يطلق اسم "جامو وكشمير" على الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، إذ يطالب سكان الإقليم بالاستقلال عن الهند والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام ١٩٤٧، وتقسيم البلاد إلى دولتي الهند وباكستان. نشبت ثلاثة حروب بين البلدين منذ الاستقلال، وتحديدًا في أعوام ١٩٤٨ و١٩٦٥ و١٩٧١، أسفرت عن مقتل قرابة ٧٠ ألف شخصٍ من الطرفين. وفي عام ١٩٨٩ تشكلت في الإقليم جماعات تكافح من أجل الاستقلال عما تعتبره احتلالًا ضد إرادتها.
ومنذ ذلك الحين يواجه المسلمون في الإقليم انتهاكات شملت التمييز العنصري على أساس الدين، والقتل المستهدف والاختفاء القسري. يخضع الإقليم منذ التقسيم إلى بنود المادة ٣٧٠ من الدستور، التي تمنح الإقليم وضعًا خاصًّا وتمنح الحكم الذاتي لمنطقة "جامو وكشمير"، كما تمنح المادة الكشميريين وحدهم حق الإقامة الدائمة، فضلاً عن حق التوظيف في الدوائر الحكومية، والتملك، والحصول على منح تعليمية.
إلا أنه في ٥ من أغسطس ٢٠١٩، قررت الحكومة الهندية إلغاء الوضع الخاص في "جامو وكشمير"، إلى جانب تقسيم المنطقة إلى إقليمين، وأعلنتهما تحت السيطرة الفيدرالية المباشرة للعاصمة نيودلهي، وفرضت فيهما قيودًا على التجوال والاتصالات، وفصلت خدمة الإنترنت. جاء التعديل بقرار رئاسي، بمعنى أن تفعيله لا يحتاج إلى التصديق عليه من قبل البرلمان، ونتيجة لذلك سادت احتجاجات عارمة في أنحاء البلاد، وحينها أعلن تقرير لائتلاف المجتمع المدني في جامو وكشمير مقتل ٨٠ مدنيًّا، بينهم ١٢ امرأة وثمانية أطفال -على الأقل- في خلال خمسة أشهر، ولا يزال الإقليم يشهد تصاعدًا لأعمال العنف.
صرحت الحكومة الهندية أن عام ٢٠٢٤ يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث العنف بجامو وكشمير، ما جعل حكومة "ناريندرا مودي" في نيودلهي تعرب عن قلقها العميق من حوادث العنف التي ارتكبها -وفق تعبيرها- مسلحون في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير. فعلى سبيل المثال لا الحصر، استمرت الاشتباكات يوم ٦ من يوليو ٢٠٢٤ بين مسلحين شباب ينتمون إلى حزب المجاهدين وجنود من الجيش الهندي لمدة يومين في قريتي "مدهر جام وفرسل" بمدينة "كلجام"، وقتل فيها ستة من حزب المجاهدين واثنان من أفراد الجيش الهندي. ووفقًا للشرطة الهندية فإن الشباب انضموا إلى الجماعة بين مارس ٢٠٢١ ومايو ٢٠٢٤.
يلزم في هذا المقام التعريف بحزب المجاهدين، فهو منظمة مسلحة مؤيدة لباكستان، ترى أن من حق الشعب الكشميري تقرير مصيره، وأن الإقليم من حق باكستان على اعتبار أن غالبيته من المسلمين. أُسِست المنظمة عام ١٩٨٩، وتعتبر الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في كشمير، ويقع مقرها الرئيس في مظفر آباد بكشمير باكستان، إضافة إلى مقر آخر في العاصمة الباكستانية إسلام آباد حيث تزاول أعمالها بشكل قانوني على الرغم من تصنيفها منظمةً إرهابية في الهند والاتحاد الأوروبي.
وبالحديث عن العنف في جامو، فقد شهد يونيو الماضي تنفيذ الكشميريين أربع هجمات متتالية على الجيش الهندي في جامو قُتل فيها أكثر من ١٠ أشخاص بينهم تسعة مدنيين، وجُرح فيها ٢٠ آخرون، في دلالة واضحة على الوضع المقلق في المنطقة. وجاءت معظم أحداث العنف بعد التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية الهندي بوجود انخفاض كبير في حوادث العنف والإرهاب في جامو وكشمير منذ ٥ من أغسطس ٢٠١٩، وهو تاريخ محفور في ذكراة الكشميريين - وكيف لا وهو التاريخ الذي ألغت فيه الحكومة الهندية الحكم شبه الذاتي الدستوري لجامو وكشمير؟!
