الدكتور/ حبيب الله: الدين الإسلامي جمع الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم لأنه دين شامل
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: "تحويل القبلة وعالمية الرسالة" وذلك بحضور كل من: أ.د/ حبيب الله، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، وأ.د/ خالد عبد العال أحمد، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنوفية، وأدار اللقاء الشيخ/ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر الشريف.
في بداية الملتقى، قال الدكتور/ حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: إن حادثة تحويل القبلة من المسجد الأقصى بفلسطين إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، هو إتمام لوسطية الأمة الإسلامية وخيريتها، والآيات التي تتحدث عن تحويل القبلة والتي جاءت في سورة البقرة {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، جاءت في وسط السورة كدليل على تمام الوسطية لهذه الأمة بهذا الأمر، وهي إشارة إلى أن كل حرف وكل كلمة من كلام الله سبحانه وتعالى بمقدار وبحساب دقيق، وهو إعجاز عددي للقرآن الكريم، كما أن آيات تحويل القبلة مُؤسِّسة لما جاء بعدها، ودليل على تمحيص المؤمنين {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}، كما وصف القرآن المنكرين بالسفهاء؛ لأنهم حاولوا أن يعرقلوا طريق الحق، ويفسدوا على الناس يقينهم.
وأوضح الدكتور/ حبيب الله حسن، أن الله سبحانه وتعالى ميَّز هذه الأمَّة عن غيرها؛ لذلك جاءت الآيات التي تدل على خيرية هذه الأمة في الأخلاق، وفي المعاملات، وفي العبادات، وفي كل شيء، وهو إنصاف رباني في حق الأمة الإسلامية، كما أن الدين الإسلامي جمع الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم؛ لأن هذا الدين لم يميز جماعة معينة أو وطنًا محددًا، بل هو دين شامل لكل زمان ومكان، وهذا هو جوهر هذا الدين، الذي يتميز به الإسلام. والانتماء الحقيقي في الإسلام هو انتماء لمنهج قوي، ولو أن الأمة الإسلامية تمسكت بتاريخها المجيد، وسارت على خطى أسلافها، لعاشت الإنسانية كلها في سلام وازدهار؛ لأن الإسلام هو دين العدل والرحمة.
وبيَّن أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن تحويل القبلة هو تكريم من الله سبحانه وتعالى للنبي ﷺ الذي كان يرغب ويتمنى أن تكون قبلته هي الكعبة المشرفة، قبلة أبيه إبراهيم، كما أنها القبلة الجامعة؛ لذلك جاء التعبير القرآني بقوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}، فكلمة { تَرْضَاهَا} دليل على هذا التكريم من الله سبحانه وتعالى لنبيه ﷺ، ورغم أن الرسول ﷺ كان يتمنى أن تكون قبلته تجاه مكة المكرمة، لكنه امتثالًا لأمر لله سبحانه وتعالى قال: سعمنا وأطعنا.
من جانبه، أكد الدكتور/ خالد عبد العال أحمد، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالمنوفية، أهمية مراجعة النفس في هذه الأيام المباركة؛ لما لها من فضل عظيم، وعلينا أن نغتنمها، وأن نتهيَّأ لشهر رمضان المبارك، ومن الدليل على فضل هذه الأيام: أن الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يحرصون على اغتنام هذه الأيام، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه سئل: "كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ فقال: ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال، وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم"؛ لأنهم تربوا على منهج العفو والتسامح ومراجعة النفس، وعلينا أن نتأسى بهم.
وذكر عميد كلية أصول الدين بالمنوفية، أن النبي ﷺ -في بداية الأمر قبل تحويل القبلة- كان قلبه متعلقًا بالبيت الحرام، ودائمًا ما تهفوا نفسه لرحابه المقدسة، حتى أكرمه الله بأن جعل قبلته حيث يهفوا قلبه؛ لهذا جاء الخطاب القرآن {تَرْضَاهَا} أي: تحبها، وهو دليل على خيرية النبي ﷺ ومكانته العظيمة، مبينًا أن أمَّة الإسلام هي أمة وسط في شريعتها وفي عقيدتها، أمة لا تعرف الغلو ولا التطرف، والرسول الكريم ﷺ يقول: "هلك المتنطعون"، يقصد: المتشددون، كما أن الوسطية التي ميزت هذه الأمَّة هي السبب في انجذاب الكثيرين إلى هذا الدين الحنيف.
وفي السياق ذاته، قال الشيخ/ وائل رجب، الباحث بالجامع الأزهر الشريف: إن أمة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هي الأمَّة الرائدة؛ لكونها خير الأمم، لذلك منحها الله سبحانه وتعالى خير ما أعطى أمَّة من الأمم، وميَّزها بالخيرية في كل شيء، وعلينا التمسك بقيمنا الأخلاقية والإنسانية؛ لنكون عنوانًا لهذا الدين الحنيف، كما أن أنظمة هذه الأمة ومعاملاتها -كما حددها الإسلام- هي عنوان لخيريتها، وعلينا أن نلتزم بها؛ لنكون عنوانًا لهذه الخيرية.