09 ديسمبر, 2024

ملتقى الفقه بالجامع الأزهر.. نائب رئيس جامعة الأزهر: التشريعات الإسلامية جاءت بتعاليم تُظهر المسلم في أبهى صورة له من خلال الطهارة

ملتقى الفقه بالجامع الأزهر.. نائب رئيس جامعة الأزهر: التشريعات الإسلامية جاءت بتعاليم تُظهر المسلم في أبهى صورة له من خلال الطهارة

عضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر: القرآن الكريم لم يقصر استخدام لفظ «الطهارة» على البدن فقط، وإنما استخدمه في أشياء كثيرة ليحث المسلم على التطهر حسيًّا ومعنويًّا

مدير الجامع الأزهر: التشريعات الإلهية جاءت من أجل صيانة النفس البشرية وحمايتها.. لهذا السبب تضمنت التشريعات الإسلامية الطهارة

عقد الجامع الأزهر اليوم الإثنين، اللقاء الأسبوعي لملتقى الفقه تحت عنوان: "الطهارة والطب الوقائي.. رؤية إسلامية" وذلك بحضور كل من: أ.د/ محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، وأ.د/ علي مهدي، أستاذ الفقه، وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، وأدار الحوار الدكتور/ هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.

وخلال اللقاء، قال الدكتور/ محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر: إن التشريعات الإسلامية جاءت بتعاليم لتُظهر المسلم في أبهى صورة له من خلال الطهارة، التي جعلها الشارع الحكيم مقدمة للصلاة؛ لهذا نجد أن الحديث عن الوضوء في الشريعة الإسلامية جاء بصيغة تعبدية، فأمرنا الله سبحانه وتعالى به كمقدمة للصلاة، ووسيلة مؤهلة لهذا العمل العظيم، وكما هو معروف في الفقه الإسلامي أن مقدمة الواجب واجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا"؛ لهذا جمعت الصلاة بين طهارة الجسد من خلال الوضوء، وطهارة النفس من خلال التعبد والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.

وأوضح الدكتور/ محمود صديق، أن طهارة البدن المستمرة تمنع العدوى أن تصيب الإنسان، وسواء كانت هذه الطهارة لجسد الإنسان أو للمكان المحيط به؛ فهي أمر واجب للحفاظ على حياة الإنسان بعيدًا عن الملوثات التي تسبب العدوى، والطب النبوي مليء بالإشارات إلى أهمية الطهارة كنوع من الوقاية من بعض الأمراض، كما أن التشريعات الإلهية فرَّقت بين الطهارة من الحدث الأصغر والحدث الأكبر؛ فنجد أنها في الحدث الأكبر أمرتنا بطهارة الجسد كله؛ لأنه قد ثبت علميًّا أن الحدث الأكبر يكون نتيجة تفاعل البدن كله {يخرج من بين الصلب والترائب}، وهو ما يستوجب طهارة الجسد بأكمله؛ حتى يستعيد البدن همته، ويتخلص من السموم والملوثات التي خرجت من الرجل ومن المرأة على حد سواء في حالة الجنابة نتيجة هذه العملية؛ لهذا جاءت الحكمة الإلهية بالاغتسال، على عكس الحدث الأصغر، والذي يحدث نتيجة تفاعل أشياء بعينها لا تتفاعل معها بقية أعضاء الجسد.

وأضاف نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الخير يحدث للإنسان، في غسل اليدين قبل الأكل وبعد الأكل، كما يحدث الخير في الوضوء خمس مرات يوميًّا؛ لأن المياه نعمة منحها الله للإنسان ليطهره بها، وجعلها سببًا لحياته؛ لقدرتها على حماية الإنسان من الميكروبات والجراثيم، وعلى المسلم أن يحرص على الطهارة الدائمة من خلال الوضوء. كما أن الطهارة سمة من سمات المؤمنين، والله سبحانه وتعالى يحب أن يراهم على طهارة؛ لهذا جعلها تعبدية؛ لهذا جاءت الطهارة في التشريعات الإسلامية تعبدية، كما أَوْلت اهتمامًا جذريًّا في توجيهاتها للمرأة بالطهارة في حالة الحيض والنفاس؛ للوقاية من العدوى في هذه الحالة، وهو ما يؤكد على أن الطهارة ضرورية لحياة الإنسان؛ لهذا جاءت المبالغة والتشديد عليها في التشريعات الإلهية، وهناك الكثير من الآيات التي تدل على هذه الأهمية، كما في قصة سيدنا أيوب {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} وكما في الآية الكريمة {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}.