وعلى الرغم من تصريحات وزير الداخلية الهندي بانخفاض الإرهاب؛ فإنه وفقًا للرصد والمتابعة، وبحسب البيانات الصادرة عن شرطة جامو وكشمير، قُتل أكثر من ٤٥ جنديًّا وعدد من المواطنين الأبرياء في مناطق مختلفة بجامو بسبب اشتباكات مسلحة منذ ٥ من أغسطس ٢٠١٩ حتى عام ٢٠٢١.
وتسويغًا لمشاهد العنف واستهداف الجيش الهندي للشباب الكشميري، ادعت السلطات أن الحملات المناهضة للتشدد والمبادرات الحكومية في أغسطس ٢٠١٩ وما بعده قد أسفرت عن نتائج إيجابية؛ إلا أنه عقب الاشتباكات في مدينة كولجام انضم عدد من الشباب الكشميري إلى الجماعات المتشددة في وادي كشمير، وهو ما أثار قلق كبار المسذولين في وزارة الداخلية الهندية، وترتب على ذلك إرسال توجيهات أمنية لاتخاذ خطوات لإبعاد الشباب الكشميري عن الأسلحة وعدم إظهار أي نوع من التساهل تجاه الإرهابيين الأجانب.
تشكل الأنشطة المناهضة في جامو مصدر قلق للعاصمة نيودلهي، وبعد أن كانت الدولة تعتبر جامو منطقة مسالمة خالية من العنف الانفصالي مقارنة بوادي كشمير، بدأت ترتفع فيها الاضطرابات وحوادث استهداف الجنود الهنود، ففي ٨ من يوليو لقي خمسة جنود هنود مصرعهم وأصيب عدد مماثل من رفاقهم في هجوم شنه مسلحون بالقنابل اليدوية في منطقة جامو الحدودية على قافلة من مركبات الجيش الهندي، أعقبه استهداف بالأسلحة الأوتوماتيكية، إلا أن القوات الأمنية لم تتمكن حتى الآن من القبض على أي عنصر.
ومن الملفت للنظر التطور الملحوظ في الأسلحة المستخدمة في العمليات في كشمير، وهو ما أثار قلق الحكومة الهندية، وتسبب في رفع حالة الاستعداد الأمني من جانب القوات الهندية، فأنزل الجيش الهندي قوات الكوماندوز، وكتائب المظلات التابعة للقوات الخاصة المعروفة باسم "قوات بيرا"، وطائرات الهليكوبتر الحربية، والمُسيّرات الجوية، والكلاب المدربة.
وأعرب وزير الدفاع الهندي عن قلقه العميق إزاء الهجمات، وأكد دور وسائل التواصل الاجتماعي، فالجيش الهندي لا يحارب الإرهابيين المسلحين فحسب، بل يحارب انتشار الأخبار التي وصفها بالكاذبة من خلال ما يقرب من ثمانية آلاف حساب مزيف نشط على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك و"إكس" وإنستجرام بهدف زيادة العنف والإرهاب في جامو وكشمير.
والآن يرتسم مشهد سياسي جديد في جامو يختلف عما كان في كشمير، بل يعتبر أكثر قوة من حيث الأسلحة والعناصر البشرية، الأمر الذي أكده تحليل الصحفي الخبير ظفر شودري من أن الهجوم الأحدث في جامو أوصل تصاعد الإرهاب والعنف إلى مستويات جديدة، وقد حان الوقت للاعتراف بأنه يجري تنفيذ نموذج مدروس ومختلف تمامًا عن الإرهاب الذي كان قائمًا قبل ثلاثة عقود؛ لذا يجب ألا نقع في فخ البيانات المغلوطة حتى لا نخدع أنفسنا، فالبعض يرى أن الخسائر الناجمة عن أحداث العنف الأحدث في منطقة جامو لا تقارن بإراقة الدماء التي حدثت من قبل، لكن يجب على هؤلاء أن يتذكروا أن جامو ليست مثل وادي كشمير، والإستراتيجية التي نجحت في وادي كشمير ليست ناجحة بالضرورة في جامو.
لقد حذر العالم مرارًا وتكرارًا من أن العنف يمثل مشكلة كبيرة في جامو وكشمير، إلا أنه يبدو أن الحكومة لديها انطباع بأن ما فعلته في ٥ من أغسطس ٢٠١٩ هو الحل لكل المشكلات، بما في ذلك العنف والإرهاب. لكن الواضح أن الواقع يخالف ذلك، فالعنف لا يولد إلا عنفًا.
وحدة الرصد باللغة الأردية