تابعَ مرصد الأزهر في تقريرٍ سابقٍ أوضاع منتجات الحلال واقتصاداتها في إسبانيا وأهميتها داخل السوق الإسبانية، بالإضافة إلى تطلعات المسلمين في إسبانيا بهذا الصدد، وفي هذا الإطار تسعى وحدة الرصد باللغة الإسبانية إلى متابعة المستجدات بهذا الشأن؛ نظرًا لما تمثله تجارة الحلال من أهمية للدول الإسلامية وللمسلمين الذين يعيشون خارجها، ويتناول هذا التقرير تطور سوق الحلال في إسبانيا خلال العام الجاري 2016م وما تقدمه للمجتمعات الإسلامية وما تحققه من أرباحٍ بهدف الوقوف على الاحتياجات ومدى توفرها بما يخدم المسلمين في هذه البلاد.
- سوق الحلال وخدمة المجتمعات الإسلامية
لا شك أن تجارة المنتجات الحلال سواء المتعلقة بالأطعمة أو الأدوية تُقدم خدماتٍ مهمةً للمجتمعات الإسلامية على مستوى العالم؛ حيث توفر الاحتياجات الأساسية من الطعام والدواء المطابق لأحكام الشريعة، كما أن حجم تجارة الحلال يتزايدُ يومًا بعد يومٍ تبعًا لمتطلبات السوق وتزايد أعداد الدول المستوردة للمنتجات المعتمدة، ووفقًا لدراسة قامت بها إحدى الشركات الأمريكية، تُقدم سوق الحلال في العالم استثمارات تقدر بحوالي 245 مليار دولار، ومن المتوقع أن تُحقق زيادة بنسبة 6.5% لتصل إلى 324 مليار دولار قبل عام 2020م كما تجدر الإشارة إلى أنه خلال عام 2015م؛ فقد استوردت 57 دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي أطعمة وأدوية حلال تُقدر بحوالي 33 مليار دولار، وقد وصلت استثمارات السوق الحلال في مجال الأدوية حاليًا إلى 156 مليار دولار ومن المتوقع لها أن تصل إلى 214 مليار دولار في عام 2020م.
وبحسب تقديرات معهد "حلال" في مدينة "قرطبة" الإسبانية فإن سوق المنتجات الإسلامية الحلال تتحرك في العالم بنحو 2,75 تريليون يورو سنوياً يتركز حوالي 20 مليار يورو منها في أوروبا منها 800 مليون في إسبانيا، الأمر الذي يَعكسُ مدى رواج المنتجات الحلال وتداولها بصورة جيدةٍ في العالم كله، لا سِيَّما في أوروبا، وتعد شهادة ضمان المنتجات الحلال توثيق للمسلمين في كل العالم بمشروعية هذه المنتجات لصحة استخدامها ولموافقتها لمتطلبات الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهي مناسبة للاستهلاك، سواء في إسبانيا أو الاتحاد الأوروبي أو الدول ذات الأغلبية المسلمة، جديرٌ بالذكر أن المسلمين قد أنفقوا 1.1 تريليون دولار خلال عام 2014م على المواد الغذائية والمشروبات الحلال المعتمدة.
- أوضاع اقتصاديات الحلال في إسبانيا وأنشطة سوق الحلال خلال عام 2016م
يبلغ عدد المسلمين الذين يعيشون في إسبانيا ما يقارب مليوني نسمة، وتسعى الشركات التي تعمل في مجال التجارة والسياحة الحلال إلى توفير متطلبات هذه الأعداد الكبيرة من المسلمين على اختلاف أنواع الأغذية التي يفضلونها، وفي هذا الإطار نظّم كلٌ من معهد "حلال" الإسباني وشركة "إنوفا تاكس فري" المؤتمر الأول في إسبانيا حول السياحة الحلال تحت عنوان: "هل السياحة الحلال فرصة لإسبانيا؟"، وذلك ضمن فعاليات المهرجان العالمي للسياحة خلال شهر يناير الماضي، وقد تضمن المؤتمر نقاشًا حول الفُرص التي توفرها سوق السياحة الحلال للشركات الإسبانية العاملة في هذا المجال وأهمية ختم "حلال" الذي تحمله المنتجات الموجهة للسائح المسلم، كما أُعلن رسمياً في المؤتمر عن منصة "السياحة الحلال العالمية" التي أنشأها معهد حلال وشركة "إنوفا تاكس فري" لتعزيز السياحة الحلال داخل إسبانيا وخارجها.
