- د/ محمد حمودة: الإجراءات الصارمة في مواجهة المخدرات.. تُجَنِّب المجتمع خطورة هذه المواد
- الشيخ/ كريم أبو زيد: المخدرات تُشكِّل خطرًا على الجوانب الاقتصادية والأمنية للمجتمعات
عقد الجامع الأزهر اليوم الإثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان: "المخدرات بين الشرع والطب"، بحضور: أ.د/ أحمد خيري عبد الحفيظ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وأ.د/ محمد محمود حمودة، أستاذ الطب النفسي المساعد وعلاج الإدمان بكلية الطب، جامعة الأزهر، وأدار اللقاء الشيخ/ كريم حامد أبو زيد، منسق كتب التراث والبرامج الموجهة بالجامع الأزهر.
في بداية الملتقى، قال د/ أحمد خيري: إن التكريم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى للإنسان {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} هو تكريم جاء في صور كثيرة، أولها التكريم في الخلق {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}؛ أي: أحسن صورة وهيئة، ثم بعد ذلك التكريم في المنهج؛ لهذا جعل الله لنا شرعة نهتدي بها، وأرسل إلينا الرسل لتهدينا سبل الرشاد، ثم يأتي بعد ذلك النوع الثالث من التكريم وهو السر الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في خلقه وهو العقل، والذي هو الجوهرة التي تَكرَّم الله بها على عباده؛ لهذا جاءت كل الشرائع متكفلة بحفظ العقل؛ لذلك نجد أن كل ما يضر بالعقل فهو منهي عنه في هذه الشرائع، وهناك الكثير من الأمور العلة في تحريمها أنها تؤثر على العقل.
وأضاف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن تحريم الخمر لم يأتِ دفعة واحدة، بل تدرج التشريع الإسلامي في تحريمها على مراحل لحكمة إلهية، ومراعاة لأحوال الناس في ذلك الزمان؛ فبدأ ببيان مساوئها ومفاسدها، للحَدِّ منها، فعندما جاء عمر بن الخطاب للنبي ﷺ وقال له: يا رسول الله، أفتنا في الخمر؟ فإنها مُذهِبة للعقل، مُسلِبة للمال؛ فنزل قول الحق سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، ثم بعد ذلك جاء الحُكم بتحريمها في أوقات الصلاة بسبب أن أحد الصحابة أخطأ وهو يصلي بسبب الخمر، فعندما أقام سيدنا عبد الرحمن بن عوف وليمة لصحابته، ثم جاء وقت صلاة المغرب وكان بعض الصحابة قد شرب الخمر، وتقدم أحد الصحابة للصلاة بهم، ولكنه أخطأ في الصلاة بسبب الخمر؛ فنزل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، ثم بعد ذلك سيدنا عتبان بن مالك أقام وليمة، ودعا إليها صحابة رسول الله ﷺ، وبعد الوليمة بسبب المبارزة بالشِّعْر، كادت أن تكون بينهم مقتلة، فهنا دعا سيدنا عمر ربه قائلًا: اللهم أنزل علينا بيانًا في الخمر؛ فنزل قول الحق سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، مُبينًا أن المتتبع لأحكام الخمر قبل تحريمها قطعيًّا يجد أن الكثير من الصحابة كان لا يشربها، ويرفضها بسبب فطرته السليمة التي ترفض هذا الفعل؛ لأن الفطرة السليمة ترفض تعاطي المواد التي تُذهِب العقل، وهو ما بَيَّنَتْه السُّنَّة النبوية المطهرة، مبينًا أنهم كانوا يدركون خطورتها.
وأوضح أستاذ الفقه، أن علماء الأمة أجمعوا على تحريم المخدرات، وكل ما يذهب العقل، كما أن كل ما ورد في تحريم الأمور التي تؤدي إلى الفساد والإفساد في الأرض، ينسحب على المخدرات؛ لأن المخدرات تعريفها كما أورده ابن حجر العسقلاني بأنها: ما يتولد عنها تغطية العقل وعدم إحساس البدن، والإحساس بالفتور. كما أن الاتجار في المخدرات يُعدُّ فسادًا في الأرض؛ لأن المخدرات أُمُّ الخبائث؛ كما في حديث أم سلمة رضى الله أنها، قالت: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مُسكر ومفتر"، مبينًا أن إشكال المخدرات وأضرارها لا تقع على العقل فقط، وإنما تتعداها إلى المال؛ لأن المال نعمةٌ مسئول عنها الإنسان، وإنفاقه على المخدرات هو إنفاق في غير موضعه، كما تضر المخدرات أيضًا بالنفس؛ فهناك الكثير من حالات الوفيات بسبب المخدرات، فهي ضرر في كل شيء، وكثير من المشكلات المنتشرة في مجتمعاتنا اليوم مثل التفكك الأسري، والخلافات الاجتماعية تكون بسبب المخدرات.
