وكيل الأزهر:
العالم غضَّ الطَّرف عما يحدث في غزة ولبنان من جرائم الصهاينة أعداء الإنسانية دون وخز من ضمير حيٍّ
إقرار السَّلام يجب أن يكون توجهًا عامًّا تعمل عليه كل المؤسسات والمنظمات والحكومات
وكيل الأزهر يطالب الدعاة بحفظ وحدة الأمة وحماية الشُّعوب من التمزق والتنازع الذي يبدأ بالازدراء ويصل إلى التكفير والتبديع والتفسيق
وكيل الأزهر يطالب العلماء بقراءة التراث وتقديمه للنَّاس واكتشاف ما فيه من قواعد حاكمة جعلته يستجيب للحاجات الحياتية المتجددة
قال أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر: إن اجتماعنا اليوم لوضع رؤية للأمة الإسلامية من خلال التمكين التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي هذا العنوان يأخذنا من واقعنا إلى زمان كانت فيه حواضر الأمَّةِ ومُدنها موارة بالعلم والفكر والفقه والنظر والترجمة والشعر والأدب والفلسفة والفلك والصناعات والمخترعات، وغيرها من مجالات العلوم، وكانت راية الإسلام إيمانًا وأمنًا وعلمًا ترفرف في آفاق الدُّنيا، فاستطاعت الأمة حينئذ أن تحقق شيئًا من خيريتها، وكانت كما أراد ربُّها خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس.
وأضاف وكيل الأزهر -خلال كلمته بمحاضرة" الاتحاد قوة.. رؤية للأمة الإسلامية من خلال التمكين التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي"، بحضور السيد/ أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، ولفيف من قيادات الأزهر- أن الميراث الفقهي والفكري والحضاري الكبير الذي قدَّمته الأمة للدنيا، والذي لم يترك لنا اختيارًا إلا أن نكون أمةً واحدةً، والذي بيَّن لنا كيف يمكن أن نحقق هذه الوحدة المنشودة، التي تستطيع إذا فمهناها وعملنا بمقتضاها أن نقف أمام أي أمة تحاول أن تتداعى علينا.
وتابع الدكتور/ الضويني، أنَّ الواقع مُرٌّ ومؤلم، ولكن الوحدة في مستوياتها المختلفة أحد الحلول الحقيقية لمعالجة ما يمر به عالمنا الإسلامي اليوم من أحداث مؤسفة، في وقت غضَّ العالم الطَّرف فيه عما يحدث اليوم في غزة ولبنان من جرائم الصهاينة أعداء الإنسانية، والتي تستباح فيها دماء أطفال ونساء وشيوخ وعجائز ومرضى دون وخز من ضمير حي، وعلى مرأى ومسمع من دول
الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وأردف فضيلته، أن عقيدة الأمة تدور حول الإيمان بالله الواحد، خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، وهو وحده سبحانه وتعالى المستحق للعبودية بلا شريك ولا نِد، وحول هذه العقيدة المرشدة يدور حراك حياة الأمة بمجتمعاتها وأفرادها دينيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، أو هكذا ينبغي أن يكون؛ ومن ثم فإنَّ غياب المنهج المتكامل في الدين وفي التربية وفي الاجتماع وغير ذلك، أو التحول عنه اختيارًا أو نتيجة ظروف- ينبه الغافلين إلى أنَّ الأمة يجب أن تخرج من طريق الاستضعاف، ويوجب على حكمائها وعقلائها أن يوقظوا القلوب والعقول للسعي نحو تكريس منهج العبادة والسيادة والريادة في حياة النَّاسِ في أمور الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وفي جميع المعاملات بين النَّاسِ؛ وهنا يظهر تخوُّفُ أعداء الأمة من استيقاظها، كثيرًا ما صرح مفكروهم بهذا!.
وأكد وكيل الأزهر أنَّ ما تشهده الأمة الإسلامية من محاولات تشويه متعمد واتهام مقصود مما لم تتعرض له أمةٌ ولا دِين- لا يخفى على كل ذي بصر، وحسبنا أنَّ الله ناصر دينه؛ فمع كل كيد لا يزداد الإسلام إلا انتشارًا وقبولًا لدى النَّاس؛ لأنه الدِّينُ الذي فيه الحلول الناجعة لجميع مشكلات البشرية وعللها؛ قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وإن تداعي الأكلة لا يكون إلا على قصعة ممتلئة بالخير، وإنَّ الأمة غنية بما عندها: عقيدةً وقلوبًا، وموارد وعقولًا، وهي قادرة بما يُتاح لها من فرص أن تتبوأ مكانتها، وأن تقوم بواجبها، وأن تؤدي رسالتها التي أُخرجت بها للناس.
وبيّن فضيلته أنَّ ما يحمله العصر من عطاء تكنولوجي وفرص تقارب اقتصادي واجتماعي يمكن للأُمَّة أن تُحسن استثماره في ضوء تاريخها وتراثها، إذا أحسنت قراءة ماضيها، وهضم تراثها، ومعرفة خصائصها، وأحسنت مع ذلك الاستفادة من كل طرح معاصر. كما أنَّ المقارنة بين تاريخنا وواقعنا توجب العمل على نقل عقلية المسلم من دائرة التَّبعيَّةِ والتَّلقي إلى دائرة الريادة والتقدم والإضافة على مستوى القلب والعقل والعلم والاقتصاد والثقافة، وغير ذلك من مجالات الحياة، ولن يتم هذا إلا عن طريق العالم الواعي، الذي يعرف تاريخه وثوابته ومكامن قوته، ويُحسِن قراءة الواقع والمستقبل.
وجدَّد الدكتور/ الضويني ذِكْر الوصايا الأزهرية التي يوصي بها دائمًا رجال الأزهر
وعلماءه، بأن يفهم العلماء والدعاة والمفكرون أن الواجب الأكبر عليهم أن
يكون همهم الأول حفظ وحدة الأمة، وحماية الشُّعوب من التمزق والتنازع الذي يبدأ بالإقصاء والتهميش والازدراء، ويصل إلى التكفير والتبديع والتفسيق لأدنى خلاف.
وأما الوصية الثانية، فهي أن يعيد العلماء قراءة التراث وتقديمه للنَّاس، واكتشاف ما فيه من قواعد حاكمة جعلته يستجيب للحاجات الحياتية المتجددة على مدى زمني طويل.
وأضاف وكيل الأزهر، أن الوصية الثالثة هي أن تُبنى برامجنا التعليمية والتثقيفية على ما يؤكد وحدة الأمة ويدعمها، وأن تنحي من حياتنا التعليمية والتثقيفية كل ما يعبث بهذه الغاية المقدسة، وكل ما يجدر لفرقة بغيضة أو اختلاف ممرض.
وأما الوصية الرابعة، فهي أن يُفوِّت العلماء والمفكرون والعقلاء الفرصة على المتربصين بالأمَّةِ الذين ينتظرون أي فرصة للطعن في ثوابتها وأصولها، ويعملون على تشويه هويتها.
واختتم وكيل الأزهر كلمته، بأن الأمَّة أَخرجها ربُّ العالمين للناس كل الناس، تأمرهم بالمعروف من أمن وسلام وأمان، وتنهى عن المنكر من ظلم وبغي وطغيان، وأن إقرار السَّلام يجب أن يكون توجهًا عامًّا تعمل عليه كل المؤسسات والمنظمات والحكومات، وخاصةً المؤسسات المسندة بما لديها من مناهج مستقرة، وبما فيها من رجال أمناء، وبمثل هذا يتحقق السلام في أرجاء الكون.