فتاوى معاصرة

22 ديسمبر, 2022

في ختام فعاليات ملتقاه الثالث .. مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يقدم مجموعة من المخرجات والتوصيات حول دور الفتوى في مواجهة الإلحاد

عقد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ملتقاه الفقهي الثالث تحت عنوان: «الفتوى ودورها في مواجهة الإلحاد»، اليوم الأربعاء الموافق 27 جمادى الأولى 1444هـ/ 21 ديسمبر 2022م، بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر.

وناقش محاور مهمة حول علاقة الدور الإفتائي في رصد الأفكار اللادينية ومواجهتها بالفكر وصحيح العلم، في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بالمشاركة الفاعلة في قضايا الواقع ومستجداته.

وضم اللقاء ثلاثة محاور هي:

- ضرورة مراعاة الفتوى للجوانب النفسية في قضايا الإلحاد.

- آليات تأهيل المفتين في العلوم الإسلامية والإنسانية والطبيعية

- منهجية الفتوى في تفنيد شبهات الإلحاد.

ألقى الكلمة الافتتاحية للملتقى فضيلة الأستاذ الدكتور/ نظير عياد - الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية والمشرف العام على مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، كما شرُف المُلتقى بحضور السادة نواب رئيس جامعة الأزهر، وعدد من علماء الأزهر الشريف من قطاعاته المختلفة، ولفيف من الإعلاميين والشخصيات العامة، وعدد من الشباب وطلاب الجامعات، وبمشاركة أ.د/ محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، وأ.د/ عمرو شريف أستاذ الجراحة بكلية الطب – جامعة عين شمس، وأ.د/ محمد داود - أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة قناة السويس.

وفي ختام الملتقى ألقى د/ أسامة هاشم الحديدي - المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أمام الحضور مخرجات وتوصيات هذا الملتقى، حيث جاءت على النحو التالي:

أولًا: المخرجات:

(1) لم يَعُدْ مفهومُ الإلحادِ قاصرًا على الفكرة العَدميَّة التي أساسُها إنكارُ وجود الخالق -سبحانه وتعالى -، وأنَّ الصُّدفةَ هي مصدرُ الخلق، وكون المادة أزليَّةً أبديَّةً، وهي الخالق والمخلوق في الوقت ذاتِه؛ بل تعدَّاه إلى المعنى الواسع الذي يشملُ الطَّعنَ في مبادئ الدِّين وتشريعاته، أو نقضَ ضروراتِه ومقاصدِه.

(2) أيدولوجيَّةُ الإلحاد تَنْبَني على قناعةٍ فاسدةٍ وهي: تناقضُ العلوم الطبيعيَّة مع الدين وتشريعاته، ويحاول الملاحدةُ استخدامَ بعض الوسـائل البحثيَّـة الحديثـة، ومنـاهجِ البحـث العلمـي المعاصـرة للترويج لهذه القناعة، مـــع ادِّعـــائهم تأييـــدَ الحقـــائق العلميـــَّة (من وجهة نظرهم) لأفكـــارهم ومبادئـهم؛ لذا جاءت فكرةُ هذا الملتقى لتُؤسِّسَ لمنهجيَّةٍ رشيدةٍ في نقض هذه القناعةِ في ضوء ثوابتِ الدين وحقائق العلم الحديث، يستهدي بها الباحثون والمتصدِّرون للفَتْوَى في كلِّ أنحاء العالم.

(3) الإلحادُ ليس فقط مشكلةً دينيَّةً عقديَّةً كما يبدو، وإنما يمكن أن يكونَ مشكلةً نفسيَّةً أو اجتماعيَّةً أو سياسيَّةً أو اقتصاديَّةً، يؤكِّد ذلك أغلبُ الحالات التي وقعت فريسةً له، وكثيرٌ من الدراسات العلميَّة والبحوث المتخصِّصة في هذه العلوم؛ لذا نؤكِّد على المتصدِّرين للفُتيا ضرورةَ التعامُل معها وفق القواعد المستقرَّة في هذه العلوم؛ وهو ما يسمَّى في الفقه الإسلامي: "اعتبار مراعاة الحال".

(4) يحاولُ الملاحدةُ –عبثًا- إثباتَ تعارضِ العقل مع الشرع، بهدف التَّشكيكِ في الأحكام والتشريعاتِ الدينيَّة الثابتة والمستقرَّة، وهذه مغالطةٌ عقليَّةٌ ومنطقيَّةٌ؛ لثبوت واستقرار الأحكام والتشريعات الدينيَّةِ من لدن حكيمٍ خبير، ولا يمكننا اعتبارُ العقولِ والأفهامِ المتغيِّرةِ والمتباينةِ ميزانًا دقيقًا لهذه الأحكام والتشريعات.

(5) اتَّضح لنا أنَّ الملاحدةَ - لقلِّة حيلتهم وضعفِ حُجَّتهم- يستغلُّون الاختلافَ المعتبرَ حولَ الفروعِ الفقهيَّةِ التي يتغيَّر الحكمُ فيها بتغيُّر الزمان والمكان؛ للطَّعن في ثوابت الدِّين وتراثِه الفقهيِّ العظيمِ ومؤسَّساتِه الدينيَّةِ الوسطيَّة؛ ولإثارة الفتنِ والشبهاتِ وزعزعةِ استقرارِ المجتمع والإضرارِ بقِيَمِه الثابتةِ والمستقرَّةِ ... ممَّا يدعونا جميعًا للتكاتُّف والتعاون لمواجهة هذا الخطرِ المُحْدِق.

(6) أثبتت الدراساتُ العلميَّةُ الترابطَ المشتركَ بين الإلحادِ والتطرُّفِ الديني؛ فكلاهما خروجٌ على حدودِ الدين وبدَهيَّاتِ المنطقِ وحقائقِ العلوم الطبيعة؛ ويترتَّبُ على ذلك الإخلالُ بالمنهج العلميِّ، وزعزعةُ الاستقرار المجتمعيِّ، وتقويضُ حركة البناء والعمران.

(7) أسهم مركزُ الأزهرِ العالميُّ للفتوى الإلكترونيَّة منذ تأسيسِه في تحقيق الأمن الفكري للمجتمع من خلال:

- تخصيصِ قسمٍ للفكر والأديان في الفتوى الهاتفيَّة، يُعنَى باستقبال مكالماتِ الجمهور والردِّ هاتفيًّا على كافَّة الأسئلة والاستفسارات المتعلِّقة بجوانب العقيدة، والإلحاد الفقهي.

- إنشاءِ قسمٍ للمتابعة الإلكترونيَّة يقومُ على رصدِ الأفكار الشاذَّة وتحليلِها ورسمِ الخُطَطِ المنهجيَّةِ لمعالجتها وتصحيحها وتحصين المجتمع منها.

- إعدادِ قسمِ البحوثِ والنشرِ لعددٍ من البحوثِ والأوراقِ العلميَّةِ؛ لنقضِ مبادئِ الإلحادِ، وتفنيد شُبهاته.

- إنشاءِ وحدة: «بيانٍ» ضمنَ وَحداتِ قسم معالجة الظواهر؛ وذلك بهدف مواجهةِ الفكرِ الإلحاديِّ واللاديني، وتفنيدِ الشبهات، وتصحيحِ المفاهيم المغلوطة، ودعمِ الاستقرار المجتمعي.

- تدريبِ المُفتِينَ المتخصِّصين في مقاومة الإلحاد الفقهي وتأهيلِهم لردِّ الشُّبهات الإلحاديَّة الفقهيَّة، ومناظرةِ المُدَّعين لها بالحُجَج والبراهين القويَّة المقنعة.

- إطلاقِ عددٍ من البرامج التثقيفيَّةِ والحملات التوعويَّة واللقاءات الجماهيريَّة التي تُعنى برفع المستوى الثقافيِّ التنويريِّ لترسيخ الفهم الحقيقيِّ للدين الحنيفِ بمنهجه المعتدل، ودحضِ شبهات الفكرِ الإلحاديِّ وتفنيد تأويلاتِه الشاذَّة والمنحرفة.

