13 أغسطس, 2024

الأطفال والتنشئة الصحيحة

الأطفال والتنشئة الصحيحة

 

الأطفال هم زينة الحياة وبهجتها، قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، وهم هبة من الله لعباده وسببٌ من أسباب الرزق لوالديهم: {وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}، وهم القوة الدافعة للوالدين لبذل ما فى وسعهما من أجل حياة سهلة ومستقبل مشرق لأطفالهما، وكلَّما أفلحنا فى تهيئة البيئة الصالحة، والتى تشمل التربية والتعليم والرعاية الصحيَّة والنفسيَّة لأطفالنا ضمنَّا مستقبلاً أفضل لحياتهم، وتحققت تطلعاتنا وأمنياتنا لهم، ولقد اهتمت شريعتنا بالأطفال ليس من لحظة ولادتهم ووصلوهم لدنيانا، بل من بداية تفكير الشاب والفتاة فى بناء الأسرة المنتجة لهم، فوجَّه شرعنا الشباب لإحسان اختيار شريكة الحياة والتحقّق من صفات معيَّنة فيها تجعلها أمّاً صالحة لأبنائها، وأهم الخصال التى وجَّه بها شرعنا أن تكون صاحبة دين، ففاقد الشىء لا يعطيه.

 وحيث إننا نرغب فى تنشئة أبنائنا على حبِّ دينهم والتمسُّك بتعاليمه؛ فإنَّ اختيار صاحبة الدِّين ضمانة لتنشئة الأطفال على الدِّين وقيمه الأخلاقيَّة والسلوكيَّة القويمة؛ ولذا قال ربُّ العزة – جل وعلا-:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، وعدَّد رسولنا- صلى الله عليه وسلم- الصفات التى يبحث عنها الشباب حين يريدون الزواج من الفتاة التى يرغبون فى الزواج منها، ثم بيَّن الدين أفضلها وأهمها من جهة الشَّرع فقال: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ"، ومع أنَّ التوجيه باختيار صاحبة الدِّين هو توجيه للفتاة فى نفس الوقت باختيار صاحب الدِّين، فليظفر الشاب بذات الدِّين ولتظفر الفتاة بذى الدِّين؛ إلَّا أنَّ أولياء المرأة وجَّهوا فى خطاب خاص لاختيار الشاب الصالح التقى لابنتهم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"، فإذا بنيت الأسرة فى لبنتها الأولى على سلامة الدِّين وتعاليمه فى طرفيها؛ أنتجت أطفالاً يملكون تنشئة صحيحة فى كنف الدِّين يعرفان واجباتهما تجاه أطفالهما.

 ثم نجد أنَّ شرعنا حمى الأجنّة فى بطون أمهاتهم، فمنع إجهاض الحمل دون ضرورة أو حاجة شديدة، فإذا ولد الطفل فقد تأكَّد حقُّه فى الحياة، وأصبحت نفسه مساوية لنفس البالغ والشيخ الكبير، يحرم الاعتداء عليها بأى وجه من وجوه الاعتداء، ويُعاقَب المعتدى على الطفل بذات العقوبة التى يُعاقَب بها المعتدى على الآدمى الكبير.

ثم ألزم شرعنا الأبوين باختيار الاسم الحسن الذى لا يُخزى منه الطفل عندما يكبر بين أقرانه، وأفضل الأسماء ما عُبِّدَ وحُمِّد، وألزمهما بحُسن رعايته والقيام على شأنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" قَالَ: - وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ - "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِى مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

 ومن هذه الرعاية بكلِّ تأكيد تربية الأولاد وتعليمهم أمور دينهم وأخلاقيَّاته وسلوكيَّاته وتعويدهم على أداء واجباتهم ثم إلزامهم بها بدايةً من سن العاشرة: "مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِى عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ"، ويلاحظ من هذا الجزء البسيط من توجيهات شرعنا فيما يتعلق بالطفولة بدايةً من التفكير فى الزواج من قِبل والديهما وحتى سن العاشرة الذى يبدأ فيه إلزام الأطفال بالصلاة التى هى أول الأركان العمليَّة فى ديننا وثانيها بعد الشهادتين مع أنَّ الأطفال لم يبلغوا عند هذه السن من باب التعويد عليها قبل وصول الأطفال مرحلة البلوغ، وما يترتب عليه من إلزام كامل بفرائض الإسلام كالكبار، وذلك حتى يكونوا قادرين على التعامل مع الفرائض بشكل صحيح وقبول نفسى دون عنت يذكر، بل مع استمتاع وإحساس بطعم العبادة التى عُوِّدُوا عليها قبل أن يبلغوا سنَّ التكليف الشرعى، وإنما وجَّه شرعنا بذلك حيث يصعب على شاب أَلِفَ اللعب والمرح فقط حتى بلغ أن يلتزم التزاماً كاملاً بالفرائض عند بلوغه.

