14 يونيو, 2021

الأبارتهايد الرقمي .. وانتصار الانتفاضة الإلكترونية على الهيمنة الصهيونية

الأبارتهايد الرقمي .. وانتصار الانتفاضة الإلكترونية على الهيمنة الصهيونية


تؤدي منصات التواصل الاجتماعي دورًا مؤثرًا، ومحوريًّا، في الأحداث والقضايا الدائرة في عصرنا الحالي، بسبب الانتشار الواسع لها، واهتمام العالم كله باستخدامها ومتابعتها، وصار كل طرف من أطراف أي قضية مطروحة يجتهد في تسخيرها للانتصار لوجهة نظره عبر التأثير على متابعيها من خلال نشر روايته الخاصة، وطمس الرواية الأخرى وتكذيبها.

ومع اندلاع العدوان الصهيوني الإرهابي الأخير على الشعب الفلسطيني داخل أراضيه، الذي أسفر عنه استشهاد (279 شهيدًا) وتدمير للمنازل والمنشآت وتشريد مئات الأسر، برز الدور الفاعل لمنصات التواصل بشكل كبير في نصرة القضية الفلسطينية، وفضح الممارسات الإرهابية للكيان الصهيوني، من خلال الوسوم المتعددة عن رفض تهجير أهالي حي الشيخ جراح، ورفع يد الصهاينة عن الأقصى المبارك، وكان آخرها وسم: "غزة تحت القصف"؛ للمطالبة بالتوقف عن المذابح الوحشية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة.

على الجانب الآخر، برز وجه آخر لمنصات التواصل الاجتماعي، الذي لا يختلف كثيرًا عن موقف كبرى وسائل الإعلام الغربية، وتحيزها للرواية الصهيونية ضد الرواية الفلسطينية، واتباعها لسياسة الكيل بمكيالين، وتضييقها الشديد على المحتوى الرقمي الفلسطيني بشكل يثير الحنق. وكيف أن العالم الغربي يقف أغلبه وراء الرواية الصهيونية ويتبنى موقف الاحتلال الصهيوني الاستعماري ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.

ويمكن القول: إن الفلسطينيين باتوا يخوضون غمار الحروب الطويلة والشاقة، ليس فقط في ميادين المواجهة المباشرة، وإنما كذلك على المنصات الرقمية، وهي معركة يبدو أن الأجيال العربية والإسلامية الجديدة تبرع في استخدام أدواتها، وفي نفس السياق رأينا العديد من الشخصيات العربية والإسلامية المؤثرة في شتى المجالات تستخدم تلك الوسائل لإدانة جرائم الاحتلال الصهيوني ونشرها للعالم أجمع وبكل لغاته في انتفاضة إلكترونية تكاد تكون الأكبر في تاريخ الاعتداءات الصهيونية على دولة فلسطين المحتلة.

العنصرية الصهيونية والهيمنة على منصات التواصل

وعقب الانتفاضة الإلكترونية التي قامت بها الشعوب العربية والإسلامية، وكل أصحاب الضمائر الحيّة في شتى بقاع الأرض، والتي تمثلت في إطلاق الوسوم على منصات التواصل المختلفة، ونشر مقاطع فيديو تبرز وحشية جيش الاحتلال ومستوطنيه الإرهابيين، ومدى الدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني، إضافة إلى المنشورات المختلفة التي أدت دورًا ملموسًا في إعادة تشكيل الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق خلال العقود الأخيرة لدى النشء والشباب بشكل خاص، والذي ربما لم تتح له الفرصة للاطلاع بشكل كامل على أبعاد القضية الفلسطينية وتفاصيلها الدقيقة.

وهنا بدأ الكيان الصهيوني يُطلّ علينا بوجهه العنصري الفجّ، وبدأ في استخدام أساليبه المعهودة في تنفيذ سياسة التضييق على المحتوى الرقمي الفلسطيني على منصات التواصل عبر إغلاق المئات من الحسابات، وحذف المنشورات التي تعرض أي محتوى تضامني مع فلسطين ضد العدوان الصهيوني، وأبرزها كان إغلاق "فيسبوك" لمجموعة "أنقذوا حي الشيخ جراح"، كما تمَّ تسجيل مئات الانتهاكات ضد المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل المختلفة.

