رئيس جامعة الأزهر يدعو إلى التذكير بالتاريخ والمجد والبطولة ونحن في نشوة انتصار أكتوبر المجيد
الدكتور سلامة داود:
الشِّعْر في جامعة الأزهر ومعاهده لا يخبو ضوءه ولا ينطفئ سراجه
الأزهر جعل للشعر مئذنة تؤذن كل عام فيهوي إليها قلب كل ذي موهبة صادقة
الشعر يوقظ الأمة من غفلتها ويقوي العزائم ويشحذ الهمم ويصقل اللسان العربي
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر: إن مسابقة «مئذنة الأزهر» للشعر، جعلت للشعر مئذنة في الأزهر الشريف تؤذن كل عام؛ فيهوي إليها قلب كل ذي موهبة صادقة على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وأنه وإذا كانت مئذنة الشعر هذه تؤذن كل عام، فإن معاهد الأزهر الشريف وكلياته يتردد فيها صوت الشعر ليلًا ونهارًا، ولا تفتر عن ترداده وحفظه وإنشاده والتمثل به في المحاضرة والمذاكرة، في قاعات الدرس والتحصيل، وفي المحافل والمناسبات الدينية والوطنية، وفي الحكمة حين تخرج من قلب الحكيم، والفرحة حين تشع نورها في القلوب، وعند الألم والأمل، والنصر والظفر؛ وذلك كله انطلاقًا من تعاليم دِيننا وسُنَّة نبينا محمد ﷺ، الذي رفع للبيان لواءه؛ فكان أفصح العرب، وشَبَّه البيان في قوة تأثيره بالسحر؛ فقال: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرًا».
وخلال كلمته اليوم في حفل تكريم أوائل الفائزين في مسابقة «مئذنة الأزهر» للشعر، التي نَظَّمها مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، أكَّد رئيس جامعة الأزهر أن الشعر في الأزهر الشريف جامعًا وجامعة لا يخبو ضوءه، ولا ينطفئ سراجه؛ فهو الكلمة العذبة التي تُسكِّن القلوب، وتضمد الجراح، وتقوي العزائم، وتعين على المروءة ومكارم الأخلاق. وفي هذه الظروف الحالكة والمِحَن المتتابعة. ما أحوجَ الأمة إلى مواهب صادقة تُعيد لها حماستها، وتستثير كوامن القوة والمروءة المغروسة في جبلتها؛ لتبعث في شباب أُمتنا روح البطولة والرجولة والفداء، وهذا مَأَمٌّ نبيل من مقاصد الشعر في تاريخه الطويل.
وتابع فضيلته، أنه من أجل هذا الغرض النبيل ألَّف العلماء دواوين الحماسة، وكتبوا أسفارًا نفيسة في شعر الحماسة؛ لأنه يوقظ الأمة من غفلتها، ويقوي العزائم، ويشحذ الهمم، ويصقل اللسان، ويشجع قلب الجبان؛ ودونَك ديوان الحماسة لأبي تمام الذي جمعه واختاره واصطفاه من شعر العرب في كل غرض من أغراض الشعر كالفخر والغزل والمدح والرثاء، ولكنه سماه ديوان الحماسة باسم باب من أهم أبوابه، وهو باب الشِّعر الذي يتغنى بالبطولة في الحروب وحلاوة الانتصار، ويشجع على حماية الأرض والعِرْض، ويصون كرامة الأمة، ويحمي أرضها وسماءها ورجالها وأطفالها ونساءها وشبابها وشيبها، ثم تتابع تأليف العلماء تحت اسم الحماسة، وكثر وطاب، مثل: الحماسة البصرية وغيرها. وظلت هذه الروح سارية في أوصال الشعر؛ حتى قال أحد شعرائنا المحدثين: غيري يقول الشعر فضل بلاغة*** وأنا أريق على جوانبه الدما.
