06 ديسمبر, 2024

مكافحة الإرهاب في "مثلث الموت".. الفرص والتحديات وآفاق المستقبل

مكافحة الإرهاب في "مثلث الموت".. الفرص والتحديات وآفاق المستقبل

 

رغم ما تتمتع به منطقة الساحل الإفريقي من موارد بشرية وثروات طبيعية؛ فإنها تشهد أوضاعًا معقدة ومشكلات متداخلة، مثل: الاضطراب السياسي، وانتشار الفقر والجهل، وشبكات الاتجار بالمخدرات وتهريبها، والهجرة غير الشرعية، والتهديد الإرهابي العابر للحدود، وكلها تحديات يغذي بعضها البعض الآخر، ويستمد منه قوة استمراره وبقائه؛ الأمر الذي يزيد من تفاقم الوضع القائم، ويُضاعف من حدته، ويعيق من جهود مكافحة الإرهاب.

وتوصف المنطقة الحدودية بين: دول النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، بأنها: "المثلث الأخطر في العالم"، وهي المنطقة التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية بشدة، وبخاصة التنظيمات الموالية لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وتنطلق منها لاستهداف مناطق أخرى، وزادت تلك التنظيمات من هجماتها ونشاطها العنيف في الآونة الأخيرة، سواء من حيث عدد العمليات والضحايا، أو من حيث اتساع المساحة الجغرافية.

وبحسب مؤشر أنشطة التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، أشارت تقارير مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى أن عدد العمليات الإرهابية في خلال شهر يوليو 2024م، قد تصاعد بشكل لافت للنظر، مقارنة بعددها خلال شهر يونيو من العام ذاته بمعدل (23.5 %)، وعلى مدار شهر مايو  بمعدل (48.8 %)، والذي أدى بدوره إلى ارتفاع عدد الضحايا والمصابين؛ حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية في شهر يوليو (17) عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل (275)، وإصابة (136)، فضلًا عن اختطاف (113) آخرين، في حين بلغ عدد العمليات الإرهابية في شهر يونيو (13) عملية إرهابية، خلَّفت (312) من الضحايا، و(90) من المصابين، و(266) من المختطفين. فيما بلغ عدد العمليات الإرهابية في شهر مايو (10) عمليات إرهابية؛ أدت إلى مقتل (155)، وإصابة (23) آخرين([1]).

وهذا المؤشر يؤكد المنحى التصاعدي في وتيرة المخاطر والتهديدات الإرهابية التي ضربت دول المنطقة خلال الآونة الأخيرة، بل طالت تلك المخاطر والتهديدات دولًا كانت -عما قريب- بمنأى عن الهجمات الإرهابية، مثل: "بنين" و"توجو" اللتين تطلان على المحيط الأطلسي؛ ما يشكل تهديدًا إضافيًّا للمنطقة، وعبئًا أمنيًّا وماليًّا كبيرًا على جهود مكافحة الإرهاب؛ الأمر الذي كثيرًا ما حذَّر منه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في أكثر من تقرير، مُوجِّهًا نداءه للجهات المعنية بضرورة توخي الحذر حيال تغلغل الإرهاب في الدول الواقعة على حدود دول خليج غينيا، مؤكدًا على أن الفترة القادمة قد تشهد تصاعدًا في وتيرة العمليات الإرهابية بسبب حالة عدم الاستقرار التي تعصف بدول المنطقة.

وعلى الرغم من تلك التهديدات القائمة ومحاولات الزحف الإرهابي، تأتي في المقابل جهود المكافحة التي تبذلها جيوش المنطقة -بالتعاون مع الشركاء الدوليين- لتطويق الظاهرة؛ فإنها لم تؤتِ ثمارها على الوجه المطلوب؛ نظرًا لما تواجهه من عوائق وتحديات تَحُول دون بلوغها الهدف المنشود.

وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على جهود مكافحة الإرهاب في منطقة المثلث الحدودي، والمعروفة عالميًّا بـ"مثلث الموت"، وما يدعمها من فرص، وما يواجهها من تحديات، فضلًا عن تكهنات المشهد الحالي.

أولًا- التحديات:

ثمة بعض التحديات التي قد تواجه جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، يمكن توضيحها على النحو التالي:

  • تراجع الدعم الدولي والمحلي:

انتهزت التنظيمات الإرهابية فرصة التحولات القائمة في دول المنطقة، والتي يأتي من بينها ما شهده النفوذ الغربي من تراجع لافت في المنطقة، كان آخر تجلياته سحب بعثة التدريب العسكري التابعة للاتحاد الأوروبي في "مالي" في 18 مايو 2024م([2]).

وسبق هذه الخطوة، إعلان واشنطن رسميًّا الانسحاب الكامل لجميع القوات الأمريكية المقاتلة في "النيجر"، والبالغ عددها (1000) جندي في 10 مايو 2024م، على خلفية إعلان المجلس العسكري في النيجر إلغاء اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة([3]).

كما واجهت القوات الأوروبية المساهمة في العمليات العسكرية مع دول الساحل الثلاث نفس المصير، وطالبتها بالانسحاب؛ وذلك لفشلهم في وضع حد لنشاط تنظيمي: "القاعدة" و"داعش"؛ إذ أعلن المجلس العسكري الحاكم في "مالي" في 3 مايو 2022م، إلغاء اتفاقيات التعاون الدفاعي المبرمة مع قوَّتي "برخان" الفرنسية و"تاكوبا" الأوروبية؛ نتيجة لتوتر العلاقات بين الحكومة الفرنسية ودولة "مالي"، وفي 15 أغسطس 2022م تم الانسحاب الكامل للقوات الفرنسية، وانتقالها لإحدى القواعد العسكرية في النيجر([4]). وفي 20 فبراير 2023م أعلنت "بوركينا فاسو" رسميًّا مغادرة جميع القوات الفرنسية من البلاد([5]). فيما أعلنت فرنسا في 5 أكتوبر 2023م، بدء سحب قواتها من "النيجر" على أن تستكمل انسحابها في 22 ديسمبر 2023م، وذلك على خلفية الخلاف الذي نشب بين البلدين في أعقاب رفض فرنسا إزاحة الرئيس النيجري "محمد بازوم"([6]).

وانطبق الأمر نفسه على بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في "مالي" (مينوسما MINUSMA)، التي انتهت مهامها رسميًّا في 11 ديسمبر 2023م بطلب من السلطات المالية التي عدَّتها فشلت في تحقيق أهدافها([7]). الأمر الذي أدى إلى تعطيل سنوات من جهود مكافحة الإرهاب، وتقويض الجهود الدولية والإقليمية والوطنية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة.

من جهة أخرى، استغلت التنظيمات الإرهابية الفوضى العارمة في سياسات دول المنطقة وانشغالها بالخلافات البينية، كإعلان النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الانسحاب الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، يوم الأحد 28 يناير 2024م([8])؛ على إثر الخلافات بين المجموعة والدول الثلاث.

وفي إجراء سابق، أعلنت كلٌّ من "بوركينا فاسو" و"النيجر" في 3 ديسمبر 2023م، ومن قبلهما "مالي" في 15 مايو 2022م، انسحابها من تجمع دول الساحل الخمس (G5 Sahel)، الذي كان يضم في عضويته كلًّا من: تشاد، وموريتانيا، بالإضافة للدول الثلاث المنسحبة([9]).

وقد حذَّر مرصد الأزهر من هذا القرار في أحد تقاريره، مؤكدًا آنذاك أن الانسحاب سيؤدي إلى فقدان دول المجموعة لميزة ضعف الترابط الجغرافي؛ ومن ثم ضعف التنسيق بين تلك الدول في مكافحة التنظيمات الإرهابية؛ ما قد يؤدي إلى تغلغل وتمدد التنظيمات والحركات المتطرفة في العمق من دول الساحل الإفريقي.

