وكيل الأزهر:
العناية بصحة الإنسان وعافيته فريضة دينية
علماء الإسلام لم يدخروا جهدًا في تقديم ما يمكنهم من تحقيق الرعاية الصحية الكاملة
رسالة الأزهر لم تقف عند حدود الدعوة النظرية
مصادر التشريع وضعت إطارًا عامًّا يصل بالإنسان إلى عافية تامة وكاملة
قال أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر: إن الرعاية الصحية قضية ذات أهمية قصوى؛ لأنها تتعلق بالإنسان الذي يتوقف عطاؤه على عافيته البدنية والنفسية والعقلية، ومتى توفرت هذه العافية كان الإنسان أساسًا للعمران والبناء والتقدم، مؤكدًا أن علماء الإسلام لم يدخروا جهدًا -عبر التاريخ- في تقديم ما يمكنهم من تحقيق الرعاية الصحية الكاملة؛ فأقاموا المستشفيات على أسس علمية قدر الاستطاعة، وألَّفوا العديد من الكتب الطبية، وترجموا ما يحتاجون إليه من معارف طبية من أمم أخرى، وغير ذلك من جهود.
وأضاف وكيل الأزهر -خلال كلمته أمس السبت بالمؤتمر الدولي الرابع المشترك بين كليتي طب البنين والبنات بجامعة الأزهر في القاهرة، تحت عنوان: «الرعاية الصحية بين الواقع والمأمول»- أضاف فضيلته أنَّ العناية بصحة الإنسان وعافيته ليست توصية طبية، ولا ضرورة مجتمعية، بل هي فريضة دينية، أوجب الإسلام في القرآن والسُّنَّةِ أن نحافظ عليها أفرادًا ومؤسسات ومجتمعات؛ حتى نستطيع أن نقوم بمهام التكليف وأعباء الخلافة.
وكشف وكيل الأزهر أن مصادر التشريع وضعت إطارًا عامًّا يصل بالإنسان إلى عافية تامة وكاملة، ومن ذلك: أنها شدَّدت في أمر النظافة والطهارة على مستوى الفرد والمجتمع، وهما أساس الوقاية من كثير من الأمراض، بل سبيل العلاج من كثير منها، ومنها أنها عنيت بالتغذية السليمة، وتناول الطعامِ الطَّيِّبِ، كما أنها شجعت على الرياضة البدنية، وحذَّرت من مخالطة المرضى، وأمرت بالتداوي، وطلب العلاج في حال المرض، وغير ذلك كثير.
وبيَّن الدكتور/ الضويني، أن عناية الشريعة ورجالها بصحة الإنسان لم تتوقف عند هذه التوجيهات المهمة، وإنما كان لعلماء الشريعة إسهامات طبية راقية؛ فلم يتوقفوا بعلومهم عند الفقه والحديث والتفسير والسيرة، وإنَّما جمعوا كذلك إلى جنب هذه العلوم علوم التشريح، والطب، والصيدلة.
وأكد الدكتور/ الضويني، أن الأزهر الشريف فهم رسالة الإسلام حق الفهم، ولم يقف بها عند الدعوة النظرية، ولم يقف بها عند معالجة الروح والعقل، بل نقلها إلى دعوة عملية تعالج القلب والبدن معًا، موضحًا أن هذا ناتج من أن الأزهر الشريف يدرك أن الإنسان مركب من: مادة وروح، وأن المجتمع كما يحتاج إلى عالم بالشريعة ينطق بالأحكام حلالًا وحرامًا؛ فإنه يحتاج كذلك إلى طبيب ماهر ينطق بالأحوال صحة ومرضًا، فإذا انضم علم الأديان وعلم الأبدان في إنسان؛ فتلك غاية غالية، موضحًا أنه -في ضوء هذه الرؤية الأزهرية المشرقة- كان أبناء الأزهر متفردين؛ فكانوا الأطباء الشيوخ، أو الشيوخ الأطباء.
وأشار وكيل الأزهر إلى وجود نماذج أزهرية تستحق الإشادة، جمعت بين علوم الشريعة وعلوم الحياة، منها: «الشيخ/ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري»، الذي كان عالمًا بمذاهب أئمة الفقه الأربعة، حَتَّى لقب بـ(المذاهبي)، وقد وصفه معاصروه بأنه كانَ عَالَمًا فَذًّا، وَمُؤلِّفًا عَظِيمًا، كما أنه تَرَقَّى في مناصبه بالأزهر إلى أن أصبح شيخًا للجامع الأزهر لمدة عشر سنوات؛ ليكون أول طبيب فقيه محقق يتولى المشيخة، كما كان واحدًا من علماء الأزهر الذين عُرفوا بالثقافة الواسعة التي شملت: الرياضيات، والهندسة، والفلك.
وأشاد وكيل الأزهر بالجهود المبذولة؛ لتحسين الرعاية الصحية في مصر، ومنها: المبادرات الرئاسية، والحملات التي استهدفت تقديم خدمة متميزة عادلة، وآخرها مبادرة (100) مليون صحة، مؤكدًا أن الرعاية الصحية من أهم حقوق الإنسان، وهي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
وفي ختام كلمته، قَدَّمَ وكيل الأزهر للمؤتمر بعض التوصيات الإسلامية التي يمكن أن تسهم في رفع الرعاية الصحية المعاصرة، ومنها:
الاهتمام بالوقاية، من خلال نشر وتشجيع العادات الصحية السليمة، والتوعية بأهمية الفحوصات الطبية الدورية، وذلك خير من العلاج.
المساواة بين النَّاسِ في تقديم الرعاية الصحية، بغَضِّ النظر عن قدراتهم المادية، أو أماكن وجودهم؛ وذلك بتعزيز التغطية الصحية الشاملة لتشمل جميع السكان.
دعم البحث العلمي، في مجال تطوير الأدوية والعلاجات، وتقوية النظم الصحية؛ بحيث تكون قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.