التعامل مع السُّنَّة النبوية يحتاج إلى منهج علمي متوازن يفهم النصوص في سياقها ومقاصدها
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة الأسبوعي، تحت عنوان: «السُّنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي»، بمشاركة أ.د/ محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر، و أ.د/ حسين مجاهد، أستاذ الفقه وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، وأدار الملتقى الدكتور/ عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، وبحضور عدد من الباحثين والطلاب وجمهور الملتقى من رواد الجامع الأزهر.
وخلال اللقاء، أكد الدكتور/ محمد عبد المالك، أن السُّنَّة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن الكريم؛ حيث توضح معانيه، وتُفصِّل مبانيه، وتشرح مراميه. وأكَّد أن السُّنَّة جاءت مكملة للقرآن الكريم، وإذا كان القرآن قد وضع القواعد والأصول للأحكام بالكلية أو بالإجمال، فإن السُّنَّة المطهرة جاءت لتُفصِّل هذه القواعد، وجاءت لتفرع جزئيات كثيرة على تلك الكليات التي جاء بها القرآن الكريم، وأن التشريع الإسلامي لا يكتمل إلا بوجود السُّنَّة جنبًا إلى جنب مع القرآن الكريم، مستشهدًا بعدد من الآيات القرآنية التي تدل على وجوب طاعة النبي ﷺ. وأبرز أهمية اتباع السُّنَّة كوسيلة لتحقيق محبة الله ونيل مغفرته، مؤكدًا أن الالتزام بالسُّنَّة يُمثل جزءًا أساسيًّا من حياة المسلم وتشريعه.
وأضاف نائب رئيس جامعة الأزهر، أنه من هنا لا يمكن أن يكمل الدين، ولا يصح ولا يُتصور أن يتم التشريع إلا إذا كانت السُّنَّة جنبًا إلى جنب مع القرآن الكريم، موضحًا أن الالتزام بالسُّنَّة يمثل جزءًا أساسيًّا من حياة المسلم وتشريعه، وأنه لا يمكن لأي مسلم أن يؤدي عباداته أو يتقيد بالشرع إلا من خلال معرفة السُّنَّة النبوية وتفاصيلها الدقيقة، التي توضح وتُفصِّل ما جاء في القرآن الكريم، مؤكدًا أن إنكار السُّنَّة إنكار للقرآن الكريم نفسه، بل هو هدم للإسلام تمامًا. وقد فشل أعداء الإسلام في تحريف القرآن، ولم يجدوا منفذًا ينفذون منه إلى كتاب الله؛ فاتجهوا ناحية السُّنَّة قديمًا وحديثًا، وفي كل عصر لهم منهجهم وأساليبهم من أجل صد الناس عن دين الله. وهنا يقف العلماء في وجه ضلالات هؤلاء، وتحصين الناس ضد أفكارهم.
من جانبه، أكد الدكتور/ عبد المنعم فؤاد، أن رسول الله ﷺ قد ترك لنا السُّنَّة المطهرة التي تشرح وتُفصِّل وتُبيِّن ما جاء في كتاب الله؛ لذلك جاء موضوع الملتقى اليوم عن السُّنَّة المطهرة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ودفع الشبهات التي تثار حولها، فقد أنبأنا رسول الله أن هذه الأمَّة ما دامت متمسكة بكتاب الله وسُنَّته، فهي محفوظة ولا يأتيها الباطل مهما اشتد، قال ﷺ: «تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسُنَّتي»، مبينًا فضيلته أن السُّنَّة لها مكانة عظيمة في التشريع الإسلامي؛ فهي المُفصِّلة والمُبيِّنة لما جاء في كتاب الله.
وقال المشرف العام على الأروقة: إن بعض المستشرقين والملحدين في الغرب قد حاولوا التشكيك في السُّنَّة، وادعوا أن من كتبها بَشَرٌ؛ وبالتالي لا بُدَّ أن يكون فيها أخطاء، وجاء الأعجب منهم، ووجدنا شرذمة من بني جلدتنا يتبنون هذه الآراء، ويخرجون في الإعلام، أو على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف ليقولوا: “نأخذ بالقرآن ولا نأخذ بالسُّنَّة”، وكلامهم هذا يعني: هجر مصدر أساسي من مصادر التشريع الإسلامي، ويعني: محاولة هدم الدين الذي يقوم على جناحين: الكتاب، والسُّنَّة. فإذا قُطع أحدهما، كيف يمكن للدين أن يستقيم؟ بل إن القرآن نفسه هو الذي أوصى باتباع السُّنَّة؛ حيث قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، ولم توجد أُمَّة من الأمم تعرف عن رسولها ﷺ كما تعرف الأمة الإسلامية عن رسول الله ﷺ، من أصغر الأمور إلى أعظمها، فنقلت لنا السُّنَّة هذه الصورة الكاملة والدقيقة؛ ليكون رسول الله ﷺ أسوة حسنة لنا في كل جانب من جوانب حياتنا.
وفي السياق ذاته، بيَّن الدكتور/ حسين مجاهد، أن السُّنَّة وحي من عند الله سبحانه وتعالى، ومن يطالب بتنحية السُّنَّة يطالب بتنحية الوحي؛ لأن الوحي نوعان: وحي متلوٌّ، وهو القرآن الكريم، ووحي غير متلوٍّ، وهو السُّنَّة النبوية المطهرة. وعلاقة السُّنَّة بالقرآن الكريم علاقة وثيقة مرتبطة بين الوحيين: الكتاب، والسُّنَّة، وقد يغفل من ينادي بتنحية السُّنَّة أن السُّنَّة النبوية المطهرة مستقلة بالأحكام الشرعية، وبعض أحكام الشريعة يأمر بها القرآن في عموم اللغة، فتأتي السُّنَّة بحكم يبين أن مراد الله في القرآن قد جاء النبي ﷺ وبيَّنَه بالإنشاء والاستقلال؛ لذا ينبغي على علماء الأمة حماية السُّنَّة من سوء الفهم أو التشويه، سواء من داخل الأمة أو من خارجها.
ونبَّه إلى مسألة خطيرة وهي كيفية التعامل مع السُّنَّة وفَهمها كما فهمها أئمتنا الكبار، موضحًا أن التعامل مع السُّنَّة النبوية تحتاج إلى منهج علمي متوازن، يقوم على الفهم الصحيح للنصوص في سياقها، وفهم مقاصدها الشرعية، والربط بينها وبين القرآن الكريم، بعيدًا عن الفهم السطحي أو الانتقائي، وقد كان أئمتنا الكبار على دراية تامة بعلوم الحديث ومقاصد الشريعة؛ فتعاملوا مع السُّنَّة بفهم عميق ودقيق يراعي النصوص ومقاصدها، وكذلك ظروف نزولها وما يترتب عليها من أحكام، فنَبِيُّنا ﷺ مارس أدوارًا متعددة؛ كان رسولًا يوحى إليه، وإمامًا للدولة، وقاضيًا يفصل بين الناس؛ وبالتالي ليس كل حديث من أحاديثه ﷺ يُفهم بمعزل عن سياقه أو وظيفته التي قاله فيها.