كما ينطلق في العاصمة الإسبانية مدريد يومي الحادي عشر والثاني عشر من نوفمبر القادم المعرض الثاني "إكس بو حلال"Expo Halal والذي تُنظمه شركة "أمبار أمبار كونكت"، ومن المتوقع أن تشارك فيه عشرات الشركات والمؤسسات بالإضافة إلى المستوردين الذين يعملون في مجال إنتاج وتجارة الأطعمة الحلال، تجدر الإشارة إلى أن تزايد حجم التجارة الحلال وكذلك عدد المسلمين المستهلكين دفع الشركات إلى الاهتمام بهذا النوع من التجارة الرائجة التي تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً، ولا يقتصر نشاط الحلال على الأطعمة فقط؛ بل يمتد كذلك إلى الأدوية وأماكن الزيارات السياحية.
وبالنسبة لنشاطات معهد "حلال" التي تتضمن 300 مركز أو سوق لبيع منتجاته في إسبانيا فقد أعلن المعهد في بدايات شهر أكتوبر من عام 2016م عن إبرام اتفاقٍ مع المعهد المغربي للمعايير القياسية لفتح أسواقٍ جديدةٍ في شمال إفريقيا ودول المتوسط عن طريق إتاحة الفرصة للشركات الإسبانية العاملة في المجال لعرض مُنتجاتها في المغرب والدول المجاورة.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار "توماس جيرّيرو بلانكو" مدير مكتب معهد حلال بمدريد كأحد قادة الاقتصاد الإسلامي الأكثر تأثيراً في العالم للعام الثاني على التوالي، وذلك ضمن قائمة تضم 500 من كبار المديرين التنفيذيين لعددٍ من البنوك الرائدة وكذلك عددٍ من شركات الأغذية والسياحة والتجميل الحلال في العالم، وذلك وفقاً لدليل "الخمسمائة" الذي قُدم في دبي في إطار القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي، يأتي هذا التكريم باعتباره الرئيس التنفيذي للشركة الدولية للسياحة الحلال؛ إشادةً بعمله في معهد حلال وإسهامه في تعزيز سوق الحلال في إسبانيا ودعم الشركات الإسبانية المعتمدة دولياً.
وفيما يتعلق بمجالات الدواء الحلال، فتعتبر شركة منتجات "حلال لايف هيلث" بقرطبة أول شركةٍ أوروبيةٍ تصنع أدوية تحمل شهادة "حلال"، وبالإضافة إلى ذلك فإن الشركة تنفرد بتصنيع نوعين من الأدوية في إسبانيا بالإضافة إلى ثلاثة أنواع من الفيتامينات منها نوع للأطفال، وقال "سالم شريف" المدير التنفيذي للشركة: إن المسلمين يجدون صعوبة في الحصول على الفيتامينات الدوائية ويتساءلون عن مكوناتها قبل شرائها، ولكن الشركة تُسهم في حل هذه المشكلة بتوفير أدوية وفيتامينات لا تحتوي على أية موادٍ مُحرمةٍ شرعاً على المسلمين.
يُعد مركز "حلال" مقر الاعتماد الرئيسي للصناعة الحلال في إسبانيا، ويُقدر المركز أرباح السياحة الحلال بنحو مليار يورو، ويرى القائمون على المركز أنه على إسبانيا أن تبذل مزيداً من الجُهد لزيادة هذا النوع من السياحة عن طريق الإعلانات وتسهيل أعمال الوكالات السياحية وتطوير الأنشطة التجارية والتسويقية لهذه السياحة؛ حيث تجتهد إسبانيا في جذب السائحين من الصين الذين يقدر عددهم بنحو 300 ألف سائحٍ سنوياً بينما يُقدر عدد السياح المسلمين بنحو مليوني سائحٍ حول العالم.
