د/ أحمد كامل العوضي: على الإنسان أن يمنح نفسه فرصة للمراجعة عند الغضب؛ لكي لا يتحول هذا الشعور إلى سلوك عدواني
د/ هاني عودة: التغلب على الغضب يكون بالصمت وعدم الاسترسال في الحديث.. مع الالتزام بوصايا النبي ﷺ
عقد الجامع الأزهر اليوم الإثنين، الملتقى الفقهي "رؤية معاصرة"، حول "الغضب بين الشرع والطب"، بمشاركة: أ.د/ رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، وأ.د/ محمود عبد الرحمن حمودة، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر، وأ.د/أحمد كامل العوضي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب كلية الطب جامعة الأزهر، وأدار الملتقى د/ هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.
في بداية الملتقى، قال الدكتور/ رمضان الصاوي: إن العلماء وصفوا الغضب بأنه جمرة في جوف الإنسان؛ كما أن النبي ﷺ أثنى على الصبر والحلم؛ لما لهما من أثر عظيم في كل شيء في الحياة، فقال النبيُّ ﷺ لأشجِّ عبد القيس: إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله: الحلم، والأناة"، كما قال ﷺ لمعاوية: إياك والغضب؛ فإنه يفسد الإيمان، كما يفسد الصب العسل. وهو تحذير من النبي ﷺ للمسلم بأن يتجنب الغضب في كل شيء، مبينًا أن الغضب لا يكون محمودًا إلا إذا انتهكت حرمات الله سبحانه وتعالى، فساعتها يكون الغضب محمودًا؛ لأنه التزام لأمر الله ورسوله ﷺ "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أنه يجب على الإنسان عندما يشعر بأن هناك شيئًا يغضبه فعليه وقتها أن يتمسك بالطمأنينة {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ لهذا أوصى النبي ﷺ الصحابة بأن يُغيِّر كل واحد هيئته عند الغضب؛ حتى يذهب عنه ما يغضبه، ويتروى قبل أن يصدر عنه ما يصيبه بالندم بعد ذلك، كما أوصاهم ﷺ بالوضوء عند الشعور بالغضب؛ فقال ﷺ: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ"، كما أوصاهم بالصلاة؛ لأنه لا سعادة للعبد، ولا فلاح له في الدنيا والآخرة إلا بطاعة الله تعالى؛ لذلك كان رسولنا الكريم ﷺ يقول لبلال: أرحنا بها يا بلال.
وبيَّن نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الغضب بين الناس في المعاملات، هو أمر منهي عنه؛ لذلك أوصى النبي ﷺ بالتروي في البيع؛ فقال ﷺ: "البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا"؛ حتى لا تدخل بينهم الضغينة. كما أن النبي ﷺ "سَمِعَ صَوْتَ خُصُومٍ بالبَابِ، عَالِيَة أَصْوَاتُهُمَا، وإذَا أَحَدُهُما يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ في شيءٍ، وَهو يقولُ: وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ؛ فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- عليهمَا؛ فَقالَ: أَيْنَ المُتَأَلي علَى اللهِ لا يَفْعَلُ المَعْرُوفَ؟ قالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ؛ فَلَهُ أَيُّ ذلكَ أَحَبَّ" وهو دليل على التروي والحلم، مضيفًا أن الغضب بين الأزواج هو السبب في ضياع الكثير من الأسر وحدوث الشقاق بينهم.
من جانبه، قال الدكتور/ محمود عبد الرحمن حمودة: إن الغضب هو انفعال أساسي لدى البشر، لكنه انفعال خطير، يسبب الكثير من المشكلات للإنسان، والغضب رد فعل انفعالي سريع نتيجة تفاعل العقل مع السلوكيات، وكلما كان العقل متحكمًا -وفي منطقة الاستجابة- كان الإنسان متحكمًا في سلوكه ومنضبطًا، أما عندما يتحول الانفعال إلى منطقة ردة الفعل؛ فإنه يتحول إلى سلوك خطير؛ لذا فإن تعريف الغضب هو أنه "حالة من الانفعال تتراوح في الحالات الخفيفة من الاستثارة إلى الاشتعال في الحالات الشديدة"، كما أن هناك فرقًا بين الغضب والعدوان، والذي يُعدُّ سلوكًا حادًّا ينتج عنه خسائر، وهو ما يمكن فهمه من قول الفلاسفة، مثل: أرسطو الذي قال: "من المقبول أن يغضب الإنسان، ولكن في الوقت الصواب، ومع الشخص الصواب، وبالطريقة الصواب".
وبيَّن أستاذ الطب النفسي أن هناك أنواعًا من الغضب، فهناك الغضب المزمن، وهو الشخص دائم الاستياء من كل شيء حوله، وهناك غضب متطاير، والذي يصدر فجأة نتيجة موقف أو مثير ثم يختفي، وهناك الغضب المكتوم الذي يصدر في جمل نقدية أو حديث التوبيخ، وهناك الغضب السلبي الذي يُعبَّر عنه بالاستياء، وهناك الغضب الغامر، والذي نلاحظه في سخرية الناس من الأمور الصعبة التي تمر في حياتهم، وهناك الغضب الانتقامي تجاه الآخرين، وهو ما يُعبَّر عنه بالسلوكيات العدوانية.
كما أوضح الدكتور/ أحمد كامل العوضي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أنه يجب على الإنسان أن يمنح نفسه فرصة للمراجعة عند الغضب؛ لكي لا يتحول هذا الشعور إلى سلوك عدواني يضر به نفسه ومن حوله، وأن يتجنب الإنسان المثيرات التي تتسبب في الغضب، فإن كان لا بُدَّ من التعامل معها فلا بُدَّ أن يكون التعامل بتفكير عميق حول الطريقة المثلى في التعامل مع هذا المثير، وهذه الوقفة هي التي حدث عنها الرسول الكريم ﷺ بأن الشخص إذا غضب فعليه أنه يُغيِّر الحالة التي عليها؛ لأن هذا يمنحه فترة للتفكير بعمق وهدوء.
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور/ هاني عودة، أهمية الحلم وسعة الصدر في التعامل مع كل الأمور؛ ولذلك كانت وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي طلب الوصية من رسولنا الكريم؛ فقال له: "لا تغضب"، وهو تأكيد أن الغضب مفسدة للحياة، وإلا لما كررها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا عندما طلب الرجل المزيد من الوصية، وكثير من المشاكل في المجتمع يكون السبب وراءها الغضب.
وذكر مدير الجامع الأزهر الوصاية النبوية من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية للتعامل مع الغضب؛ كي تستقيم الحياة، حيث راعى الإسلام فيها الجانب المادي والجانب المعنوي، والوصية الأولى هي: ما قاله رسول الله ﷺ إذا غضب الرجل فاستعاذ بالله؛ سكن غضبه"، والوصية الثانية: ما علمه النبي ﷺ لأصحابه من تغيير الهيئة التي عليها الإنسان حالة الغضب: "إذا غضب أحدكم وهو واقف؛ فليجلس"، والوصية الثالثة: ما أمر به النبي ﷺ وهو الوضوء: "فإن الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ؛ فَلْيَتَوَضَّأْ"؛ لذا علينا أن نقابل الغضب بالصمت وعدم الاسترسال في الحديث الذي يسبب الغضب، مع الالتزام بوصايا النبي ﷺ.