وحذَّر أستاذ الفقه، الآباء من الغفلة عن سلوك أبنائهم وعدم متابعتهم؛ لأن رفقاء السوء قد يجرونهم إلى طريق الهلاك، وعلى الأُسر أن تقوم بواجبها في تقوية الوازع القيمي في نفوس أبنائها؛ حتى لا يكونوا عرضة للوقوع فريسة لمروجي هذا النوع من المفسدات، وعلى المجتمع أن تتضافر جهوده من أجل القضاء على هذا الوباء الذي يهدد مجتمعاتنا، مع ضرورة تقديم يد العون لمن وقع فريسة للمخدرات حتى يتعافى؛ لأن تركه على هذه الحالة يؤدي إلى مزيد من المشكلات.
من جانبه، أوضح د/ محمد حمودة، أن المجتمعات التي اتخذت إجراءات صارمة في مواجهة المخدرات، استطاعت أن تُجنِّب شعبها خطورة هذه المواد التي تهدد المجتمع في كل جوانبه، وساعدتها هذه الإجراءات في النهوض بالمجتمع في شتى المجالات، مبينًا أن خطورة المخدرات بدأت تتضاعف وتشكل تحديًا كبيرًا أمام المجتمعات بعد تنوع المواد المخدرة، وبخاصة بعد ظهور نوع جديد من المخدرات يعرف بالمواد التخليقية، والتي ينتج عنها أضرار مضاعفة، مثل: توهم متعاطيها لأوهام تدفعه إلى القيام بأعمال كارثية، إضافة إلى أن المعروف عن المخدرات أنها تسبب الاكتئاب، وتُفقِد الشخص القدرة على القيام بأي مجهود ذهني وبدني، فالكثير من الحوادث الخطيرة في المجتمع تكون بسبب المخدرات.
وأوضح أستاذ الطب النفسي، أن الأغراض الطبية التي تدخل في علاجها المواد المخدرة، مشروطة بالحالة التي تُخصَّص لها، وتكون تحت إشراف الأطباء، وهناك حاجة ضرورية لها، ما عدا ذلك يعد تعاطيًا وهو ممنوع دوليًّا، كما أنه مُحرَّم شرعًا، والإسراف في تعاطي الجرعات الطبية يدخل أيضًا تحت بند التعاطي.
وفي السياق ذاته، قال الشيخ/ كريم حامد أبو زيد: إن المواد المخدرة تُشكِّل خطرًا كبيرًا على المجتمعات؛ كونها تؤثر على عقل الإنسان وسلوكه، وتمتد آثار تناول المخدرات إلى أبعد من ذلك؛ كونها تهدم الجانبين: الاقتصادي والأمني للمجتمعات، والشريعة الإسلامية جاءت لحفظ الكليات الخمس: "الدين، النفس، العقل، النسل، والمال"، والمخدرات تُشكِّل خطرًا على هذه الكليات التي جاء الإسلام لحمايتها؛ لهذا حرَّم الإسلام المخدرات؛ لأنها تؤثر على العقل الذي هو مناط التكليف، كما أن المخدرات لا يستقيم الحفاظ على الكليات الخمس مع وجودها؛ لأنها تهدد حياة الإنسان، وتهدد استقرار المجتمع، والمتخصصون أجمعوا على أن المخدرات هي نوع من أنواع التهلكة التي حذَّرنا منها الحق سبحانه وتعالى في قوله: {وَلَا تُلْقُوا بَأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
يُذكر أن ملتقى “رؤية معاصرة” يُعقد الإثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، ويهدف الملتقى إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وَفقًا للشريعة.