  • تصاعد حِدَّة ووتيرة الهجمات الإرهابية واتساع رقعتها:

لا شك أن تقهقر الدعم الدولي، وتفكك الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب- قد سنح الفرصة لتمدد نفوذ التنظيمات الإرهابية، في ظل حالة السيولة الأمنية في بؤر الإرهاب النشطة على حدود دول الساحل الثلاث: بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، ونطاق حوض بحيرة تشاد: النيجر، ونيجيريا، وتشاد، والكاميرون؛ حيث تُواصِل التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش في تعزيز قدراتها في غرب إفريقيا ومنطقة والساحل، وزادت بشكل كبير من فتك هجماتها؛ مما أدى إلى مقتل الآلاف، وزيادة تدفقات الهجرة والنزوح، وما صاحب ذلك من تمدد مخاطر الإرهاب لدول الجوار، وبخاصة الدول المطلة على خليج غينيا: توجو، وبنين، وغانا، وكوت ديفوار، تلك الدول التي كانت تُعدُّ في السابق مناطق مستقرة نسبيًّا؛ إذ تواجه الآن دول، مثل: غانا، وتوغو، وبنين، تهديدات متزايدة من التنظيمات المتطرفة التي تستغل التحديات القائمة لشن هجمات إرهابية، ومواصلة تنفيذ أجنداتها التوسعية.

  • الاقتصار على المكافحة العسكرية فقط:

لا أحد ينكر الدور العسكري الذي تقوم به الحكومات، وقوات الجيش والشرطة، وقوات إنفاذ القانون، وأجهزة الاستخبارات والاستطلاع؛ لمناهضة الإرهاب واقتلاعه من جذوره، لكن شمولية مكافحة الإرهاب واجتثاث جذوره تتطلب إستراتيجيات جديدة وشاملة لمعالجة أبعاد الظاهرة الإرهابية، تتجاوز إطار العمل العسكري، وصولًا لمجالات تعكس تعقيدات هذه الظاهرة، وتعدد أبعادها وتقاطعها مع مجالات الحياة كافة دينيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا وتربويًّا، وصدق من قال: "بالسلاح تستطيع قتل الإرهابيين، إنما بالعلم تقتل الإرهاب"، وشتان بين قتل الأفراد، وقتل الأفكار.

وتشمل الإستراتيجيات أيضًا منع جميع المحاولات لغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، والقرصنة، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، وتهريب المخدرات عبر الحدود التي تغذي الإرهاب بشكل أو بآخر، فضلًا عن تحويل المواجهة من إجراءات فردية تقوم بها كل دولة على حدة، إلى تخطيط إستراتيجي إقليمي ودولي شامل؛ حيث إن مكافحة الفكر المتطرف المُؤدي للعمليات الإرهابية يمثل مسئولية مجتمعية تضامنية، تقع على عاتق الحكومات، والمؤسسات، وجميع أفراد المجتمع، على المستويات الوطنية، والإقليمية، والدولية.

  • عدم وجود إستراتيجية واضحة لمحاربة الإرهاب:

 بالرغم من بعض النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية في مواجهة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا ومنطقة الساحل بشكل خاص- فإنها لا تزال محدودة. وبالنظر في منحى العمليات الإرهابية المفعلة؛ نجد أنها مرتفعة مقارنة بتلك العمليات التي يتم إبطالها قبل وقوعها من قبل قوات الأمن؛ وذلك بسبب عدم وجود إستراتيجيات واضحة لمكافحة الإرهاب، وغياب الأطر التي تمد القوات الأمنية بالمعلومات الاستخباراتية التي تحدد طبيعة التنظيمات الإرهابية ومصادر تمويلها، رغم أن تبني إستراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب يتطلب تمويلًا ضخمًا يصعب توفيره في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم التي تمر به الدول المناهضة للإرهاب.