وكان التبرير وقتها أن هذه الحسابات تتضمن محتوى لا يتلاءم مع معايير المجتمع، غير أن غياب الشفافية جعلت منصة "فيسبوك" لم تُوضح بالتحديد: ما هو المحتوى الذي ينتهك معاييرها؟ وما هي المعايير من الأساس؟ ومن الذي يحددها وعلى أي أساس يتم ذلك؟ بينما على الطرف الآخر، نرى الاحتلال الصهيوني ومستوطنوه وهم يقومون بالتحريض المباشر ضد الفلسطينيين دون أي تضييق على المحتوى أو غيره؛ بيد أن الحقيقة تتجلى لنا عندما نعلم أنه في الـــ 13 من مايو 2021 التقى عددٌ من المسئولين الصهاينة، أبرزهم وزير العدل الصهيوني "بيني جانتس"، مع مدراء من شركة "فيسبوك" والعديد من المسؤولين التنفيذيين في منصة "تيك توك" بهدف الضغط عليهم لتقييد وصول المحتوى الفلسطيني وإزالته بذريعة "وضع حد لنشر خطاب الكراهية".

وكان رد "آندي ستون"، المتحدث باسم فيسبوك:

"سنعمل على التأكد من أن خدماتنا تمثل مكانًا آمنًا لمجتمعنا، سنواصل إزالة المحتوى الذي ينتهك معايير المجتمع لدينا، والذي لا يسمح بخطاب الكراهية أو التحريض على العنف، وسنشرح بشكلٍ استباقي، ونعزز الحوار حول هذه السياسات لواضعي السياسات".

جدير بالذكر أنه بعد يومين، وفي الــــ 15 من مايو 2021، استهدفت الغارات الصهيونية مبنى في قطاع غزة يحتوي على مراكز إعلامية معروفة، من بينها وكالة أسوشيتد برس؛ مما يلقي بظلالٍ على عدم رغبة في نقل الحقيقة وتعمّد التعتيم.

عنصرية قديمة متجددة

إن كتم الصوت الفلسطيني وحرمان الرواية الفلسطينية من الوصول إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل لا يعدّ أمرًا جديدًا أو مُستحدثًا، إنما هي سياسة صهيونية لازمت هذا الكيان المحتل منذ استيلائه على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولعل من أوائل من سلطوا الضوء على أبعاد هذه القضية كان الأكاديمي الفلسطيني "إدوارد سعيد"، حيث وضّح من قبل أن الغاية الصهيونية هي التغييب المتعمد للقضية الفلسطينية، ومحو فلسطين من الأذهان وتغييبها عن الوعي بعد أن تم تغييبها جغرافيًّا عن الخرائط.

ولعل أقرب إحصائية تتعلق بهذا الشأن قد أصدرها مركز "صدى سوشال" – مركز فلسطيني مختص بالدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية – أفادت أن هناك أكثر من (400) انتهاكا منذ يناير ٢٠٢١ وحتى 19 مايو٢٠٢١، وجاء كل من "تويتر" و"فيسبوك" في صدارة المنصات التي تعتدي على الرواية الفلسطينية.

وأغلقت منصة "تويتر" أكثر من 190 حسابًا لنشطاء وصحافيين ومجموعات تضامن تعمل على تغطية اعتداءات الاحتلال في حي الشيخ جراح بالقدس وغزة. واعتبر مركز "صدى سوشال" إغلاق هذه الحسابات بمثابة عقاب للنشطاء وتآمر بين إدارة "تويتر" والاحتلال الصهيوني من أجل تقليل التفاعل وحجب ما يحدث في فلسطين.

وفي الـ 16 من أبريل ٢٠٢١، منعت إدارة "فيسبوك" ندوة رقمية بعنوان: "حول الرواية والمقاومة والحقوق الأكاديمية"، التي أعاد تنظيمها البرنامج الأكاديمي لدراسات الجالية العربية والمسلمة بالمهجر في جامعة "سان فرانسيسكو" بالتعاون مع كل من معهد الأبحاث الإنسانية ومجلس أساتذة جامعة "كاليفورنيا".

وهذه النماذج تثبت خضوع منصات التواصل الاجتماعي للضغوط الصهيونية؛ حيث سبق أن تعرضت ذات الفعالية للإلغاء في ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٠ من جانب إدارة تطبيق "زوم" وتبعها "فيسبوك" و"يوتيوب" إثر مطالبات من مجموعات صهيونية معادية للحقوق الفلسطينية؛ ما أدى لإلغاء الفعالية برمتها.