وتأتي إسبانيا في المرتبة 37 في قائمة السياحة الحلال العالمية بسبب افتقارها إلى العديد من الاعتمادات الحلال مقارنةً بدول أوروبيةٍ أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وسويسرا، ولكن من المتوقع أن يكون هناك ارتفاع ملحوظ في القوى الشرائية ليصل إلى 200 مليار يورو لحوالي 150 مليون مسافر حتى 2020، مقارنة ب145 مليار يورو و108 مليون مسافر عام 2014؛ لذا أصبح العديد من الدول يتنافسون على جذب هذه الشريحة إليها.
- احتياجات المسلمين في الفترة الأخيرة
يُطالب المسلمون في إسبانيا بتوفير أطعمة حلال تقرُّها الشريعة الإسلامية لا تحتوي على لحم الخنزير في المدارس ومراكز التعليم الحكومية، وقد أكد رئيس المفوضية الإسلامية في إسبانيا "رياج ططري" لوكالة EFE الإخبارية أنه التقى مع اثنين من المسئولين بحكومة الإقليم خلال الشهر الماضي لعرض مطالبات المسلمين بتعليم التربية الإسلامية للطلاب المسلمين والسماح بإنشاء مقابر شرعية وكذلك المطالبة بحصول الطلاب المسلمين في مدارس الإقليم على أطعمةٍ خاليةٍ من لحم الخنزير؛ نظراً لما يعانيه الطلاب المسلمون من تقديم أطباقٍ تحتوي هذا النوع من الطعام في فترة تناول الوجبات أثناء الدراسة، مما يضطرهم إلى الاكتفاء بطبق واحد أو تكراره.
- محاولات تطوير المجال ومشكلاته
من أكثر المشكلات التي تواجه تجارة الحلال في العالم وخاصة في دول أوروبا هي عملية الغش التجاري التي تتعرض لها المنتجات، فقد لوحظ في الفترة الأخيرة تزوير أختام واعتمادات الحلال لبعض المنتجات غير المطابقة للمواصفات طمعًا في تحقيق أرباح زائدة. وكإجراء احترازي بدأت بلدية إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة في تنفيذ مشروع العلامة الذكية بالنسبة للمنتجات التي تستوردها – باعتبار الإمارات إحدى أكثر الدول في العالم استيرادًا للأطعمة الحلال- وذلك من خلال شركة SICPA السويسرية التي تعمل في مجال تقنيات وضع العلامات المائية والعلامات الذكية للمنتجات، وسوف يتم التأكد من هذه العلامة التي تدل على سلامة المُنتج ومطابقته للشروط من خلال تطبيق على الهاتف المحمول يحمله مستهلكو هذا النوع من الأطعمة.
لاشك أن حجم اقتصاديات الحلال في العالم وفي إسبانيا بشكلٍ خاصٍ يتزايد عاماً بعد عام، وهو مجالٌ خصب للربح كما أنه يسهم بشكلٍ كبيرٍ في دفع حركة التجارة والسياحة، بالإضافة إلى توفير احتياجات المسلمين، إلا إن مشكلة الغش التجاري التي يتعرض لها هذا المجال تمثل خطورةً كبيرةً على مدى نجاحه؛ لذا فمن الضروري أن تضطلع الشركات الإسلامية بدورها في هذا المجال وتشارك في هذه التجارة التي تُحقق أرباحًا طائلةً ولكنها تحتاج إلى ضميرٍ يقظٍ وأمانة كبيرة في معاملاتها حرصًا على مصالح المسلمين وتوفيرًا لاحتياجاتهم، كما أن مجال الأدوية الحلال يحتاج إلى إعادة النظر لدعم هذه المنتجات وتطوير تجارتها وتصنيعها وفقًا للمعايير الإسلامية ولتوفير الدواء الذي يُعد من أهم الاحتياجات الإنسانية.
إن دور الشركات الإسلامية لا غنى عنه في دفع هذه التجارة والاستفادة منها وإفادة المسلمين في جميع الدول التي يعيشون فيها.
وحدة رصد اللغة الإسبانية