  • توفر بيئة إقليمية حاضنة للإرهاب:

لعل من بين العقبات التي تقف حائلًا أمام عمليات مكافحة الإرهاب، وفي الوقت ذاته تُعدُّ من العوامل المحفزة لتصاعد العمليات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي، الطبيعة الجغرافية الوعرة التي تتسم بكثرة الغابات والأنهار، والمنحدرات والمرتفعات، وهو ما يجعلها بيئة مواتية، وملاذات آمنة، تتخذ منها التنظيمات الإرهابية قواعد تتمركز فيها لتدريب مقاتليها، والتخطيط لشن هجمات في دول المنطقة؛ الأمر الذي يُشكِّل صعوبة بالغة لقوات الأمن في التعامل معه باحترافية كاملة.

كما أن التوترات والصراعات العرقية الكامنة بين المجتمعات المحلية في المناطق الحدودية على الموارد الطبيعية، هذا إلى جانب انعدام الثقة من قبل المجتمعات المحلية تجاه السلطات الحكومية، والافتقار إلى التنسيق بين قوات الأمن، وسهولة اختراق الحدود في ظل السيولة الأمنية- تجعل من تحقيق نتائج إيجابية وفعالة في مجال مكافحة الإرهاب أمرًا صعبًا.

  • السخط الشعبي:

معروف أن ارتهان النتائج بما تحقق على أرض الواقع؛ إذ إن تفاقم عدم شعور المدنيين بتغير ملموس على مستوى مكافحة الإرهاب، وعدم تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في معظم دول القارة الإفريقية- قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار، بل قد يصل الأمر إلى إغراء التنظيمات المتطرفة للشباب بالمال لينضموا إليها، مستغلة حالة البطالة والعوز المتفشية بين الشباب في ظل تدهور تلك الأوضاع.

  • تنافس القوى العظمى في المنطقة:

منذ إعلان المكافحة الدولية للإرهاب في إفريقيا، دخلت قوى دولية مختلفة إلى منطقة الساحل، تحت مظلة التعاون الثنائي لتحقيق الأمن والاستقرار، لكن هذه النتيجة -مع الأسف- لم تتحقق بعد؛ بسبب سياسات القوى الدولية التي استهدفت مصالح شخصية أبعد من مجرد تحقيق الأمن في المنطقة؛ نظرًا للموقع الإستراتيجي التي تتمتع به، وكثرة مواردها الطبيعية والمعدنية؛ ما جعل المنطقة موضع اهتمام بالغ؛ ومن ثم تُشكِّل صراعًا مختلف المستويات بين هذه الدول، كل منها يسعى لفرض وجوده من أجل الحصول على حصة من حصص الموارد الطبيعية؛ لذلك فإن التنافس الجيوسياسي بين القوى الدولية الكبرى، مثل: الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وروسيا- قد أضفى بُعدًا آخر لتعقيدات المركب الأمني، وتداعياته في المنطقة.

ثانيًا- الفرص:

في المقابل، تواصل الجهات الأمنية في منطقة الغرب والساحل الإفريقي معركتها في مواجهة التحديات الأمنية، وعلى رأسها الإرهاب العابر للحدود؛ حفاظًا على كيانات دول المنطقة، وسعيًا إلى كسب رهانات التقدم والازدهار، في ظل سياقات أمنية، واقتصادية، واجتماعية، وبيئية غير مواتية؛ فهناك العديد من الإستراتيجيات المشتركة والمبادرات التي يمكن تفعيلها أو تطويرها؛ لتناسب التحولات القائمة في غرب إفريقيا والساحل، مثل: "القوة المشتركة لتحالف دول الساحل"، وغيرها من التحالفات المحلية والدولية. ويستدعي نجاح هذه المبادرات اقتران الجهود العسكرية بإعادة البناء الداخلي للشعوب، وتعزيز الظروف الاجتماعية والاقتصادية على النحو الذي يضمن خروج إقليم غرب إفريقيا والساحل من تضنيف الملاذات الآمنة لانتشار التنظيمات المتطرفة.