منصات التواصل وازدواجية المعايير

تظهر منصات التواصل ازدواجية معايير صارخة عند التعاطي مع القضية الفلسطينية لصالح الصهاينة، فعلى الرغم من التضييق المستمر على الفلسطينيين بمزاعم واهية - والتي ذكرنا جزءًا يسيرًا منها فيما سبق – نجد أن التعامل يختلف كليًا مع المحتوى الصهيوني والصهاينة بشكل عام؛ ومن ذلك ما نُشر في ديسمبر 2020 بخصوص بحث إدارة "فيسبوك" فرض قيود على انتقاد الكيان الصهيوني، وعلى استعمال كلمة "صهيوني" عبر منصتها. وقدّمت سياستها الجديدة التي ستنفّذها حال حدث انتقادٌ للكيان الصهيوني على شبكتها، وأعطت مثالًا توضح فيه ذلك: (إذا نشر مستخدمٌ صورةً لجندي "صهيوني" يخنق طفلًا فلسطينيًا، ووصف مستخدمٌ آخر الجندي في تعليق بأنه "صهيوني قذر"، فسيتم حذف كلًّا من الصورة والتعليق). يأتي الإجراء–وفق المزاعم الصهيونية – ضمن إجراء بـ” فك شيفرة معاداة السامية”، إلا أن حقيقته متمثلة في محاولة إسكات الانتقادات الموجهة لـلكيان الصهيوني من خلال المزج بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.. وشتان الفارق بينهما.

التغلغل الصهيوني داخل منصات التواصل

 ينتفي الاستغراب تجاه هذه الازدواجية عندما نعلم أن "جاردنا كاتلر" - المستشارة السابقة لرئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" - هي المسؤولة الحالية عن "فيسبوك"، كما أنها شخصية رئيسة معنية بمتابعة السياسة المتعلقة بالكيان الصهيوني ويهود الشتات. وهو الأمر الذي يدل بطبيعة الحال على مدى السيطرة الصهيونية على منصات التواصل وتأثير ذلك وانعكاساته.

ومن هذا التغلغل، نجد أن مجلس الإشراف على مضامين فيسبوك - هيئة مستقلة مكلفة بالنظر في المحتوى – تتكون من المدير العام السابق لوزارة العدل الصهيونية "إيمي بالمور" التي كانت تدير شبكة الإنترنت داخل الكيان الصهيوني. ووجودها في مجلس الأمناء يساهم في الإجراءات المعادية للفلسطينيين على فيسبوك، وهو ما تمَّ التحذير منه من قبل في عام 2020 من جانب النشطاء الفلسطينيين.

الانتفاضة الإلكترونية.. طوفان هادر يكسر الهيمنة الصهيونية

يتضح بشكل جلي من متابعة الأحداث الدائرة على منصات التواصل إبان العدوان الصهيوني على غزة أن الشباب نجح بشكل كبير في استثمار أداة مهمة من أدوات الصراع الحديثة لكسر الأبارتهايد الصهيوني (التفرقة العنصرية) على منصات التواصل، والنضال ضد النفوذ الصهيوني واستثماره لصالح قضية التوعية، وذلك من خلال عدد من الإجراءات التي جاءت كطوفان هادر كسر الهيمنة الصهيونية، وأجبر منصات التواصل على التراجع عن مواقفها التمييزية ضد الفلسطينيين؛ من أبرزها:

لجوء الشباب من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، إلى استخدام الخط العربي القديم الخالي من النقاط، في محاولة لخداع الخوارزمية التي تضعها المنصة وتتسبب في حذف منشوراتهم، وكذلك إلى طريقة الخطأ العمد في تهجئة كلمات مثل: فلسطين، و"إسرائيل"، و"الكيان الصهيوني"؛ تفاديًا لحذف المنشورات وحظر الحسابات والصفحات.
إطلاق حملة واسعة لتخفيض تقييم "فيسبوك" على متجر التطبيقات، وهي الحملة التي آتت ثمارها؛ حيث انخفض تقييم "فيسبوك" خلال عدة أيام إلى 1.3 مقارنة بتصنيف أكثر من 4 نجمات، وجاءت غالبيتها التي وضع أصحابها نجمة واحدة مُعززة بتعليقات ووسوم داعمة للقضية الفلسطينية مثل: #FreePalestine أو #GazaUnderAttack.. وهو ما يتضح في منشور لأحد مهندسي البرمجيات قال فيه:
"إن ثقة المستخدم تنخفض بشكل كبير مع التصعيد الأخير بين الكيان الصهيوني وفلسطين، وهناك استياء شديد لدى المستخدمين من طريقة تعاطينا مع الأحداث الراهنة، كما أنهم يشعرون أنهم يخضعون للرقابة، ويحصلون على توزيع محدود، ويتم إسكاتهم في النهاية؛ ونتيجة لذلك بدأ مستخدمونا في الاحتجاج من خلال ترك تقييمات بنجمة واحدة. مُضيفًا أن الشركة تشعر بقلق بالغ إزاء الجهود المنسقة لخفض التقييم، وصنفت المشكلة على أنها ،SEV1 اختصار "severity 1" أي: "خطورة من الدرجة الأولى".

