الإمام الأكبر في كلمته في احتفالية ليلة القدر: القرآن بدأ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة في آذانهم وعقولهم

  • | الأربعاء, 21 يونيو, 2017
الإمام الأكبر في كلمته في احتفالية ليلة القدر: القرآن بدأ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة في آذانهم وعقولهم

-       لا مفرَّ من الاتِّحاد والوحدة والالتفاف حول قضايانا المصيرية وكل ما هو متعلِّق بمصرنا ومستقبلنا
-       ليس أمامنا إلا تفويت الفُرص على المُــتربِّصين بالعرب والعروبة
-       على العابثين بمصائر الأُمَّة أن يقدروا حجم الخطَر الذي يؤدي إليه هذا العبث وسوء التقدير في وزن مصائر الأمور
-       خالص الاعتزاز والتقدير للسيد الرئيس لدعمه المتواصل للأزهرِ وحِرصه على تمكِينه من تحقيق رسالَته المحليَّة والعالَميَّة


قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: إنَّ الاحتفالَ بليلةِ القَدْرِ هو احتفالٌ بنزولِ القُرآن الكَريم على رسولِ الإنسانيَّةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو في الوقت نفسه احتفال بقدرِ العِلم وقيمته الذي احتفى به الكتاب الكريم في أولِ ما نزل منه، في قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وفي هذا الاستهلال ما فيه من احتفاء الإسلام بقيمة العلم، والتنويه بمنزلته، والتذكير بخطرِه الشديد في التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ.
وأضاف فضيلته في كلمته بمناسبة الاحتفال بليلة القدر: ومِمَّا يَعْجَبُ له المُتفطِّنُ لأمرِ العِلم في القُرآنِ، أن يُبعث نبيٌّ أُميٌّ لا يَقرأ ولا يكتب، ولم يُمسك بالقلمِ طَوال حياته لا تعلُّمًا ولا تعليمًا، وفي مجتمعٍ جاهليٍّ لا عهدَ له بالقراءةِ ولا الكتابة، ولا بالعلمِ ولا التعلُّم لا من قريبٍ أو بعيد، وتكون كلمة «اقرأ» هي الكلمةَ الإلهيَّة الأولى التي تطرُق سمعَه الشَّريف، وتغمر أقطار عقله وقلبه، ثُمَّ يكون حديث العِلْم والتعلُّم هو الرسالةَ الأولى التي يقرعُ بها آذانًا صُمًّا وقلوبًا عُميًا لا تدري ما العلم ولا التعليم.. وإن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ أمرُ هذا الأُميِّ الذي يُؤمر بالقراءة وما هو منها بسبيل، فقد كان لا يقرأ خطًّا ولا يكتبه بيده، كما يُقرِّر القُرآن الكريم في قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ووَجهُ الإعجاز في هذه الآية هو إثبات عِلْمِه -ﷺ- مع ثبوتِ أُميَّته، لأن العلمَ والأمية أشبه بنقيضين لا يجتمعان في الواقع، إذ أحدهما ينفي الآخرَ لا محالة، بحكمِ الضَّرورة ومنطق العادة والمألوفِ المُشاهَدِ.
وأكد فضيلة الإمام الأكبر، أن القرآن بدأ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة في آذانهم وعقولهم أوَّلًا، ليتنبَّهوا –بعد ذلك-إلى أنَّ أمرَ العقيدة في الإسلام إنَّما يتأسَّس في المقام الأوَّل على «العِلْمِ» والنظر العقلي، وليس على «التسليم القلبي» الخالي من حُجَجِ العقل واستدلالاته، وهذا هو سر تكرار كلمتي «العقل، والعلم» لفظًا، ومعنًى، واشتقاقًا نحو 865 مرة، وهو ما لا نجده لأية مفردة أخرى من مفردات القرآن سوى «العلم، والعقل، والمعرفة»، على أن تنويه القرآن بطريق العقل في تحصيل الإيمان بالله تعالى، لا يعني أنه أهمل طريق الفطرة، بل  هي  الشعور الذي يُمثِّل قدرًا مشتركًا بين الناس جميعًا لا يخلو منه أحدٌ من الناس منذ بدء الخليقة وإلى أنْ يَرِثَ الله الأرض ومن عليها، غير أنَّ الفطرةَ وإنْ كانت الطريق الأقرب لمعرفة الإنسان بربه، إلَّا أنَّها كثيرًا ما تعرض لها علل وأمراض معنوية، وصوارفُ اجتماعيَّة وبيئيَّة تفسدها وتقعد بها عن دورها الخطير في حياةِ الإنسان.. ولذلك كان خطاب العقل في القُرآنِ هو الخطاب المُعَوَّل عليه تكليفًا وثوابًا وعقابًا.
