14 مارس, 2021

المسلمون بين إدارة ترامب وبايدن: مستقبل أفضل أو مزيد من التجاهل؟

المسلمون بين إدارة ترامب وبايدن: مستقبل أفضل أو مزيد من التجاهل؟

يعيش أكثر من 3.5 مليون مسلم داخل الولايات المتحدة، وتأتي الديانة الإسلامية في المرتبة الثالثة بعد المسيحية واليهودية من حيث العدد.
ولكن هل يشعر المسلمون حقًّا أنهم جزء من المجتمع الأمريكي؟ يعيش المسلمون حياة كاملة داخل الولايات المتحدة، فهم يعملون بكافة الوظائف، ويشارك أولادهم في الفرق الرياضية والمسرحية وغيرها، كما أنهم يقيمون شعائرهم في المساجد، ولكن هل تنظر إليهم السياسة الأمريكية باعتبارهم جزءًا أصيلًا من النسيج الأمريكي؟
تشير التقارير إلى أنه منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، تغيَّرت النظرة الأمريكية بالنسبة للمسلمين تغيُّرًا جذريًّا، ذلك أن هذا الحادث لم يعد مجرد حادث إرهابي، حيث بات بسببه يُنظَر إلى الإسلام على أنَّه عدو يهدد الأمن القومي، وأصبح المسلمون موضع الشكوك والشبهات، وتم تغريبهم داخل ما اعتبروه وطنًا لهم. 
وتفاقمت الأوضاع مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، وتوافدت موجات من المهاجرين واللاجئين على أوروبا والولايات المتحدة؛ هربًا من أوضاع مرعبة عاشها هؤلاء داخل أوطانهم. ومع تزايد معدلات العمليات الإرهابية داخل الدول الأوروبية، ارتفعت وتيرة خطاب الكراهية ضد المسلمين. ولم يقف الأمر عند هذ الحدِّ، فقد أصدرت الولايات المتحدة ولأول مرة قرارًا عام 2016 ينصُّ على حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وهي العثرة التي استغلها المرشح الرئاسي آنذاك "جو بايدن" لجذب الناخبين المسلمين بعد تعهُّده بإلغاء قرار حظر السفر ذاك في أول يوم له داخل البيت الأبيض. فهل يكون ذلك القرار بمثابة وعد بإدخال تغييرات في السياسة الأمريكية، وشمول أفضل للمسلمين، أو هي مجرد وعود انتخابية تنتهي خلف الولوج إلى المكتب البيضاوي؟
على الرغم من أن المسلمين يُشكِّلون 1.1 % من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة، إلا إنهم بشكل عام لا يُعتبرون عنصرًا فعالًا في الانتخابات الأمريكية؛ نظرًا لعزوفهم المتواصل عن المشاركة في العملية الانتخابية واختيار المرشح الرئاسي. ولعل السبب وراء ذلك هو أن الناخب الأمريكي المسلم لا يجد في أجندات عمل المرشحين الرئاسيين ما يخاطب مشكلاته ومتاعبه باعتباره مواطنًا يتبع أقلية دينية وعرقية. 
وتشير التقارير إلى أن المرشحين ما وضعوا المسلمين في اعتباراتهم الانتخابية إلا بغرض جمع الأصوات الانتخابية، والفوز على منافسيهم؛ بل شهدت السنوات الأخيرة عداءً واضحًا ضد المسلمين، وبدا ذلك جليًّا في قرارِ حظر دخول المسلمين القادمين من دول بعينها إلى الولايات المتحدة، وحظر دخول اللاجئين. وعلى الرغم من العلاقات الوطيدة التي ربطت بعض رؤساء الولايات المتحدة، ودول المنطقة العربية، إلا أن وتيرة خطاب الكراهية المُوجَّه ضد المسلمين قد تصاعدت، وهو الأمر الذي تمثَّلت تداعياته في ارتفاع معدلات جرائم الكراهية ضد مسلمي الولايات المتحدة، إذ تشير الإحصائيات التي أصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن خطاب الكراهية الموجَّه، وقرار حظر السفر ضد المسلمين، تسبَّب في ارتفاع معدلات جرائم الكراهية إلى نسب بلغت 17%، حيث سجَّلت الجرائم التي تستهدف المسلمين بمعدلات وصلت 10% عام 2017، وهي نسب لم تشهدها الولايات المتحدة منذ الهجمات الإرهابية عليها في 11 سبتمبر 2001.
وفي هذا الصدد، يرى خبراء مكافحة التطرف أن جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين موسمية، ذلك أنها ترتفع بعد كل حادث إرهابي يرتكبه أحد المتطرفين المتذرعين تحت لواء الإسلام أو مع تصاعد وتيرة خطاب الكراهية ضدهم. 