على المستوى الرسمي، أرسل مركز "صدى سوشال"، المختص بالدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية، يوم الأربعاء 21 مايو ٢٠٢١، شكوى رسمية إلى إدارة فيسبوك حول الرقابة التعسفية على المحتوى المنشور على المنصة من جانب الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين. وطالبت الشكوى، التي تم إرسالها أيضًا إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير في العالم، مراجعة عاجلة وشرح للقرارات التي اتخذها فيسبوك بتعليق الحسابات والمنشورات التابعة لوكالات الأنباء الفلسطينية والنشطاء الفلسطينيين.


يهود –من موظفي جوجل – يدعمون الحق الفلسطيني!
ولأن القضية الفلسطينية هي الأكثر عدلًا على وجه الأرض في الوقت الحالي، ولأن هناك بونًا شاسعًا بين اليهودية كشريعة وبين الصهيونية كحركة استعمارية هدفها احتلال فلسطين وما أمكنها من أراضي العرب والمسلمين، جاء الدعم من مجموعة من موظفي جوجل اليهود وسط حملة القصف الدامية التي يشنّها جيش الاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في غزة. وطالب نحو 250 موظفًا في شركة Google في رسالة داخلية الرئيس التنفيذي "ساندر بيتشاي" بإصدار بيان يدين الهجمات الصهيونية وعنف عصابات المستوطنين، مؤكدين رفضهم الخلط بين الكيان الصهيوني واليهودية، بالإضافة للتأكيد على أن معاداة الصهيونية ليست معاداة للسامية.

وتضمنت رسالة موظفي جوجل Google الذين بلغ عددهم (250) موظفًا، مطالبة الشركة برفض أي تعريف لـ"معاداة السامية" يرى أن انتقاد الكيان الصهيوني أو الصهيونية أمر معادٍ للسامية؛ حيث يرون أن في ذلك خلطاً كبيرًا يضرُّ بسعي الفلسطينيين لتحقيق العدالة، وفيه تقييد لحرية التعبير وتشتيت الانتباه عن أعمال معاداة السامية الحقيقية.

موظفون من داخل "فيسبوك" يتهمون شركتهم بالتحيز ضد العرب والمسلمين
وفي تطور خطير يفضح عنصرية منصات التواصل والتحكم الصهيوني بها، كشف موقع "باز فيد" عن شهادات موظفين داخل شركة "فيسبوك" نفسها، يتهمون فيها الشركة بالتحيز ضد العرب والمسلمين، تزامنًا مع العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة؛ حيث أشار التقرير أن مهندسًا كتب رسالة يحذر فيها زملاءه من "فقدان فيسبوك للثقة بين المستخدمين العرب".

وعرض المهندس لقطة شاشة (screen shot) لصفحة "غزة الآن " (Gaza Now)، وعندما أراد تسجيل الإعجاب بها أدى ذلك إلى ظهور رسالة منبثقة "غير مشجعة"، تحت عنوان "قبل الإعجاب بهذه الصفحة"، وكُتب فيها: "عندما تعجبك صفحة، سترى تحديثات منها في آخر الأخبار. قد ترغب في مراجعة "غزة الآن " (Gaza Now)، لمراجعة أنواع المحتويات التي تشاركها عادة". وأضاف المهندس: "لقد أجريت تجربة وحاولت الإعجاب بأكبر عدد ممكن من صفحات الأخبار [التابعة للكيان الصهيوني]، ولم أتلق رسالة مماثلة ولو مرة واحدة"، مشيرًا إلى أن أنظمة الشركة كانت متحيزة ضد المحتوى العربي.

وأكد بعض الموظفين الآخرين بالشركة وجود عدد من الحالات الأخرى الشبيهة بهذه الحالة، التي تستهدف المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية. وبناءً عليه، اجتمع نحو 30 موظفًا لتقديم طعون داخلية لاستعادة المحتوى المحظور على منصتي فيسبوك وإنستغرام، الذي يُعتقد أنه حُظر أو أُزيل بشكل غير صحيح. فيما كشف أحد الموظفين السابقين في الشركة أن تعيين فيسبوك لمستشارة رئيس الوزراء الصهيوني السابقة، "جوردانا كاتلر"، لشغل منصب رئيس السياسة العامة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعد أحد أسباب تعمد فيسبوك حظر المحتوى الفلسطيني.

وأمام هذا السيل الهادر من المقاومة الإلكترونية واسعة النطاق أُجبرت شركة "فيسبوك" –التي تمتلك أيضًا انستجرام- على التراجع عن سياستها التعسفية – ولو بشكل محدود ومؤقت- تجاه المحتوى الرقمي الفلسطيني، بل وتقديم اعتذار رسمي لرئيس الوزراء الفلسطيني "محمد أشتيه" بشأن شكاوى تلقاها الموقع حول حجبه منشورات فلسطينية تناولت الصراع مع الكيان الصهيوني. وأقرّ نائب رئيس الشركة للشؤون العالمية "نيك كليج" بأن الموقع قام بشكل غير دقيق بتصنيف بعض الكلمات شائعة الاستخدام بين الفلسطينيين، كـ"شهيد" و"مقاومة" على أنها تحريض لممارسة العنف.

ومن أدلة انتصار الانتفاضة الإلكترونية كذلك طلب منصة "فيسبوك" من شركة أَبِل "apple" إزالة التعليقات السلبية في متجر التطبيقات، وحذف التعليقات السلبية، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من قبل "آبل". وذلك بعد الشعور بالخطر الشديد بعد الحملة التي أُطلقت لخفض تقييم الموقع.

لقد تركت الانتفاضة الإلكترونية قناعةً لدى قادة الكيان الصهيوني بأنهم غير قادرين على الانتصار في معركة الوعي، وأنهم لن ينجحوا في إخفاء الرواية الفلسطينية في عصر منصات التواصل؛ إذ لم تُفلح هجماتهم المضادة، وحملات التضليل أمام التعاطف العالمي الواضح مع الفلسطينيين. ولعل ذلك ما ظهر في خروج الخبير الاستراتيجي الصهيوني "روني ريمون" على شاشات التلفزيون الصهيونية ومطالبته بضرورة تخصيص ميزانية ضخمة تبلغ الــ (100) مليار دولار سنويًا لمحاربة الرواية الفلسطينية على منصات التواصل.

لقد جاءت هذه المعركة على شبكات التواصل الاجتماعي في فضاء الإنترنت الفسيح العالمي بالتوازي مع المعركة الدائرة على الأرض، ولقد أثبتت هذه المعركة عدة أمور:

نهْج الكيان الصهيوني الدائم بالتعتيم الإعلامي التام لما يفعل ويقوم به من انتهاكات وممارسات بربرية ضد الشعب الفلسطيني، وخشيته من نشر الحقائق كخشية الخفاش أن يرى النور؛ فالظلم والظلام بيئته رضي بهما وركن إليهما.
محاولات الكيان الصهيوني المستمرة بالتغطية على ما يُقدم عليه من انتهاكات ومطالباته بذلك وكأنه صاحب الحق، وذلك منهجه الثابت في تزييف الحقائق؛ فلا ينبغي لمن يبحث عن الحقيقة أن ينخدع به.
ظهور جيل من الشباب لا يستسلم للواقع ويبتكر طرقًا لمقاومة صلف الكيان الصهيوني لنشر الحقائق.
تغلغل حب القضية الفلسطينية في وجدان الأمة الإسلامية وقدرة شعوبها على مقاومة الكيان الصهيوني بوسائل حديثة موافقة للعصر، بل والانتصار عليه.
الاستمرار في التوعية بالقضية الفلسطينية من أهم الأسلحة اللازمة لكسب معركة الوعي أمام الآلة الإعلامية الصهيونية التي اخترقت عددًا كبيرًا من المجتمعات، ولبقاء القضية حيّة في قلوب الأجيال القادمة وعقولهم حتى يأذن الله بفجر جديد.


وهذا هو الهدف الذي نوّه إليه فضيلة الإمام الأكبر في إحدى لقاءاته التلفزيونية حين قال:

  "نحن نعلم أن ظروفنا والواقع لا يسمحان بالمواجهة... بيد أن مهمتنا ومكسبنا الأول والأخير الذي نريد أن نصل إليه، أن تظل الإرادة العربية والإسلامية متيقظة ومستمرة في هذا التيقظ،
ومستعدة أن تدافع عن قضيتها باستمرار، ولا نريد لهذه الإرداة أن تنام".

وحدة رصد اللغة العبرية

قراءة (10321)/تعليقات (0)