وأوضح فضيلته، أنَّ العلم والعقل اللذين بنى عليهما الإسلام أمره منذ أول كلمة فيه، وجعلهما مناط تكاليفه كلها كبيرة كانت أو صغيرة أوشك أن يُخليا مكانهما في حياتنا المُعاصرة إلى أخلاط من ظنون وأوهام وتخيلات، استبدت -أو كادت- تستبد بالعقول، وتؤثِّر على مجتمعاتنا سلبًا وارتيابًا وشكوكًا، بل تُؤثِّر على استقرار الشعوب وتماسكها الذي هو الشرط الأساس في نهضة الدول ونمائها وتقدمها.. ومِمَّا يُتألَّمُ له أشد الألم أن صارت الظنون والأهواء هي فيصل التفرقة في التعرُّف على الحقِّ والباطل، والخطأ والصواب، وأصبح اللَّبس الذي تثمره هذه الظنون هو الحق الذي لا حقَّ سواه، حتى صار المتمسك بمعيار العقل والمستضيء بمنطقه وعلومه يشعُر بغربةٍ مُوحِشَةٍ من شدَّةِ ما يتناثر على طريقِ الحقِّ من أغاليطَ ملتويةٍ وشبهات مظلمة وتعميمات كاسحة لو خُلِّي بينها وبين نور الدَّليل وسطوع البُرهان لانمحق زيفها وبهرجها وانقطع ضجيج حناجر الصارخين بها، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حين يأمر بسؤال أهل الذكر في الأمور التي تخفى على الناس ولا يعلم حقيقتها إلا العارفون بها، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وفي موطنٍ آخَرَ يَنهى عن تحكيمِ الظَّنِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وقد حذَّر النبي ﷺ أمته من الركون  إلى الظن واتخاذه سبيلًا إلى العلم.
ولفت فضيلته، إلى أنه لا مفر من ضرورة الاتِّحاد والوَحدة والالتفاف حول قضايانا الوطنيَّة، وكل ما هو متعلِّق بمصرنا ومستقبلنا، وليس أمامنا إلا تفويت الفُرص، وبشتَّى الطُّرق على المُــتربِّصين بالعرب والعروبة من أعدائهم في الخارج وأعوانهم في الداخل، ولم يكن العرب والمسلمون بحاجةٍ إلى الوقفة الجادَّة والكلمة المسئولة بمثل ما هم عليه اليوم، فقد بدأت الغيوم السوداء تلوح في الأفق، وإن هبَّت العواصف –لا قدَّر الله- فإنها لا تُبقي ولا تَذر، فعلى العابثين بمصائر الأُمَّة أن يُقدّروا حجم الخطَر الذي يؤدي إليه هذا العبث وسوء التقدير في وزن مصائر الأمور.
وعبّر فضيلة الإمام الأكبر عن شكره للسيد رئيس الجمهورية؛ لدعمه المتواصل للأزهرِ وحِرصه على تمكينه من تحقيق رسالَته المحليَّة والعالَميَّة في تبيين حقائق الإسلام وإنسانية شريعته، ونَشْر ثقافَة السَّلام في الشَّرقِ والغربِ، ودعمه في رسالته العالَميَّة التي حافظَ فيها على هُوِيَّة الأُمَّة وتُراثها ومنهجها العلميِّ المستقيم، حتى أصبح مثابةً تَهوى إليه أفئدةُ المسلمين من شتَّى بِقاع العالَم، سائلًا الله أنْ يُغدقَ سحائب رَحْمَتِه ورضوانه على شُهدائنا الأبرار من أبطالِ القُوَّاتِ المُسَلَّحة والشُّرطة المصريَّة والآمنين من المواطنين، وأنْ ينتقم مِمَّن غدروا بهم في الدنيا قبل الآخرة، وأن يديم على أهْليهِم وذَويهِم الصَّبر الجميل وأن يُعوِّضهم خيرًا في دنياهم وآخرتهم، وأن يُعيننا على الوفاء لهم والقيام بحقوقهم.
 

طباعة