 وليست الأخلاق والسلوكيَّات والعبادة فقط هى التى يُعلِّمها الآباء والأمهات لأطفالهم، بل عليهم أن يراعوا احتياجاتهم وميولهم كأطفالٍ فيسمحوا لهم باللعب والمرح المحبّب لنفوسهم؛ وبخاصة الإيجابى منه والذى يعود عليهم بالقوة البدنيَّة ويُنمّى قدراتهم فى التفكير العقلى والقدرة على التعامل مع المواقف التى تعرض لهم فى حياتهم؛ ولذا روى عن مكحول أنَّ عمر بن الخطاب كتب إلى أهل الشام: "أن علِّموا أولادكم السباحة والرمى والفروسيَّة".

وإذا كان هذا هو التوجيه الشرعىُّ لما ينبغى أن يُنشَّأ عليه الأطفال فى هذه المرحلة العمريَّة المبكرة، التى هى مرحلة التأسيس والتكوين البدنى والعقلى قبل تحمّل مسئوليَّة التكليف ومواجهة أعباء الحياة شيئاً فشيئاً؛ فإنَّ نظرة إلى واقع أطفالنا تُظهر خللاً كبيراً وتقصيراً من غالب الآباء والأمَّهات، فالقليل منهم هو من يتعهد أولاده فى ضوء التوجيه الشرعىّ، حيث يكتفون بالإنفاق المالىّ ويتركون الباقى للمؤسسات التى يدرسون فيها، والتى هى بدورها إن قامت بدورها فإنَّها تركِّز على الناحية التعليميَّة المتعلقة بالمقررات الدراسيَّة، وبذلك يفقد أطفالنا فى نعومة أظافرهم التربية الأخلاقيَّة والسلوكيَّة، حيث ينشغل الآباء والأمَّهات بتدبير النفقات الماليَّة والتغلّب على عقباتها الكثيرة، فلا حوار مع الأطفال ولا توجيه، والأدهى من ذلك ترك الأطفال يكوِّنون ثقافتهم وسلوكيَّاتهم من تلك الأجهزة التى حلَّت فى أيديهم محلَّ الكتب وحتى الألعاب التقليديَّة، فأصبحت الألعاب الإلكترونيَّة على ما فيها من مساوئ أخلاقيَّة وما تحمله من عنف وتدمير فكرى هى عشق الأطفال وحياتهم اليوميَّة، فيندر أن تجد طفلاً يمسك بقصة هادفة، أو كتاب مدرسى، أو حتى يميل للذهاب إلى الأندية الرياضيَّة، وإنما يُفضّل الانزواء مع معشوقه المحمول، وباقته المشحونة؛ ليمارس حياة الشباب والكبار، دون رقيب من والديه، بل ربما تجد بعض الآباء لا ينزعج إذا غاب طفله دون أن يسأل أين هو ولا مع مَنْ من أصدقائه وزملائه؛ ليكتشف بعد فوات الأوان أنَّ أبنه أصبح من المدخنين وهذا أدنى الأضرار، والأدهى إذا كانت طفلة تتعود على الذهاب لبيوت زميلاتها بحجة المذاكرة، فكثير من المصائب الأخلاقيَّة قد وقعت لكثير من الفتيات بل والأطفال، ومنها الاعتداء الجنسى، من قبل أحد أفراد زميلتها فى بيته أو غيرهم أثناء عودتها إلى بيتها فى ساعة متأخّرة من الليل، ويندر أن تجد والداً أو والدةً يسأل طفله كم صلاة صلى فى يومه، وكم آية قرأ أو حفظ، وكثير من الآباء لا يعلم شيئاً عن مستوى أطفاله الدراسى، بل ربما وصل الحال ببعضهم أنَّه لم يعلم أنَّ ولده راسب يُعيد دراسة العام السابق، وهو يُوهم والديه بأنَّه انتقل إلى السنة التالية.

إنَّ الحال الذى وصل إليه غالب أطفالنا يدل دلالةً واضحةً على عدم قيامنا بواجباتنا نحو أطفالنا، حيث حرمناهم من التمتع  بطفولتهم، وسمحنا لهم بأنَّ يعيشوا حياة الشباب والكبار وهم فى أعوامهم الأولى من عمرهم، حتى إنَّ المصطلحات التى يُرددونها والمهارات التى يعرفونها عن أجهزتهم الإلكترونيَّة نجهلها نحن الكبار، وليتها كانت فى الإطار الإيجابى النافع! كما تركناهم يضيعون سلوكياً وأخلاقياً، ويتخلّفون فكرياً حتى تحوّل بعضهم إلى إرهابى لا يحمل إلَّا العداء لمجتمعه، وليعلم الآباء والأمهات أنَّ مسئوليَّاتهم تجاه أطفالهم لا تنحصر فى الإنفاق المالى، وأنَّهم سيسألون عن تقصيرهم فى تربيتهم التربية الصحيحة، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته.

 

قراءة (167)/تعليقات (0)

كلمات دالة: