تجب لسيِّدنا رسول الله ﷺ على المؤمنين حقوقٌ فرضها ربُّ العِزَّة له، آكدُها الإيمانُ به، وتصديقُ نُبوَّته، واعتقاد عِصمته، ثمَّ مطابقة شهادة اللِّسان لما وَقَرَ في القلب بأنَّه رسول الله ﷺ؛ فإذا اجتمع تصديق القلب ونُطْق اللسان تَمَّ بذلك أصلُ الإيمان.
ولكنْ لا يكتمل إيمانُ عبدٍ حتى يكونَ ﷺ أحبَّ إليه من نفسه، وولده، ووالده، وزوجه، ومسكنه، وماله، وجميع النَّاس، ومِن الماء البارد على الظمأ، ولا يصاحبُه في الجنَّة إلا مَن أدَّى حقَّ محبَّته على وجهِه؛ وهو القائل ﷺ: «المرء مع مَن أَحَبّ». [متفق عليه]
ومنْ حقوق سيِّدنا رسول الله ﷺ على أُمَّته طاعتُه، واتباعه، والاقتداء بهديه، وامتثال أمره، والانقياد له، والتزام سنته، ومُدَارَسة سيرتِه، والرِّضا بحُكْمِه، والتَّسليم لما جاء به، والتَّخلُّقُ بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكرَه، وإيثار شَرعِه على الشَّهوة والهوى، والوقوف عند حدِّه، واجتناب نهيه، والحذر عن مخالفته، أو هجران سنته، أو الابتداعِ في دينه.
فمن رَغِبَ عن سُنَّتِه موعودٌ بسوء العِقاب، مُبعد عن حَوْضِهِ، مردُودٌ عليه عملُه، مخذولٌ، خَسْران، والتَّقوّلُ عليه أشنع من التَّقَوّل على غيره، ومن كَذَبَ عليه مُتعمِّدًا فليتبوأ مقعدَه من النَّار.
ومنها أيضًا تعظيمُه، وتَعْزِيرُه، وتَوْقِيره، وإكرامُه، والنُّصحُ له، والشَّوق إليه، وإكرام اسمه، والتَّسمية به، وحُبُّ لقائه، والذَّبُّ عن عِرضِه، والنِّفاحُ عن سُنَّته، ونَفْي الكذبِ عن حَدِيثِه، ومُعادَاة مَن عَادَاه، وبُغضُ مَن أبْغَضَه، ومحبةُ مَنْ أحبَّه، وإكرامُ مَشَاهِدِه وأمكنتِه في مكةَ والمدينة، وزيارةُ قبرِه، وشدُّ الرِّحَال إلى مسجدِه، وقصدُ الصَّلاة فيه، والتَّبرُّكُ برؤيةِ روضتِه، ومِنبرِه، ومجلسِه، ومَلَامِسِ يديْه، ومَوَاطِئِ قدميْه، والعمودِ الذي يستند إليه، ومواطن نزول جبريل بالوحي عليه.
ومن حقوقه ﷺ على أمَّته إجلالُ مَنْ أحبَّهم كآل بيتِه ﷺ؛ فلا يُحبُّهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبغِضُهم إلا مُنَافق، وإكرامُهم -بما في ذلك زوجاتُه أمهاتُ المؤمنين- إكرامٌ له ﷺ، وإيذاؤهم بِسَبٍّ أو انتقاصٍ أو تَعْرِيضٍ إيذاءٌ له، مُحرَّم.
ومن حقوقه ﷺ -كذلك- توقيرُ صحابته الأخيار؛ مهاجرينَ وأنصار، ومَعرِفةُ حقِّهم، والاقتداءُ بهم، والثَّناءُ عليهم، وذِكرُ حسناتهم، والإمساكُ عمَّا شَجَرَ بينهم، ومعاداةُ من عاداهم.
وحقوقُه ﷺ بعد موتِه كحقوقه في حياته، والصَّلاةُ عليه من أعظمِها وأعلاها، وأكرمِها وأسماها؛ فقد صلَّى عَلِيه اللهُ في عَليائِه، وأمر أهل السَّماء بالصَّلاة عليه، وأهلَ الأرض بالصَّلاة والسَّلام عليه؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
فصلِّ اللهم عليه، وعلى آله وصحبه، وسَلِّم تسليمًا كثيرًا.