شهر رمضان هدية، ونعمة من الله سبحانه وتعالى تستحق الشكر، لا سيما لمَن أجتهد في رمضان، وبذل وسعه ليكون من الفائزين.. والشكر لله على إتمام العبادة ليس باللسان فقط؛ وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال، فقد حث الله تعالى على ذلك، فقال: { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } [البقرة :185 ].
ولذلك فخير ختام للعمل الصالح في رمضان أن تكثر من الاستغفار بعده، فقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر فإن الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث أ. هـ لطائف المعارف لابن رجب، فأكثروا من شكر الله تعالى أن وفقكم لصيامه، وقيامه.
وليكن شهر رمضان نقطة انطلاق لك، وقارن بين حالك في رمضان وحالك بعده، وترقى في الأعمال الصالحة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: (الحَالُّ المُرْتَحِلُ) قَالَ: وَمَا الحَالُّ المُرْتَحِلُ؟ قَالَ: (الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ القُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ) أخرجه الترمذي.. فالمعبود واحد و رب رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام.
ولذلك فرمضان بداية.. فهو مدرسة التغيير، نستفيد منه لما بعده.. نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا، ومن أقبل على الله مخلصًا أقبل الله عليه، قال تعالى: {.. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.. } [الرعد: 11]، ومن علامات قبول العبادة والطاعات ظهور أثرها على السلوك والعمل، وحسن معاملة الخلق في كل شيء، فمن وجَد ثمرةَ عمله في خلقه فقد حقق غاية من أهم غايات الطاعة والعبادة.
فمثلًا.. الصلاة واجبة في رمضان وفي غيره، فلا يليق بالمسلم أن يترك الصلاة بعد رمضان، ولا أن يترك الجماعات، فلا تكن من الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان..!!
أخي الحبيب.. من علامات قبول الأعمال الصالحة في رمضان أن تستمر عليها بعده، فالمداومة على الصالحات سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ..) أخرجه مُسلم.. يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: (من عمل طاعة من الطاعات وفرغ منها، فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يُعقِب تلك الطاعة بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها وتعفوها). لطائف المعارف، فداوم على العبادة بعد رمضان، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ)، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. أخرجه مسلم.
ومن علامات قبول العبادات أن يحبب الله الطاعة إلى قلبك فتأنس بها، وتطمئن إليها، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]، والكره للمعصية علامة من علامات القبول عند الله، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات:7].
فلا تغتر بعبادتك، ولا يدخل العُجْب إلى قلبك، ولا تمن على الله بعمَلِك، بل داوم واسأل الله القبول، قال تعالى: { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6]... وإياك والكسل والفتور بعد رمضان، واعلم أن الاستقامة من أفضل الأعمال، فعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: (قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ، فَاسْتَقِمْ) أخرجه مسلم.
وقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا من العمل، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة:27].
وختامًا.. أحسنوا عِبادة الله فليس بعد الموت سجود.. ولا تُضيعوا ما قدَّمتم في رمضان.. ولا ترجعوا إلى المعاصي والسيئات.. (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا..) [النحل: 92].
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.