وأشار فضيلته، إلى حاجة الأمة إلى الشِّعْر الذي يبعث العزائم من رقدتها، وإلى شعر يبعث في النفوس أنوار الحرية وأشواق الحرية، وأنوار العدل والسلام، وكراهية الظلم والذل والهزيمة. وما أحوجنا إلى كل كلمة جميلة وقلم صادق يدعو الأمة إلى أن تمتلك أسباب القوة بالتفوق العلمي والتفوق العسكري وهما قرينان، حتى تبقى هذه الأمة مرفوعةً هاماتُها، لها درعٌ وسيف كما قال الراحل البطل الشهيد الرئيس محمد أنور السادات يوم نصر أكتوبر المجيد عام 1973م، في دنيا لا تكون إلا للغالب، ولا تعرف إلا قوة المنتصر، ولا تعطي السلام إلا لمَنْ مَلَكَ القوة، وقديمًا قال المتنبي:
أَذاقَني زَمَني بَلوى شَرِقتُ بِها * لَو ذاقَها لَبَكى ما عاشَ وَانتَحَبا
وَإِن عَمَرْتُ جَعَلتُ الحَربَ والِدَةً * وَالسَّمهَرِيَّ أَخًا وَالمَشرَفِيَّ أَبا
بِكُلِّ أَشعَثَ يَلقى المَوتَ مُبتَسِمًا * حَتّى كَأَنَّ لَهُ في قَتلِهِ أَرَبا
فَالمَوتُ أَعذَرُ لي وَالصَبرُ أَجمَلُ بي * وَالبَرُّ أَوسَعُ وَالدُّنيا لِمَن غَلَبا
وأضاف رئيس جامعة الأزهر: ما أحوجنا أن نذكر التاريخ والمجد والبطولة ونحن في نشوة انتصار أكتوبر المجيد، وفي زمن تكالبت علينا الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، وأن نذكرهم بسيدنا رسول الله ﷺ الذي قال عنه صحابتُه الكرام رضي الله عنهم: «كنا إذا حمي الوطيس احتمينا برسول الله ﷺ»، وقد مر صلى الله عليه وسلم على قوم يترامون بالنبال -أي: يتدربون على مهارة الرمي- فقال: «ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا». مضيفًا فضيلته: إن العرب أمة الشجاعة والمروءة، وقد قال أبو تمام: «ومن شَكَّ أن الجود والبأس فيهم * كمن شك في أن الفصاحة في نجد»، وما أحوجنا إلى الشِّعر الذي يجمع الأُمَّة، ويُوحِّد صفها، ويرفع رايتها.
وفي ختام كلمته، أكَّد رئيس جامعة الأزهر أن الشعب المصري متذوق للشعر والأدب الرفيع، يهش للكلمة ويتأثر بها، وتروقه وتعجبه، وينقاد لها ويذعن، حتى قال صلاح الدين الأيوبي: «لم أفتح مصر بالسلاح، وإنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل». ودور الأزهر الشريف في تحبيب الشِّعر والأدب إلى الأُمَّة لا يخفى، حتى كان من علمائه مَنْ يجلس إلى عمود من أعمدة الأزهر؛ فيشرح «ديوان الحماسة»، ويشرح كتاب «الكامل»، ويقرأ دواوين الشِّعر على طلابه ومحبيه من مختلف البلاد، وكذا درس الفقه على المذاهب الأربعة؛ لتأليف المسلمين وجمع كلمتهم، ونبذ التعصب لمذهب بعينه، قال الأستاذ/ أحمد حسن الزيات عن الأزهر:
«رأى صلاحُ الدين أن يؤلف قلوب المسلمين كافة؛ فأجاز تدريس المذاهب الأربعة في الأزهر.. وحفظ الأزهر اللغة من الزوال، وعلومها من الاضمحلال، وظل وحده يرسل أشعة العلم والدِّين إلى أنحاء العالم الإسلامي، لا يخرج عالِم إلا منه، ولا ينبغ كاتب ولا شاعر إلا فيه».