من جانبه، أوضح الدكتور/ علي مهدي، أستاذ الفقه وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، أن الإسلام دين الطهارة، وحينما تناول القرآن الكريم الطهارة، تكلم عنها بمفهوم خاص ومفهوم عام؛ ليؤسس لها، فنجد عندما يريد أن يتكلم عنها بمفهوم خاص يشير إلى طهارة البدن، وعندما يتحدث عنها بمفهوم عام يتكلم عن طهارة القلب وطهارة الضمير من الغش والأنانية، ونحن إذا أردنا أن نقف على بعض المواطن لكي نتذوق أهمية الطهارة، فنجدها في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}؛ فجمع في هذه الآية بين الطهارة الحسية والطهارة المعنوية معًا، فطهارة الجسد تكون سببًا في النشاط والحماس، والطهارة المعنوية تخلصهم من وساوس الشيطان، وكان هذا الربط دليلًا على الأهمية الكبيرة للطهارة.

كما أوضح الدكتور/ علي مهدي، أنه لكي يتحقق للمسلم المعنى الكامل للطهارة يجب أن يتحقق له المعنى العام للطهارة بجانب المفهوم الخاص لها، فجانب الطهارة الحسية هي طهارة البدن والمكان المحيط بالإنسان، ويجب أن تتحقق الطهارة المعنوية التي هي نقاء القلب وسلامته، ونقاء الضمير. كما أن الطهارة تناسب التوابين الذي يحافظون على نظافة ظاهرهم كما يحافظون على نظافة باطنهم؛ لذلك قال في الحديث: "الطهور شطر الإيمان"؛ لأن الطهارة في الإسلام أمر عظيم؛ لهذا شرع لنا الإسلام الطهارة في مواطن كثيرة، منها: عند النوم، وعند الجماع، وعند الغضب؛ لأن الطهارة يحصل بها نفع كبير للإنسان، وقرن الحق سبحانه وتعالى بين الماء وبين الوحي، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا"؛ فجاء تشبيه نور الوحي بالماء؛ فكما أن الوحي جاء ليطهر روحنا، فإن الماء جاء ليطهر أبداننا.

وبيَّن أستاذ الفقه، أن القرآن الكريم لم يقتصر على استخدام لفظ «الطهارة» على البدن فقط، وإنما استخدمه في أشياء كثيرة؛ ليحث المسلم على التطهر حسيًّا ومعنويًّا؛ فنجد أنه استخدم لفظ «الطهارة» مع المال عن طريق الزكاة؛ كما في قوله: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}؛ لأن المال الذي لم تخرج زكاته فهو خبيث؛ لأن الزكاة تطهر المال من الرجس ومن الخبث؛ لهذا قال الشافعي: "المال الذي لا تخرج زكاته مال غير مطهر"؛ لأنه نُزعت منه البركة، فالمال الذي أخرجت زكاته أصبح مالًا طيبًا، كما تُطهِّر الزكاةُ الغنيَّ من الشح والبخل، وتُطهِّر الفقير من البغضاء والحقد والحسد، واستخدم القرآن الكريم لفظ «الطهارة» في الحج في قوله: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وهو ما يُحدث استقرار النفس والطمأنينة، وهو نوع من الطهارة، وكذلك في قوله: {وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر} فاستعمل لفظ «الطهارة» في هذا الموضع أيضًا؛ وهو ما يدل على أن الطهارة تشمل كل شيء في حياة الإنسان.

وفي السياق ذاته، قال الدكتور/ هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر: إن التشريعات الإلهية جاءت من أجل صيانة النفس البشرية وحمايتها؛ لهذا السبب تضمنت التشريعات الإسلامية الطهارة؛ لأن الطهارة فيها صيانة للبدن والنفس معًا، وهو ما جاء في الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبًا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}؛ وهو دليل جامع للطهارة؛ فجمعت بين الطهارة من الحدث الأكبر والطهارة من الحدث الأصغر.

كما أوضح مدير الجامع الأزهر، أن الإسلام يريد للمسلم أن يكون طاهرًا في نفسه وغير مؤذٍ لغيره؛ لهذا جاءت توجيهات النبي للمسلمين بالاغتسال في الاجتماع الأكبر وهو اجتماع الجمعة؛ ليظهر المسلم في صورة جميلة وحسنة، وعرف عن العرب أن الماء هو أطيب الطيب كما في قول الأعرابية لابنتها (عليك بالماء؛ فأنه أطيب الطيب)، وفي الماء فضل عظيم من الناحية الحسية، وذلك في طهارة الإنسان، وفي الناحية المعنوية؛ حيث يُذهب رجز الشيطان {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}، كدليل على أهمية الطهارة الحسية والمعنوية.

يُذكر أن الملتقى الفقهي يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر. ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وَفقًا للشريعة.
 

قراءة (145)/تعليقات (0)

كلمات دالة: