فتاوى معاصرة

03 يوليه, 2018

التدخين.. آثاره- وحكمه

كبسولات شرعية (2)

إن تشريعات الإسلام الحنيف جاءت آمرةً بكل معروفٍ نافعٍ، وناهيةً عن كل منكرٍ ضارٍ، فكان من الطبيعي أن تقف وقفةَ المُعادي مما يثبُت ضررهُ على صحة الإنسان.
وتبيّن بلا ريبٍ أن التدخينَ ضارٌ بل وقاتلٌ، فقد نشرت مُنظمة الصحة العالمية تقريرًا مُطوَلا في عام (1975) ، تقول فيه: "إن عدد الذين يلقون حتفهم، أو يعيشون حياةً تعيسةً من جراءِ التدخين يفوق عدد الذين يلاقون حتفهم نتيجة الطاعون، والكوليرا، والجدري، والسل، والجذام، والتيفوئيد، والتيفوس، مجتمعين، والوفيات الناجمة عن التدخين هي أكثر بكثير من جميع الوفيات للأمراض الوبائية مجتمعة"
كما أن مجموع الدخل الذي تحققه الدول الكبرى من جراء الضرائب الباهظة على إنتاج التدخين هو أقل بكثير من الأموال التي تُنفق لمعالجة الأمراض الناتجة عنه، وإنه من الهام معرفة أن الآثار المدمرة للتدخين لا تظهر بشكلٍ واضحٍ، إلا بعد ربع قرن، يدخن الشاب، ولا يدري ماذا يفعل بنفسه، لكن بعد مُضي عشرينَ عامًا أو أكثر تبدأ الآثار الضخمة للتدخين في الظهور.
وللتدخين تأثيره على قدرات ووظائف أعضاء الجسم، فآثاره الضارة كثيرةٌ وخطيرةٌ، فالتدخينُ يصيب الإنسان بالكثير من الأمراض المزمنة والسرطانات، فنسبة السرطان عند المدخنين هي ثمانية أمثال غير المدخنين، إلى غير ذلك من الأضرار والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
(1) أن عمر الشرايين وتصلبها يتأثر به، فلو دخن الشخص في اليوم عشرين دخانةً لنقص من عمره خمس سنوات تقريبًا.
وقد أظهرت دراسة أن التدخين لمدة طويلة يقصر من عمر المدخن من1-7 سنوات.
(2) التدخين يؤدي إلى ضعف الذاكرة، وكثرة النسيان، وفتور النشاط العقلي، فغير المدخن أذكى من المدخن، وأسرع استجابة منه.
(3)كما يضعف التدخين الوظائف التنفسية، ويؤدي إلى التهاب الأنف، والبلعوم المزمنين، وإلى التهاب الحنجرة، والقصبات الرئوية.
(4) بالإضافة إلى أن معظم الإصابات القلبية، والوعائية القاتلة تعود إلى التدخين.
(5) كما أنه يزيد سكر الدم، ويزيد هرمون التجلط، ويسبب التهابا في الملتحمة، وجفافا في الأجفان، والتهابا في العصب البصري، كما يؤدي إلى تسمم الخلية الكبدية، وقصور الكبد.
(6) الدخان أحد أكبر أسباب إصابة الرجل بالضعف الجنسي، وتشوه النطف، ويؤدي إلى العقم عند الرجال والنساء.
(7) بالإضافة إلى أن أكثر حالات الإجهاض والإملاص - ولادة الجنين ميتا - بسبب الدخان، وهو سبب الولادة قبل الأوان، ونقص الوزن، ووفاة الرُّضَّع بسبب الأم المدخنة، أما التشوهات الخلقية، والوفاة في المهد، وربو الأطفال، والصمم؛ فكله يُعزى إلى الأم المدخنة.
(8) ثم أضف إلى كل ما سبق أن المدخن لا يقصر ضرر التدخين على نفسه، بل يضر بهذا من حوله من زوجة، وأولاده، وزملاءه.
كيف بعد كل هذا الضرر تأتى الشريعة بإقراره أو بإباحته؟! كيف وكل ضار في الإسلام محرم؟!
فالتدخين محرم شرعًا، وذلك من وجوه:-
(1) فالإسلام حرم كل ضارٍّ بصحة الإنسان، فقد قال تعالى ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [ سورة الأعراف/ 157]، وقال أيضاً ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [سورة المائدة/5]، وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" [سنن ابن ماجه/2340].
(2) بالإضافة إلى أن صحةَ الإنسان نعمة تستوجب شكر الله – عز وجل – ومن شكر هذه النعمة المحافظة عليها، وتسخيرها في نفع النفس والناس، فكما أن الشكر يكون بالقول فهو أيضاً بالعمل، فقد قال تعالى ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سورة سبأ /13]
(3) كما أن إنفاق المال للحصول على الدخان يعد إضاعة له وهو محرم أيضاً، فعن المغيرة بن شعبة قال، قال النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) [ متفق عليه].
ولذلك فالتدخين حرام شرعاً، ومعصية يعرض الإنسان نفسه من خلالها إلى الهلكة فقد قال تعالى ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[ سورة البقرة/195]، وهذه الحرمة تنسحب على البائع والمشتري والمُصّنع وكل من ساهم في عملية إيصال الدخان إلى المدخن، قال تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [سورة المائدة/ 2].
لذلك انتبه جيداً وتَيَقَّظْ لتَتَجَنَّب الوقوع في هذه المعصية، ولا تقترب من التدخين ولو مرة واحدة؛ فإن مادة النيكوتين الموجودة بالدخان تصل إلى الدم، والذي يصل بدوره إلى الدماغ فيعطي الإنسان شعوراً بالخدرِ تارة، وشعورًا بالنشاط تارةً أخرى، فالدخانُ مهدِّئ، ومنشِّطٌ في آنٍ واحدٍ، وهذا هو سرُّ إدمانه، ولهذا كانت الوقايةُ خيرًا من العلاج.
أما من ابتلي به فعليه أن يجاهد نفسه حتى يعينه الله ويكف عنها، فإن الأمر ليس بمستحيلٍ.. فقط يحتاج إلى عزيمةٍ قويةٍ، وإرادةٍ جادَّةٍ، عندها فقط، سيجد من نفسه قوةً، ومن الله إعانة.
والمقلع عن التدخين سيجد فارقًا كبيرًا بعد تَحوُّل صحته ونفسيته من النقيض للنقيض، فتتحسن وظائفه الجسدية والنفسية تدريجيًا.
(1) فتبدأ وظائف التنفس بالتحسن ويقل التهيج.
(2) ويبدأ بالاستمتاع بالنوم الهادئ بعيدًا عن الأرق والنوم المتقطع.
(3) ويتذوق الطعام بمذاقه الحقيقي ويحقق منه استفادة أكبر.
(4) ويبدأ تدريجيا في استعادة الثقة بينه وبين ذويه، فلن يمتعض ولده الصغير عندما يقترب منه أو يقبله.
(5) ويبدأ جسده بطرد السموم تدريجيا.
فلا تحرم نفسك من هذه الفوائد والفروق، واستعن بالله وأبدأ من الآن.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقيَ شَبَابَنَا سَيِّءَ الصِّفَاتِ وضارَّ العادات، وَأَنْ يَحْفَظَهم من كل مكروهٍ وسوءٍ.. آمِينَ.

كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.