فتاوى معاصرة

04 أكتوبر, 2018

الإجتهاد........والأئمة الأربعة.

السؤال: أين العقل والمنطق الذي يقبل أن يكون الاجتهاد المطلق حِكرًا على الأئمة الأوائل فقط، والعقل البشري لا يتوقف عبر العصور ؟

الجواب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...

فالاجتهاد معناه بذل الجهد، واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال، ويعرفه علماء الأصول بأنه بذل المجهود في طلب الأحكام الشرعية، ويقابله التقليد، وهو قبول قول الغير من غير دليل، فالعاجز عن ذلك عليه التقليد والسؤال، كما ذكر الله الأمرين في قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43].

ودعوى انقطاع الاجتهاد المطلق بموت العلماء المجتهدين غير صحيحة؛ لأن الاجتهادَ لا يتعلق بالأشخاص ذاتِهم، وإنما يتعلق بصفات وشروط متى توافرت في واحدٍ من الناسِ استحق أن يُطْلَقَ عليه هذا اللقب، لكنْ لابد وأن تتوافر فيه شروط الاجتهاد؛ حتى تنضبط العملية العلمية، وحتى لا يصير الفهم والاستنباط من النصوص وظيفةَ كل من هبَّ ودبَّ من المتسلقين على العلم وأهله؛ فنحن في عصر يحترم التخصص، ويؤمن به، فلا يقبل العاقل أن يأتي أحدُ الذين قرأوا كتاباً أو اثنين في الطب –مثلًا- دون الممارسة العملية والتدرب على أيدي أساتذةٍ متخصصين في هذا المجال، ثم يصبح وقد افتتح عيادةً لعلاج أمراض القلب وادَّعى أنه قد درس الطب، وأنه صالح لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة!.

وقس على ذلك المهندس، وغيره من أصحاب التخصصات المختلفة، وهكذا علم الدين تمامًا بتمام، فلا يجوز لأحد أن يتسلق على المنهجية العلمية الصحيحة التي اتفق عليها علماء الأمة وأفذاذُها في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية، وحتى يكون الشخص متأهلًا لذلك وضعوا لذلك شروطًا وضوابطَ، وهي –كما ذكرها الإمام جلال الدين المحلي في شرح الورقات في أصول الفقه-: «ومن شرط المفتي -وهو المجتهد- أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً خلافاً ومذهباً، أي بمسائل الفقه وقواعده وفروعه، وبما فيها من الخلاف، ليذهب إلى قول منه ولا يخالفه بأن يُحدث قولاً آخر؛ لاستلزام اتفاق مَن قبله بعدم ذهابهم إليه على نفيه، وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال الراوين للأخبار ليأخذ برواية المقبول منهم دون المجروح، وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها ليوافق ذلك في اجتهاده ولا يخالفه» اهـ.

وعليه، فإن كلَّ من توافرت فيه هذه الشروط صح أن يكونَ مجتهدًا، ينسحب ذلك على كل عصر وفي أيِّ مصرٍ، فليس الأمر تعصبًا للفقهاء الأوَلِ، وإنما لتوافر الشروط المذكورةِ فيهم، ولا هو مصادرة على مَن يأتي بعدهم، وإنما لعدم اكتمال هذه الشروط فيهم.

واستعيض عن ذلك في العصر الحالي بالاجتهاد الجَمْعيِّ، وهو ما يطلق عليه المجامع الفقهية، ومجامع البحوث، ودور الإفتاء؛ ففي عام 1381هـ، 1961م صدر في مصر قانون بشأن تنظيم الأزهر، وإنشاء هيئات تابعة له، ومن بين هذه الهيئات إنشاء مجمع فقهي للفتاوى والأبحاث الإسلامية والعلمية، ومنها المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وهو عبارة عن هيئة إسلامية علمية تضم العديد من علماء المسلمين ومفكري الأمة، وقد تم تأسيس هذا المجمع سنة 1398هـ، واتخذ مقرًا له في مكة المكرمة، ومنها المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ففي مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، المنعقد في مكة المكرمة بتاريخ 19 ربيع أول 1401هـ، قرر المؤتمر إنشاء مجمع للفقه الإسلامي، يتكون من مجموعة من العلماء والفقهاء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وعلمية وثقافية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادًا أصليًا فاعلًا، بهدف تقديم الحلول من الشريعة الإسلامية، وغيرها من المجامع الفقهية التي تهتم بالاجتهاد في النوازل التي لم يرد بشأنها نصوص في الشريعة الإسلامية.

هذا، والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.