واستغل الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" والحزب الجمهوري "شمَّاعة" التخويف من الإسلام والمتطرفين الإسلاميين لجمع التبرعات، وحشد أصوات المتدينين المسيحيين، والمتعصبين للعرق الأبيض الذين يدافعون عن أمريكا البيضاء. تلك السياسة التي أصر الرئيس ترامب على استغلالها خلال حملته الانتخابية الأخيرة، ودافع عنها بكل ما أوتي من قوة، لكنَّها للأسف لم تؤت ثمارها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. 
ويبدو أن الشارع الأمريكي أصابه الخوف من حالة الانقسام وعدم الاستقرار التي تشهدها الولايات المتحدة مؤخرًا، لا سيما مع تزايد عنف جماعات اليمين المتطرف والجماعات الأخرى، التي تدَّعي التدين والاسترشاد بتعاليم المسيحية. 
وعلى مدار برامج انتخابية متعاقبة، لم يحتل المسلمون دورًا بارزًا في مخططات المرشحين للرئاسة أو خطاباتهم، ولم يسع أيٌّ منهم بشكل جدي لنيل رضاهم وحثهم على التصويت والمشاركة الفعالة، لكن الأمر هذه المرة يبدو مختلفًا. فكما استخدم ترامب فزَّاعة التخويف من الإسلام والمسلمين لكسب أصوات مؤيديه، سعى بايدن على الجانب الآخر إلى بثِّ شعور الأمن والطمأنينة داخل نفوس المسملين، وحثّهم على المشاركة الفعالة في الانتخابات الأمريكية، وشجَّعهم على أن يكونوا - ولأول مرة- عنصرًا حاسمًا في تلك الانتخابات؛ إذ تشير البيانات إلى أن المسلمين يشكِّلون كتلة تصويتية مهمة داخل الولايات الحاسمة في الانتخابات. 
جاء خطاب بايدن الانتخابي مؤيدًا وداعمًا للمسلمين ولحياتهم داخل الولايات المتحدة، وقد يكون بايدن بهذا الخطاب أول مرشح رئاسي يسعى بوضوح إلى كسب ثقة الناخبين المسلمين؛ ذلك أنَّه لم يَدَع جائحة كورونا تؤخره عن التواصل مع الناخبين في كل الولايات، حيث عقد كثيرًا من اللقاءات والاجتماعات مع الدوائر الإسلامية في البلاد، بالإضافة إلى سعيه لكسب ودِّ بعض الجماعات الحقوقية الإسلامية التي تنشط في الولايات المتحدة. وتقول داليا مجاهد - مديرة الأبحاث في معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم: "إن الخطوات التي يجريها بايدن بمثابة أول تواصل حقيقي يشهده المجتمع المسلم من جانب أحد المرشحين الرئاسيين"، وتضيف داليا: "أن أحد الأسباب القوية التي دفعت أعضاء المجتمع المسلم للتسجيل في الانتخابات الأخيرة والإدلاء بأصواتهم، هو السياسة التي ينتهجها الرئيس ترامب ضد المسلمين، حيث أدى ذلك إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد المسلمين الساعين لتأدية دور فعال، ربما لأول مرة، في الانتخابات الأمريكية". 
والآن وبعد أن فاز بايدن في الانتخابات الأمريكية، هل يكون المسلمون في محطِّ اهتمامه مثلما وعد في خطابه الانتخابي، أم ينتهي الأمر بإلغاء قرار حظر السفر وتعود السياسة الأمريكية إلى ما كانت عليه بالنظر إلى الإسلام والمسلمين، باعتبارهم مصدرًا من مصادر التهديدات التي يواجهها الأمن القومي في البلاد. ومن المؤكد أن الرئيس بايدن يواجه عددًا من التحديات التي خلَّفتها إدارة ترامب، ولعلَّ أبرزها هو إعادة روح الوطنية والتسامح والتكامل المجتمعي؛ إذ رسَّخت إدارة ترامب على مدار 4 سنوات لمفهوم غير متوازن للحرية الدينية، فحينًا تنادي بدعم الحرية الدينية وحينًا آخر تدعم الجماعات العنصرية التي تنادي بأمريكا البيضاء. الولايات المتحدة روَّجت لنفسها دومًا باعتبارها أرض الحريات، الأرض التي يمكن للجميع أن يعيش في سلام وأمان دون النظر إلى لونه أو عرقه أو ديانته، فهل ينجح بايدن في استعادة تلك الروح مرة أخرى أم تستمر الإدارة الأمريكية في نهج التهميش والعنصرية الدينية؟

 وحدة اللغة الإنجليزية

قراءة (8237)/تعليقات (0)