30 يوليه, 2024

هل يتجه مسلمو ألمانيا إلى مزيد من العزلة؟

هل يتجه مسلمو ألمانيا إلى مزيد من العزلة؟

لم تقتصر تداعيات الحرب الوحشية التي يشنها الكيان الصهيوني الغاشم الغاصب منذ أشهر على سكان قطاع غزة فقط، ولا على المحيط الجغرافي القريب الذي شهد توترات متعددة هددت -ولا تزال- باتساع دائرة الصراع لتشمل أطرافًا أخرى أبرزها في لبنان واليمن وإيران نفسها، بل تجاوزت تلك الحدود لتترك أثرها في المسلمين المقيمين بالدول الغربية؛ حتى بات يقال: ما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م ليس كما قبله!

فبعد المواقف التي اتخذتها الحكومات الغربية من مجريات الحرب البربرية غير المتكافئة، وتأييدها المطلق لحكومة الكيان الصهيوني رغم المجازر التي ارتكبها –ولا يزال-بحق المدنيين المستضعفين من سكان قطاع غزة وأسفرت عن مقتل عشرات آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، تلاشى انبهار كثير من المسلمين بالديمقراطيات الغربية وادعاءات احترام حقوق الإنسان، واتضح لهم جليًّا أن هذه الادعاءات ليست سوى شعارات ترتبط بمصالح تلك الدول؛ فإذا تعارضت مع مصالحها تغاضت عنها وأنكرتها. وليس بعيدًا عن المسامع ما تناولته وسائل الإعلام من منع كثير من تلك الدول التظاهر أو التعبير عن التعاطف مع القضية الفلسطينية، واتهام من يفعل ذلك بمعاداة السامية أو بغيرها من التهم، ومثال ذلك ما تواجهه رئيسة جامعة برلين التقنية من انتقادات حادة واحتمال عزلها من منصبها، لمجرد إعجابها بمنشورات تضمنت وصف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بأنها حرب إبادة وأن إسرائيل مجرم حرب. فهذه رئيسة إحدى أهم جامعات ألمانيا لم تكتب مقالًا تؤيد فيه الفلسطينيين ولم تعقد مؤتمرًا تعبر فيه عن رأيها ولم تشارك في مظاهرة مؤيدة للقضية الفلسطينية العادلة، ولم تطلق حملة للتبرعات وحشد الدعم؛ بل عبرت فقط عن إعجابها بمنشور مؤيد للقضية، ومع ذلك تواجه خطر العزل، وربما ما هو أبعد من ذلك.

إن هذه الحادثة لشخصية بمكانة رئيسة جامعة عالمية لهي مؤشر على ما آلت إليه الأمور في ألمانيا وغيرها من الدول التي صدعت رؤوسنا منذ عقود بحرية التعبير والرأي والديمقراطية وقبول الآخر، وهنا لا بد أن نتساءل: إذا كانت هذه هي طريقة التعامل مع رئيسة جامعة ألمانية عريقة، فما بالنا بغيرها من الأجانب أو المسلمين المقيمين داخل البلاد؟

دفعت هذه الازدواجية الفجة في تعامل الحكومات الغربية مع القضايا الإنسانية حول العالم إلى تحول كثير من المسلمين القاطنين بتلك الدول إلى تغيير وجهات نظرهم، وأن الحديث عن اندماجهم في ظل تلك الظروف هو ضرب من الخيال، ففي حين تسمح السلطات بتظاهرات مؤيدة للشذوذ الجنسي، وتسن القوانين المؤيدة لزواج المثليين والمحافظة على حقوق الحيوان، إذا بها تعارض وتعاقب أي نوع من أنواع التضامن مع مظلومية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، يُضاف ذلك إلى المضايقات التي يتعرضون لها حتى من قبل اندلاع أزمة غزة من تقييدات على ممارسة شعائرهم الدينية - بدءًا من وقف منح تراخيص للجاليات المسلمة في كثير من المدن لإنشاء مساجد خاصة بهم، مرورًا بمنع مسلمات من ارتداء الحجاب، وصولًا إلى منع طلاب مسلمين من أداء الصلاة بإحدى المدارس بحجة أن المدرسة ليست مكانًا للعبادة، بل حدث أن أُجبرت بعض المدارس طالبات مسلمات على المشاركة في حصة السباحة بملابس معينة، فضلًا عن ممارسات المتطرفين اليمنيين الذين لا تنقطع أخبار تعرضهم لمسلمين أو مهاجرين، أو تعرضهم لبعض المساجد بالتشويه أو تلطيخ الجدران برسومات عنصرية أو وضع رؤوس خنازير مقطوعة أمامها. كل هذه الأمور وغيرها تدفع كثيرًا من المسلمين المقيمين في ألمانيا ودول غربية أخرى دفعًا إلى إعادة تقييم نظرتهم لهذه الدول ولمخططاتهم المستقبلية المرتبطة بوجودهم بها، وتوصل بعضهم إلى قناعة مفادها أن الاندماج في هذه المجتمعات ونيل الحقوق المنصوص عليها في دساتيرها ضرب من الخيال.

فأين الحل؟

الوضع الراهن وحالة الاحتقان المتزايدة بالمجتمعات الغربية بسبب مواقف حكوماتها المساندة للكيان الغاصب وازدواج معاييرها تجاه القضايا الداخلية والدولية يتطلب في المقام الأول التزام الموضوعية تجاه القضايا الشائكة، وعدم المساواة بين الضحية والجلاد، والاحترام الحقيقي -لا المزعوم- لحقوق الإنسان، واتخاذ موقف عادل من القضية الفلسطينية، وإدانة ما يتعرضون له من ظلم وقهر منذ عقود. لكن في ذات الوقت يجب علينا أن ندرك جيدًا أننا نعيش في عالم لا يحترم إلا الأقوياء المالكين عناصر القوة الذاتية، وأن الحقوق لا تعود بالمطالبات والمناشدات، بل بالعمل الجاد والمساعي القوية لنيل حقوق الاندماج وإحداث ما يلزم من تغييرات في السياسات على المديين المتوسط والبعيد بما يكفل إحقاق الحقوق وفق مفاهيم العدالة والسلم الدولي التي توافق عليها البشر.

وحدة الرصد باللغة الألمانية

 
 

قراءة (144)/تعليقات (0)

12345الأخير