هذا العام.
•تبني التنظيمات المتطرفة أنماطًا مختلفة للهجمات الإرهابية تماشيًا مع الحملات الأمنية الموسعة ضد معاقلها، ما ساعدها على البقاء والانتشار.

إستراتيجيات مواجهة الإرهاب

إن الواقع على الأرض يحتم على الدول المتأثرة بالإرهاب (والدول التي قد تتأثر به) أن تتبنى إستراتيجيات مغايرة تقودها إلى مواجهة صحيحة لهذه الكيانات الإرهابية على جميع المستويات، وذلك من خلال الآتي:
•معالجة أوجه القصور في النواحي الاقتصادية الاجتماعية للشعوب، بتوفير الاحتياجات المعيشية، ومواجهة الفقر والبطالة، حتى لا يقع الشباب فريسة سهلة للاستقطاب والتجنيد تحت سيف الحاجة؛ لأنه لا يمكن بحال الفصل بين الأوضاع الاقتصادية المتردية من جهة، وانتشار التنظيمات الإرهابية وتغلغلها من جهة أخرى.
•تقوية أواصر التعاون العسكري والتنسيق الفعال بين الدول المتضررة ذات الحدود المشتركة، وعقد تحالفات دولية لمواجهة التنظيمات الإرهابية.
•تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية ومصادرها بشتى السبل الممكنة لمنع شراء السلاح واستقطاب المقاتلين.
•توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأنشطة الإرهابية؛ بهدف الحفاظ على العنصر البشري.
وحدة الرصد باللغات الإفريقية

طباعة