ثانيًا: التوصيات:

- ندعو جميعَ المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ في العالم إلى ضرورة التكاتُفِ والتعاونِ للتصدِّي لظاهرة الإلحادِ وشبهاتِه العقديَّةِ والفقهيَّةِ، ويتجسَّد هذا التعاونُ -من وجهة نظرنا- بتشكيلِ هيئةٍ عالميَّةٍ، من المتخصِّصين والدارسين في العلوم الدينيَّة والطبيعيَّة؛ على أن تكونَ لها منصاتٌ إلكترونيَّةٌ بجميع اللغات؛ حتى يُفيدَ منها الباحثون في الشرق والغرب.

- ضرورةُ التزامِ المُفتين في المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ بمعاييرِ الفتوى الصحيحة، وعدمِ الجنوح للفتاوى الشاذَّة والأقوالِ الغريبة، وأهميَّةُ دراسة كلِّ حالةٍ إلحاديَّةٍ على حدةٍ، وعدم الاغترار بوجود بعضِ العواملِ المشتركةِ بين المُلحدين أو المتشكِّكين؛ حيث إنَّ الإخلالَ بهذه الضوابط يُساعد في تفشِّي ظاهرةِ الإلحادِ وتناميها بشكلٍ يصعبُ علينا مواجهتُه أو الحدُّ منه.

- نوصي وسائلَ الإعلامِ المتعدِّدةَ بضرورةِ التحلِّي برُوح التعاونِ البنَّاءِ والمشاركة الفعَّالة مع المؤسَّسات الدينيَّة والإفتائيَّة في كلِّ ما تَعْرضُه من قضايا وأفكارٍ خاصَّةٍ بالإلحاد وشبهاته؛ لأنَّنا ندركُ تأثيرَ هذه الوسائل في الواقع، ولأنَّ هذا التعاون سيُسهم في مواجهةِ خطر الإلحادِ والحدِّ من تداعياته على الأسرة والمجتمع.

- ضرورةُ اعتمادِ المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ على شباب المُفتين المدرَّبين على فهم ظاهرة الإلحادِ ومهارات التعاملِ مع الشباب، الذين يُشكِّلُونَ أكثرَ طوائفِ المجتمع عُرضةً للإلحاد؛ وذلك لتقارُبِ أعمارهم، ولكونهم أقدرَ على تقديم المساعدة لهم دونَ إشعارهم بالسُّلطويَّةِ أو الفوقيَّة.

- نوصي بضرورة تفعيل دورِ الأُسرةِ في احتواء الأبناءِ الذين قد تظهر عليهم بعضُ علامات التشكُّك في فهم الأحكام الشرعيَّة وتكييفِها، بإتاحة الفرصةِ لهم للمناقشةِ والحوارِ الجادِّ مع المتخصِّصين والدارسين، للحدِّ من استقطاب الملاحدة لهم بأيِّ طريقةٍ كانت.

- ضرورةُ تفعيلِ دورِ الجامعاتِ ومؤسَّساتِ البحث العلميِّ نحو إجراءِ الدراساتِ العلميَّةِ المتخصِّصةِ التي تُناقش دوافعَ الإلحاد ومفاهيمَه وظروفَه في صورته الفرديَّةِ والجماعيَّةِ، وعقدِ اللقاءات الحواريَّةِ المفتوحةِ مع الشباب بالتعاون مع المؤسَّساتِ الإفتائيَّة والمتخصِّصين في العلومِ الإنسانيَّةِ والطبيعيَّةِ؛ بُغيَةَ تفنيدِ شبهاتِ الإلحاد.

- ندعو إلى سُرعةِ عقد مؤتمرٍ عالميٍّ تُشارِكُ فيه جميعُ المؤسَّساتِ الإفتائيَّةِ في العالم؛ لوضع استراتيجيَّةٍ دقيقةٍ لتفيعل دور الفتوى في مواجهة الإلحادِ والفكر اللاديني، على أن يكون هذا المؤتمرُ صورةً من صور التعاونِ والتكاتُفِ بين هذه المؤسَّساتِ في مواجهة ظاهرةِ الإلحاد.

هذا ومن المقرر أن يستمر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في عقد ملتقياته الفقهية بصفة دورية لمواكبة المستجدات المعاصرة، وبحث الحلول العملية والفتوى الشرعية المناسبة لها.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.