ومن بين التحالفات والإستراتيجيات الإقليمية والدولية التي يمكن تطويرها واستخدامها لمكافحة الإرهاب سواءً في المنطقة، ما يلي:

  • تحالف دول الساحل الثلاث:

في ظل تنامي النشاط الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي، وتفاقم انعدام الأمن العابر للحدود، وفي محاولة لسد الفراغ الذي أحدثه تراجع الدعم الدولي- أقرت دول الساحل الثلاث: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو إقامة حلف دفاعي أمني بينها، أُطلق عليه ميثاق "ليبتاكو – غورما" في 16 سبتمبر 2023م؛ بهدف مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة المشتركة للحلف، والوقوف في وجه التمرد والعنف المسلح في الدول الـثلاث، والتصدي له بالقوة المسلحة إذا اقتضى الأمر.

وبعد هجمات مشتركة نفَّذتها قوات الدول الثلاث ضد المجموعات المسلحة في المناطق الحدودية المشتركة، وزيارات ميدانية للقادة العسكريين في مناطق التماس- أعلنت الدول الثلاث في 6 مارس 2024م تشكيل قوة عسكرية؛ لمحاربة ما يسمونها التحديات الإرهابية المشتركة بين بلدانهم.

استطاعت القوة المشتركة المؤلفة من الدول الثلاث: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع؛ فقد أعلن الجيش النيجري يوم الأحد ٢٣ يونيو ٢٠٢٤م مقتل الإرهابي "عبد الله سليم"، العضو البارز في تنظيم "داعش"، بغارة استهدفته في مقاطعة "تيلابيري" في المنطقة الحدودية بين: النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، مشيرًا إلى أن الغارة -التي استهدفت أحد مخابئ التنظيم- أسفرت عن مقتل (٩) إرهابيين آخرين، إضافة إلى اعتقال (٣١) آخرين من عناصر التنظيم. كما أكد الجيش أنه دمَّر وسائل نقل تابعة لعناصر داعش، وسيطر على وسائل اتصال خاصة بهم([10]).

وفي هجوم آخر، تَمكَّنت القوة المشتركة من تصفية "هيغو" داعش الملقب بأبي حذيفة؛ أحد أخطر قادة داعش في منطقة الساحل، في عملية موسعة بمنطقة "ميناكا" شمال مالي([11]). وهذا يعني: أن مقتل أبي حذيفة هو ثمرة من ثمرات التخطيط الجيد بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويعكس تنسيقًا أمنيًّا جيدًا بين الدول الثلاث.

  • المناورات العسكرية:

مشروع يهدف إلى دعم القوة المشتركة بين جيوش دول الساحل، وتعزيز قدراتها القتالية، وصمود القوات المسلحة؛ لمحاربة الإرهاب الذي استفحل خطره في إقليم الساحل الإفريقي، وأصبح يتوسع نحو مناطق جديدة في غرب إفريقيا، في خضم التحولات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة على المستويات الأمنية، والعسكرية، والسياسية.

سبق أن خاضت جيوش تحالف دول الساحل: النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، بالإضافة إلى جيش كل من: تشاد وتوغو، مناورات عسكرية تحت شعار "حب الوطن"، منذ يوم 20 مايو 2024م، حتى 3 يونيو من العام ذاته، في إقليم "تاهوا" الواقع جنوب غربي النيجر القريب من مالي؛ وذلك من أجل تعزيز القدرات العملياتية، في مواجهة أي تهديدات محتملة([12]).

وتُعدُّ هذه التدريبات ثمرة شراكة عسكرية بين الدول الخمس، تهدف إلى تعزيز العلاقات مع السكان المحليين على عمليات مكافحة الإرهاب؛ الأمر الذي يؤكد عليه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف؛ على أن تتخذ إفريقيا ككل نهجًا إقليميًّا شاملًا لمكافحة الإرهاب، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.

  • مبادرة أكرا:

تأسست في سبتمبر 2017م في "أكرا" عاصمة غانا، من قبل خمس دول: بنين، وبوركينا فاسو، وكوديفوار، وغانا، وتوجو، كما تم قبول دولتي: مالي والنيجر كمراقبتين قبل أن تصبحا عضوَيْن عام 2019م، في حين حصلت نيجيريا على صفة مراقب. وصُممت المبادرة على غرار "القوة المشتركة المتعددة الجنسيات"، و"مجموعة الساحل الخمس"، وذلك بعد هجمات 2016م في بوركينا فاسو، التي أثارت مخاوف امتداد الإرهاب إلى دول سواحل خليج غينيا المجاورة([13]).

وتُعدُّ المبادرة آلية إقليمية لتعزيز التعاون الاستخباراتي والأمني بين الدول الأعضاء، وتبادل المعلومات، وتدريب الأفراد، وإقامة عمليات عسكرية مشتركة عبر الحدود؛ تهدف إلى منع انتشار التطرف العنيف والإرهاب من منطقة الساحل، والتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في المناطق الحدودية.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي حققتها المبادرة منذ تفعيلها -ومن بينها التنفيذ الناجح للعمليات المشتركة على طول الحدود المشتركة للدول الأعضاء، التي أدت إلى إلقاء القبض على عدد من الإرهابيين- فإنها تواجه قيودًا كثيرة؛ تتمثل في: التمويل، ومحدودية جمع المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى توتر العلاقات بين الأنظمة العسكرية في بعض دولها الأعضاء؛ الأمر الذي يحتم إعادة النظر في الهيكل التشغيلي لهذه المبادرة لمكافحة الفوضى الأمنية، وانتشار الجماعات الإرهابية، وبناء أنظمة دفاعية لردع التهديدات المشتركة.

  • التنسيق مع القوات الشعبية المحلية لمواجهة الإرهاب:

يُعد التعاون مع السكان المحليين جزءًا محوريًّا من الحرب على الإرهاب والدفاع عن الوطن؛ حيث تقاتل بجانب الجيش وقوات الدرك والشرطة؛ لذا فإن تعزيز مستوى التنسيق الأمني فيما بينها مهمٌّ جدًّا؛ من أجل تحقيق أعلى قدر من الفاعلية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، ويتمثل ذلك في التشاور حول جوانب النقص والمشاكل التي يعانونها في ميدان القتال، وتبني آلية تقوم على احتواء القبائل والعشائر المهمشة، والتوسع في ضم أفراد من تلك القبائل؛ كي تقاتل إلى جانب الجيش والشرطة؛ وبالتالي يحقق لهم هامشًا من الامتيازات الاقتصادية، يقطع بها الطريق أمام عمليات الاستقطاب التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في المناطق التي تقطن بها تلك القبائل المحلية.

  • الوكالة المصرية للشراكة مع إفريقيا من أجل التنمية:

تضع مصر استقرار وأمن إفريقيا محل اهتمام وحرص بالغين على المستويات كافة، وبخاصة منطقة الساحل الإفريقي التي تشهد أوضاعًا أمنية واقتصادية صعبة؛ فعلى مستوى مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، تساند مصر جهود مكافحة الإرهاب والتطرف بدول الساحل الإفريقي الغربي ميدانيًّا؛ من خلال عدتها وعتادها العسكري، وفكريًّا من خلال مراكزها المتخصصة كمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، ومرصد الإفتاء، أو من خلال الجهد المبذول من أعضاء البعثات الأزهرية لمجابهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر الفكر المعتدل ‏والصورة الصحيحة عن الإسلام. ومن الناحية التعليمية، تُقدِّم مصر منحًا دراسية كبيرة للطلاب الأفارقة لتلقي العلم الديني والدنيوي في جامعاتها، وفي مقدمتها جامعة الأزهر الشريف.

كما تحرص مصر على دعم بناء القدرات الوطنية والتطوير المؤسسي للدول الإفريقية، ومن بينها: دول الساحل، من خلال الدورات التي تنظمها «الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية»، و«مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في إفريقيا (CCCPA لا سيما في المجالات الاقتصادية والتنموية.

  • تعزيز العلاقات الأمنية مع روسيا:

عملت روسيا على استغلال حالة الفراغ بعد انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية، وعززت علاقاتها مع النخب العسكرية؛ من خلال تقديم الدعم العسكري، وفق ترتيبات أمنية يحتمل أن تأخذ طابعًا أكثر ديمومة، لا سيما في ظل اقتراب بدء أعمال الفيلق الروسي في إفريقيا، وخاصة في دول الساحل، والتي تُعدُّ "بوركينا فاسو" إحدى المحطات الرئيسة لنشاطه، الذي يستهدف مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، ومنها الخطر الإرهابي. ويمكن للنخب العسكرية الحاكمة في دول الساحل تعميق مستوى التفاهم الأمني مع روسيا عبر تقديم تعاون أمني في هيئة تدريبات واستخبارات ومعدات، يمكن الاستفادة منها في مجابهة التنظيمات الإرهابية.

ثالثًا- آفاق المستقبل:

تُعدُّ أزمة منطقة الساحل الإفريقي واحدة من أخطر الأزمات في العالم. وفي الآونة الأخيرة، تدهور الوضع بشكل كبير في تلك المنطقة، التي أثبتت أنها أرض خصبة للصراع والعنف. ومن المرجح أن يتزايد الصراع في هذه المنطقة، لا سيما مع تمدد وتغلغل التنظيمات المتطرفة.

على الرغم من الفرص والتحركات المضادة لتطويق الظاهرة الإرهابية -متمثلة في القوى والمبادرات الأمنية المحلية منها والإقليمية والدولية- لكن لم يتم تحديد ماهيتها، وآليات وحدود التحرك والتدريب، ومصادر التمويل؛ في ظل عدم استقرار الأوضاع في المنطقة.

ووفقًا للمعطيات الراهنة، فإن استشراف المستقبل لمكافحة الظاهرة الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي يمكن بيانه في سيناريوهَيْن متمايزَيْن، وهما:

السيناريو الأول: نجاح التحالفات العسكرية القائمة بين جيوش المنطقة وانضمام دول أخرى إليها، خاصة بعد اتساع موجة الإرهاب إلى الدول المطلة على المحيط الأطلسي كـ "توغو" و"بنين". كذلك تعميق مستوى التفاهم الأمني مع الدول الأجنبية الحليفة في مجال مكافحة الإرهاب، بوضع ورسم الخطط والأطر الأمنية المناسبة.

السيناريو الثاني: فشل التحالفات؛ على غرار المبادرات السابقة في منطقة الساحل، كما حدث مع تحالف دول الساحل الخمس "G 5"، أو تراجع الدعم الدولي؛ ما يجعل الفرصة سانحة أمام التنظيمات المتطرفة لتصاعد حدة ووتيرة أعمالها الإرهابية، واتساع رقعتها الجغرافية نحو مناطق جديدة.

وختامًا، يجدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف تحذيره من تداعيات تصاعد حدة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي عمومًا، وبخاصة منطقة المثلث الخطير الذي يربط بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مشيرًا إلى أهمية التنسيق بين الدول الثلاث؛ لتفعيل القوة المشتركة؛ للسيطرة على الحالة الأمنية بالمنطقة، مُنوِّهًا إلى أن الحل الأمثل للقضاء على الإرهاب يكمن في التكاتف الإفريقي – الإفريقي؛ إذ إن أبناء القارة أولى بالمنافحة عن حقوقها في وضع آمن، وحياة مستقرة، وحدود منضبطة. علاوةً على تكثيف العمل على رفع الوعي بالفكر المعتدل، وكشف الأفكار المتطرفة والمفاهيم المغلوطة التي تتخذها الجماعات الإرهابية مدخلًا لاستقطاب الشباب، ودفعهم نحو الإرهاب والعنف.

                                                                                                            وحدة الرصد باللغات الإفريقية

 

قراءة (367)/تعليقات (0)

كلمات دالة: